هنيبعل يُعيد نزوله الأخير على شاطئ لمطة التونسية

  • 6/22/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

هل كان يعلم ابن التسع سنوات حين غادر قرطاج مرافقاً والده حيث الحروب والتوسع والنفوذ، أنّه سيعود وهو ابن الثالثة والأربعين، ليدخل البلد من مرفأ آخر لتكون خاتمة المعارك هزيمة تاريخية أمام الرومان؟ قبل أكثر من 2200 سنة، مرّ القائد القرطاجيّ هنيبعل من لبدا الصغرى أو لبتيس مينورا أو لمطة (اسمها اليوم)، وهي بلدة صغيرة تستلقي في هدوء على ضفاف جنوب المتوسط. لا شيء يحرّك الهدوء إلاّ مهرجانها السنويّ الذي يحتفل بواحدة من أهمّ الأكلات التونسية على مرّ التاريخ: «البسيسة» تلك الأكلة التونسية الضاربة في عمق التاريخ والمرتبطة بحياة التونسيين، فهل كان هنيبعل يحمل منها ما تيسّر خلال فتوحاته؟ تتراءى مراكب صغيرة قرب سفينة تراثية هناك في المدى عند شواطئ لبدا الصغرى، وتتصاعد أصوات وهتافات، وعلى الشاطئ نساء ورجال يلوّحون بأيديهم مرحّبين مهلّلين بقدوم القائد المخلّص، لتقام الأفراح ويختلط الليل بالنهار. وبعد 22 قرناً بالتمام والكمال، يعود القائد محمولاً على المراكب والأكتاف، ليعيد تجسيد «نزوله الأخير»، والذي تحدّدت بعده تحوّلات كبيرة وخطيرة في تاريخ قرطاج وقائدها الذي لا يهزم أبداً، لكنه هُزم ذات حرب وخيانات. في مدينة لمطة التونسية، سعى منظمو مهرجان التراث الغذائي الى الخروج بالأحداث والفقرات من طابعها الروتيني الذي يعاد في كل دورة تقريباً، وجـاءت فكرة الاحتفال بالنزول الأخير لهنيبعل على الشاطئ في شكل يوحي بعودة التاريخ من حيث الملابس والديكور واعتماد المراكب التقليدية الصغيرة المخصصة للصيد، فضلاً عن الموســــيقى المصاحبة للرقصات والمؤثرات الصوتية، ولوحات استعراضية تحتفل بالضيف الكبير وتصوّر أهمّ مراحل تاريخ البلدة الســاحلية الصغيرة في تفاصيلها اليومية. العرض الذي استمر أكثر من خمسين دقيقة شارك فيه عدد من الراقصات والراقصين أمام مئات السيّاح من جنسيات مختلفة، حضروا من الفنادق القريبة ليشاركوا في الاحتفال بقائد عظيم ما زالت المدارس العسكرية حول العالم تدرّس خططه ومناهجه الحربية، ولتذوّق ما طاب من أكلات تقليدية تزخر بها البلدة وما جاورها. وأقيم في القصر الأغلبي معرض للصناعات التقليدية التي تشتهر بها مناطق الساحل التونسي، فضلاً عن مأدبة ضخمة جمعت صنوفاً من المأكولات، كالخبز التقليدي المغموس في زيت الزيتون والمقروض القيرواني وأنواع من «البسيسة» أقبل عليها السيّاح في شكل لافت. وتستقبل لمطة سنوياً منذ ما يقرب عقدين، آلاف التونسيين والسيّاح، خصوصاً في اليوم الختامي للتجوّل داخل المعرض الذي يقدّم أكلات تونسية أصيلة، إذ ليست «البسيسة» وحدها سيدة المهرجان، فالعارضون يقدّمون الكثير مما يؤكد ثراء التاريخ الغذائي للمتوسط بضفّتيه، بخاصة جنوبه الذي مرّت منه حضارات متنوعة تركت بصماتها في كل شيء. ويزخر المهرجان بعروض موسيقية وأدائية، فضلاً عن الحركة الاقتصادية التي تشهدها البلدة الصغيرة، والتي تصبح وجهة الراغبين في المتعة والتسوّق. وعلى رغم بعض النواقص التنظيمية، يبقى هذا المهرجان من أبرز المهرجانات التونسية وأكثرها خصوصية وفرادة، ربما لأنه ينطلق من التاريخ ليعود إليه بروح متجدّدة. يذكر أنّ «البسيسة» أكلة قديمة جدّا في تونس ودول المغرب العربي، يُعرّفها البعض بأنها أكلة الفقراء وزاد المسافر، تصنع من القمح أو الشعير وتمزج بالحمّص والعدس وكثير من التوابل. ثمّ تقلى المكونات قبل طحنها وخلطها بالزيت والماء والسكر. وفي السنوات الأخيرة، طرأت على هذه الأكلة تطوّرات كبيرة تتماشى والذائقة، ليكون الحديث اليوم عن «بسيسة» القمح والشعير والعدس والحلبة والسمسم، فضلاً عن «بسيسة» الفواكه الجافة كاللوز والجوز والبندق وما شابه... وتؤكل «البسيسة» على شكل مشروب أو عجينة يُضاف إليها التمر أو الحلوى السمسميّة أو الزبيب أيضاً.

مشاركة :