في شهر يونيو عام 1967، كنت في الأسابيع الأخيرة من دراستي الجامعية حين اندلعت الحرب، في ذلك الوقت، لم أكن أعرف الكثير عن الشرق الأوسط، لأنني كنت منشغلاً في النشاط مع حركات الحقوق المدنية ومناهضة الحرب في فيتنام. وحين شاهدت نقاشات مجلس الأمن عن الحرب، رأيتها من زاوية النضال ضد الحرب في فيتنام ودعم الحقوق المدنية والعدالة في الولايات المتحدة. ونتيجة لذلك، كنت متشككاً في تبريرات الولايات المتحدة وإسرائيل لهذه الحرب. بدأت الحرب وانتهت بسرعة، وسارع الإعلام والمؤسسة السياسية للاحتفال بالنصر الذي أحرزته إسرائيل. وقيل لنا – آنذاك – إن الحرب كانت «نظيفة وسريعة» وحققت ما يشبه المعجزة. لقد انشترت صورتان عن تلك المرحلة، وكانتا تستهدفان أن تطغيا على مشهد الحرب. إحداهما لجنود إسرائيليين وسيمين وواعدين يقفون عند حائط البراق في القدس. وكانت هذه الصورة تهدف إلى نقل الشعور بالنشوة في النصر والتفاخر باحتلال مدينة القدس، والثانية صور آثار أقدام في رمال صحراء سيناء، قيل لنا إنها تعود للجنود المصريين الفارين من المعركة، وذلك بهدف تصوير الجيوش المعادية لإسرائيل بأنها مجموعات من المهزومين. وقد مرت سنوات قبل أن نكتشف القصة الكاملة لهذه الحرب والأحداث المروعة التي رافقت مثل هذه الصور، والتي أثبتت أن تلك الحرب لم تكن «نظيفة» أبداً ولم تحقق أي «معجزات». ففي شهر سبتمبر 1995، نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريراً تحت عنوان «مصر تقول إن الإسرائيليين قتلوا أسرى حرب 67». وفي التفاصيل انه تم الكشف عن مقابر جماعية في صحراء سيناء لجنود مصريين مع شهود عيان على عمليات القتل تلك، منها لجنود مصريين نجوا من القتل. وبينما كانت هذه التقارير جديدة بالنسبة الى قراء الصحيفة، فإنها كانت معروفة في إسرائيل منذ سنوات، لا سيما بعد اعتراف عدد من الضباط الإسرائيليين بقتل أسرى عزَّل. وعلى أي حال، لم يعبأ أحد في الولايات المتحدة أو الحكومة المصرية بذلك حتى لا يتم التشويش على المعاهدة المصرية – الإسرائيلية للسلام. والصورة القريبة من حائط البراق لم تكن أقل إثارة للجدل. فقد عرف العالم ما فعلته إسرائيل بسكان حي المغاربة القريب من الحائط، ولكنه تجاهل ما فعلته إسرائيل، حتى الأسبوع الماضي حين نشرت صحيفة هآرتس شهادة حول التحرك الإسرائيلي السريع لبسط سيطرتها على القدس. فقد قامت إسرائيل بهدم الحي بأكمله وتسوية 135 منزلاً فلسطينياً بالأرض وتشريد سكانها، وكان الهدف من هذه الجريمة «تطهيرا عرقيا» للسكان العرب. ويصف أحد المقاولين اليهود ما فعلوه بالقول انهم طلبوا من السكان العرب عبر مكبرات الصوت أن يتجمعوا، ثم طرودهم بالقوة، وبدأت الجرافات بهدم منازلهم. ورفض بعضهم المغادرة فداهمتهم الجرافات وهم داخل تلك المنازل، حتى أن عجوزاً دفنتها الجرافات حية تحت أنقاض منزلها. وعرضت الصحيفة صور بعض المنازل وهي تهدم وهي بكامل تأثيثها. لقد كانت عملية «تطهير عرقي» في أبشع صورها. وحتى بعد هذه الشهادات، لا يزال هناك الكثير مما ما زلنا نجلهه عن حرب 67 والجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في تلك الحرب. فعند النظر إلى السجلات الرسمية لقتلى الحرب نجد أن عشرة آلاف مصري قتلوا وفُقد 5 آلاف، فلماذا ليس هناك توثيق لمصير هذا العدد الكبير من الجنود؟ وما الأسرار الأخرى التي لا تزال تخفيها رمال سيناء؟ ولم تقتصر الجرائم الإسرائيلية على سكان حي المغاربة، بل أضافت الحرب أكثر من 300 ألف لاجئ فلسطيني جديد. ان الاحتفاء بالانتصارات واغفال الضحايا والمسؤولية عن محنتهم إنما يؤكدان أن لا أحد تعلم من هذه الدروس، وبالتالي فإنها تضع حجر الأساس للحرب المقبلة. ولا تزال جرائم 67 ماثلة في حياتنا حتى اليوم، ليس من خلال استمرار الاحتلال وجرائمه اليومية فقط، بل من خلال الأسئلة التي لا تزال دون إجابات بشأن ضحاياها والأهوال التي ارتكبتها إسرائيل في تلك الحرب قبل 50 عاماً مضت أيضاً. وإذا لم تلتزم إسرائيل بالكشف عن مصير «المفقودين» وتحقيق العدالة للمهجرين ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم، فإننا نكون – جميعاً – قد فشلنا أمام التاريخ وأمام الأجيال. د. جيمس زغبي رئيس المعهد العربي الأميركي في واشنطن
مشاركة :