دوما (سوريا) (أ ف ب) - يجر شابان عربة حديدية وضعت عليها الواح طاقة شمسية، يتنقلان بها من حي الى آخر ليضخا عبرها المياه في خزانات مدينة دوما قرب دمشق، في ابتكار جديد يخفف عن اهل المدينة المحاصرة في ريف دمشق اعباء انقطاع الكهرباء والماء. ويقول المهندس ابو محمد احمد (50 عاما)، عضو المجلس المحلي لمدينة دوما والمشرف على المشروع، "اكبر هم للاسرة هو تأمين المياه. المنزل الذي لا توجد فيه مياه لا توجد فيه حياة". ويضيف "نتيجة اسعار الوقود الخيالية، كان لا بد من ايجاد بديل" عن المولدات التي تستخدم في ضخ المياه. "من هنا جاءت فكرة تركيب مجموعة من الالواح الشمسية على عربة متنقلة". ويعاني سكان مدينة دوما المحاصرة من قوات النظام منذ العام 2013 من نقص في المواد الاساسية. ودوما هي إحدى أبرز مدن الغوطة الشرقية، معقل الفصائل المعارضة قرب دمشق. واسفر الحصار عن انقطاع دائم للكهرباء، فاضطر اهل دوما الى الاعتماد على المولدات التي تعمل على الوقود. لكن سرعان ما ارتفعت اسعار المشتقات البترولية وقلّ توفرها في آن. وفي ظل الحصار الخانق، كان لا بد لسكان دوما ان يبتكروا طرقا جديدة للتأقلم مع واقعهم. ومنذ نحو شهر، تتنقل عربة الطاقة الشمسية بين شوارع لدوما لتضخ مياه الابار في خزانات المدارس والمساجد والاحياء الفقيرة. وتتألف العربة من 12 لوحا للطاقة الشمسية وست بطاريات. ويؤمن اللوح الواحد مئة واط كحد اقصى من الطاقة بحسب حرارة الشمس. وتساعد البطاريات المرافقة والمشحونة مسبقا في التعويض عن اي نقص خلال النهار. - مياه مجانية - ويقطع عاملان شوارع عدة أحدها دمرت المباني على جانبيه، بينما يوجد سوق في شارع آخر. ويمر الى جانب عربتهما المتنقلة أشخاص على متن دراجات هوائية كثر استخدامها في دوما بدلا من السيارات نتيجة النقص في الوقود. ويصل العاملان الى وجهتهما، يمد أحدهما شريطا من العربة ويصله في آلة الضخ لتبدأ المياه بالتدفق من خزان أزرق اللون. ويسارع رجل عجوز وشاب وطفل الى تعبئة قواريرهم البلاستيكية. ويصف أبو أكرم (52 عاما) عربة الطاقة الشمسية بـ"أنجح المشاريع في الغوطة". ويقول الرجل الاسمر الذي دمر القصف محله لبيع المواد الغذائية وتركه دون دخل، "كنا في البداية نستخرج المياه عن طريق المولدات، لكن كوننا بلدا محاصرا، فإن نقطة البترول نادرة، وثمنها باهظ". وكان ابو اكرم ومجموعة من جيرانه يشتركون في شراء المازوت لتعبئة خزان المياه في الحي، لكن مشروع الطاقة الشمسية "مجاني وقد وفر علينا كثيرا"، على حد قوله. ويأمل ابو اكرم ان يتطور المشروع ليشمل ايضا ضخ المياه مجانا الى الاراضي الزراعية. ويضيف "كلفة الزراعة هي اصلا في المياه، فاذا حصلنا على المياه مجانا فان الخضار ستصبح بمتناول الجميع باسعار زهيدة". ومنذ بدء العمل، تتنقل العربة يوميا بين ثلاث الى أربع مدارس عوضا عن المساجد وخزانات الاحياء الفقيرة. وجاءت هذه العربة نتيجة فشل مشروع طاقة شمسية آخر، اذ كان المجلس المحلي زود في السابق 13 مدرسة بالواح ثابتة. ويوضح المهندس احمد "حصلت بعض السرقات"، فاضطر المجلس الى ان يخزن الالواح المتبقية قبل ان تتبادر الى الاذهان فكرة استخدامها مجددا لتغذية اكبر عدد ممكن من الاماكن. وتحمل المجلس المحلي تكاليف تجهيز العربة التي جرى تجميعها من بقايا سيارات مدمرة نتيجة القصف. ويقف احمد في أحد شوارع دوما وخلفه عامل ينظف بقطعة قماش الواح الطاقة على العربة المتنقلة. ويقول "كلما زاد عدد الواح الطاقة الشمسية كان افضل"، مشيرا الى ان العربة صممت اساسا لتنقل 24 لوحا الا ان عدم توفرها وغلاء الاسعار اجبر المسؤولون على الاكتفاء بـ12 لوحا فقط. ويبلغ سعر لوح الطاقة الشمسية الواحد 200 دولار، والبطارية 240 دولارا، فضلا عن جهاز تحويل الطاقة الذي تصل كلفته الى نحو 600 دولار. ويأمل احمد ان يتوسع المشروع. ويضيف "اذا توفرت الامكانية لدينا خطط لاعتماد ما بين 20 عربة الى 50 عربة قادرة على تغطية 22 حيا في المدينة، لتؤمن بذلك 70 في المئة من حاجات المياه" لسكان المدينة الـ50 الفا. - لا تكلفة ولا ازعاج - في احدى مدارس دوما، يعتبر المدير بشار (54 عاما) المشروع "نقلة نوعية، فهو سهل لنا تعبئة المياه بكل هدوء". ويقول "كنا في السابق نشغل المولد فيصدر عنه الكثير من الضجيج" اثناء الدروس، مضيفا "كنا نتعذب كثيرا. يعمل المولد احيانا واحيانا اخرى لا يعمل، هل هناك زيت (مازوت) او لا؟". اما اليوم، على حد قوله، "دخلت (عربة) الطاقة بكل هدوء الى الباحة وملأنا المياه من دون ان يدري احد. هذا ممتاز جدا". وفي مسجد "عبد الرؤوف" الذي فرشت ارضه بالسجاد الاخضر، يقول المؤذن ابو محمد بدران (63 عاما) "كنا نعاني من تعبئة المياه في المسجد، الكلفة كانت عالية (...) اما الآن بفضل هذه الطاقة، فانهم يعبئون لنا الخزان من دون تكلفة او ازعاج". ويضيف وقد علت من حوله احاديث اطفال تجمعوا في المسجد، "استهلاك المياه اكبر في رمضان بسبب كثرة المصلين (...) اذا عبأوا لنا المياه يوما او يومين يجزيهم الله خيرا". حسن محمد © 2017 AFP
مشاركة :