البلطجة في مدارس ألمانية ظاهرة ... تتمدد

  • 6/22/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تعرّضت ليلى إلى موقف أزعجها وجعلها تبكي بحرقة في باحة المدرسة عندما تجمّع تلاميذ، محاولين نزع حجابها عن رأسها صارخين: «أجنبية محجّبة إلى الخارج. كذلك نعتوا محمد بأصله العربي وضحكوا طويلاً عندما بدأ يقرأ. لكن سابينه وهي الأخرى ألمانية لم يتجاوز عمرها 7 سنوات، بقيت أضحوكة لبعض الصبية في صفها لأن في رجلها عرجاً. ولا يقتصر فعل البلطجة أو التنمّر أو المجاكرة كما يقال في اللغة العامية، في المدارس الألمانية على التلاميذ الأجانب أو من أصول إسلامية، إذ كشفت دراسة حديثة أجراها معهد «بيزا» المتخصص، أن واحداً من بين 6 تلاميذ يتعرّض للبلطجة في شكل متكرر في المدراس الألمانية، وهم التلاميذ الذين تترواح أعمارهم بين السادسة والـ١٥ سنة، وقد ربطت الدراسة بين أولئك الذين هم الأكثر عرضة للبلطجة، وبين وضعهم الاجتماعي ومستوى الرفاهية المتدنّي الذي يعيشونه مقارنة بأقرانهم. البلطجة أو (المجاكرة في المدارس الألمانية) ظاهرة يدرسها اختصاصيون ويخرجون بنتائج جديدة في كل مرة يخوضون البحث فيها. ويعدّ التعريف التربوي لفعل البلطجة أو المجاكرة المدرسية، سلبياً موجهاً عمداً من جانب واحد أو أكثر من الأشخاص ضد زميل أو زملاء الدراسة، شرط أن يحدث هذا الفعل على مدى زمني طويل. ويتطلّب التعريف وجود اختلال في التوازن في القوة العقلية أو البدنية أو كلتيهما بين الضحية والجاني أو مجموعة الجناة. ويجب التفريق بين نوع الأفعال التي تندرج تحت صفة البلطجة وتلك التي تصنّف تحت بند المشاجرات وتحدث بين طرفين متساويين بالقوة ولوقت قصير. وتؤكّد دراسات ومذكّرات مرفوعة في شأن البلطجة المدرسية، أنها ليست ظاهرة جدية، ولكنها أصبحت أوسع وأكثر شيوعاً في المدراس. ويجب عدم الخلط بينها وبين المواجهات العدوانية التي تحدث غالباً بين الأطفال واليافعين، وتحدد بأنها قد تكون واحداً من الأشكال التالية: أن يمارس المدرّس أيضاً فعل البلطجة من خلال الاستهزاء بأحد التلاميذ أو الشك بقدراته وكفاءته أو التأفف من مرضه الدائم، أو أن يقوم أفراد في الصف بالاستهزاء من زميل لهم من خلال الضحك عليه أو إهانته بكلمة جارحة، وقد يتوقفون عن الحديث عند دخول أحدهم إلى قاعة الصف، أو إحراجه بطلبهم منه مشاركتهم في مزاولة ألعاب رياضية، على رغم أنه معتل صحياً. وتأخذ البلطجة بعداً عنصرياً آخر حين تمارس ضد تلميذ أجنبي، لعدم قدرته على القراءة أو لفظ الأحرف في شكل صحيح. وقد تكون ضمن اجتماعات الأهل حيث تستخف مجموعة من العائلات بعائلة بحد ذاتها أو استبعادها عن المناسبة، أو النظر بطريقة ازدراء لأم أحد الأولاد، ما يجعل الأم أو الأب يُحجم عن حضور تلك الاجتماعات، لما يشعر به من إقصاء. وأخطر نتائج البلطجة أو المجاكرة في المدراس على العملية التربوية، هي العزلة الاجتماعية التي يقع أسيرها الطفل أو المراهق. وكذلك ينبه الدارسون الى أن معلمين كثراً يندهشون لوضع تلميذ أخذ في الانزواء و «رفع» أسوار بينه وبين الآخرين. هذا لأن التحرّش والإزعاج عادة ما يكونان خفيين وبعيدين من نظر الإدارة، أثناء وقت الفرصة أو على طريق العودة إلى المنزل، ما يجعل المدرّسين غير محيطين بما يجرى. وقد تتراوح البلطجة بين الضحك والهزء أو التهديد بالاعتداء الجسدي أو القيام به فعلاً، أو الابتزاز للحصول على المال أو الملابس أو حلويات الضحية. وتنعكس التأثيرات السلبية للبلطجة على الضحية في بداية الأمر من خلال محاولة بحثها في شخصيته، ما ينقصه والمشكلة التي تجعله هدفاً للبلطجة. وتعتقد غالبية الضحايا في بادئ الأمر أن المشكلة تتعلّق بشخصهم وليس بالذين يقومون بفعل البلطجة. ونادراً ما تقوم التلميذة أو التلميذ بإخبار الصديق عما يصادفه أو حتى أحد الوالدين، ما ينسحب ببطئ على الحياة الاجتماعية المدرسية. وقد يؤدّي فيه اليأس والحزن إلى محاولة الانتحار أو الوقوع في الاكتئاب. وقد تظهر عليه أعراض الاعتلال الجسدي كفقدان الشهية، وآلام في البطن، والكوابيس، ومشكلات النوم. ومن اللافت أنه نادراً ما يربط الأهل أو المدرّسون بين هذه الأعراض المرضية وما قد تتعرّض له الضحية خفية من بلطجة. كذلك قد يفقد التلميذ القدرة على التركيز، وينخفض أداؤه ويغيب عن الحضور ويقع فريسة للقلق. وتوصلت دراسات ألمانية إلى أن البلطجة ليست مشكلة شخصية تخص فرداً أو مجموعة تقوم بها، بل هي فعل أضحت له هيلكية في المدارس نتيجة عدم وجود قدرة على إثبات حدوثه وبالتالي التصدّي له كظاهرة تهدد مستوى التعليم وتقدّم التلاميذ. والواضح أن هناك سمات خاصة قد يتصف بها أو ببعضها التلميذة أو التليمذ الذي يتعرّض في شكل دائم للبلطجة، أولاها الخجل أو عدم تقويمه الصحيح لنفسه، وشعوره بالدونية تجاه الآخرين، عدم قدرته على التكيّف مع محيطه أو عدم اهتمامه بمظهره. وتوصي دراسات بأن يكون المدرّس أو أحد الوالدين مصدر ثقة حقيقياً للأطفال (شخص ناضج)، كي يستطيعوا خصوصاً البوح بما يحصل معهم ويعانون منه، وبالتالي مساعدتهم على تجاوز المحنة وتطوير أدوات لمنع تعرضهم للبلطجة.

مشاركة :