كشف د. شاكر عبدالحميد - الحاصل هذا الأسبوع على جائزة الدولة التقديرية في مصر فرع العلوم الاجتماعية - أن هناك أكثر من مائة تعريف للإرهاب وعندما تم تحليلها وجد حوالي 22 عنصرًا مشتركًا بينهما منها: العنف، القوة، الخوف، التهديد، نوع الهدف، ما وراء الفعل، أهدافه.. التمييز بين الضحية والمعتدي .. الخ. والإرهاب، في جوهره، مجموعة من الأفعال العنيفة "تهديدات أو ممارسات عنيفة" يقصد من ورثها إحداث الخوف "الذعر – الرعب – الفزع". ويُمارس الإرهاب من أجل أهداف اقتصادية، أو دينية أو سياسية أو إيديولوجية أو ذلك كله معًا وهي "هذه الأفعال والتهديدات" تتوجه على نحو متعمد نحو هدف معين أو من أجل خلق حالة عامة من الشعور بعدم الأمن والخوف واللايقين وتتوجه عامة نحو المدنيين أو العسكريين. وقال عبدالحميد في دراسته الصادرة عن سلسلة "مراصد" بمكتبة الإسكندرية بعنوان "التفسير النفسي للتطرف والإرهاب": "يرجع مصطلح الإرهاب، بمعناه الحالي، إلى نهاية القرن الثامن عشر، إذ إن ثوار الثورة الفرنسية الكبرى في 1789 اعتبروا أن الإرهاب وسيلة أساسية من وسائل الحكم؛ ففي في 10 مارس/آذار 1797 أصدر دانتون (وهو أحد قادة هذه الثورة الكبار) مرسومًا يقضي بالهجوم على المنازل لتعقب المشبوهين. ويلخص الوضع الذي ساد فرنسا في تلك الأيام قول ورد على لسان أحد رؤساء المقاطعات في المؤتمر الوطني بباريس: "لقد حان وقت ترهيب المتآمرين. أيها المشرعون ضعوا الإرهاب جدول أعمالكم". وأضاف أن الإرهاب السياسي يعرف بكونه "استعمال العنف بواسطة مجموعة قومية أو منظمة سرية من أجل الحصول على حقوق سياسية أو اجتماعية أو دينية عندما يكون المقصود من هذا العنف تخويف العامة أو إثارة مشاعر المراقبين أو التأثير على سلوكيات ومواقف أعضاء المجتمع اكثر من كونه فعلاً يقصد به إلحاق خسائر أو الإيقاع بضحايا". إن النظرة السريع إلى تاريخ الإرهاب في العالم تطلعنا على موقف متناقض مشكل ألا وهو ارتباط العنف في عديد من صوره بالتراث الديني السائد في عصر ما او مكان بعينه". ورأى عبدالحميد أنه يمكن النظر إلى الإرهاب على أنه "استراتيجية تخاطب عنيفة يقصد من ورائها أن تحدث الخوف". ومن ثم لا ينبغي ان تهتم الدراسات التي تجري حول الإرهاب بالفحص فقط للإطار الظرفي الخاص به، أو للفرص التي تجعله يظهر ويحقق أهدافه، بالتنظيم الخاص به، وكذلك الدوافع التي تقف وراء العمليات العنيفة التي تقوم بها المنظمات الإرهابية، بل أيضًا بمدى جاذبية العنف ذاته بالنسبة لبعض الأفراد والجماعات. كما يمكن النظر إلى الإرهاب أيضًا على أنه مجموعة من الأفعال والرسائل والرموز التي يتخاطب (يتواصل) الإرهابيون، من خلالها، عبر ضحاياهم، حيث ينقل هؤلاء الضحايا سواء كانوا موتى أو أحياء رسالة إلى جمهور عريض أكبر بان هذا الفعل غير قابل للتحكم فيه". وقال يقصد من وراء العمل الإرهابي ان يحدث نوعًا من التفاعل معه، هكذا يريد الإرهابيون إثارة نوع من العداء في استجابات الأفراد على نحو يحقق أهدافهم. والإرهاب فعل استثنائي ينتهك القانون ويعتمد على العنف، ويحاول أن يحدث الفوضى في النظام القائم حيث تطرح المنظمات الإرهابية نفسها كقوة معارضة ضد ما يتم إدراكه على أنه جماعات سياسية واقتصادية مهيمنة غير متجانسة، ويكل الإرهاب عادة نوعًا من الهجوم الذي تقوم به الجماعات الأضعف ضد السلطة الحاكمة والتي تدرك على أنها أقوى ومن ثم تمثل الجماعات والأنشطة الإرهابية إلى أن تكون خفية مستترة. هكذا يكون الصراع الإرهابي أشبه بمجال عمليات لا يمكن التنبؤ بها على نحو كبير ومن ثم فإنه مجال يمتلئ بالدهشة والاستغراب والخوف والتوقع والذعر وغير ذلك من المشاعر. وأكد عبدالحميد أن الأعمال الإجرامية التي يتم خلالها تدمير الممتلكات، وقتل الناس، أو إصابتهم، تصبح أعمالاً إرهابية؛ عندما يتم إدراكها وتبريرها، من خلال عوامل سياسية. هكذا تكون الأعمال الإرهابية أشبه بعمليات هجوم عنيفة على النظام السياسي من خلال جماعات محظورة أو غير منظورة (تحت الأرض). ويعتقد الإرهابيون "على عكس المجرمين العاديين" أن أفعالهم العنيفة صحيحة ومبررة ومطلوبة وموجهة نحو سلطات غاشمة أو ظالمة، ومن ثم يكون الطابع السياسي المميز لها واضحاً، إنهم يهاجمون المشروعية التي تقوم على أساسها هوية الدول الحديثة. ولقد جعلت وسائل الإعلام الجماهيرية من الصعوبة بمكان، بالنسبة للدول أن تتجاهل هذه الأعمال الإرهابية، أو تتظاهر بعدم الاهتمام بها. فالأفعال الإرهابية لها قيمة إخبارية استثنائية هكذا لا تكون لدى الدول رفاهية التجاهل للعرض للحدث الإرهابي حتى يخرج من قاموا به من ساحة الحدث. إن وكالات أنباء أخرى سوف تبثه على التليفزيون او على قنوات التواصل الاجتماعي .. الخ. هكذا سيكون الموت والاصابات التي تلحق بالضحايا الأبرياء نوعًا من الفضيحة العامة للسلطات المسئولة. هكذا فإن هناك نوعًا من العلاقة التكاملية الغريبة بين الإرهاب والميديا؛ فالإرهاب يستخدم الميديا، والميديا تستفيد من عرض أحداث الإرهاب، فبدون الميديا لن يستطيع الإرهابيون نشر الذعر، سوف تكون أفعالهم ضعيفة الأثر، فالهدف من الأعمال الإرهابية ليس مجرد التدمير المباشر للممتلكات أو المنشآت أو قتل عدد من الأفراد أو جرح آخرين، كما أنهم يعرفون أنهم أضعف من أن يهزموا غريمهم السياسي الذي يحاربونه، هكذا يوظف الإرهاب من أجل نشر الخوف والفزع، ومن ثم يحتاجون إلى الوسائل الإعلامية (الميديا) كما أن الميديا يكون لها اهتمامها ـ مصلحتها - الخاصة المتعلقة بعملها كاستراتيجيات مستخدمة في خطاب العنف التفاعلي. وأوضح عبدالحميد أنه لا يمكن أن تقوم الدول الحديثة، وتستمر، إذا فشلت في مواجهة الإرهاب أو القضاء عليه. فالدول تقوم على أساس احتكارها لاستخدام العنف المشروع أو القانوني وهي التي تقوم على أساسه، ولا يمكن تدميره، كما أن الديموقراطية تقوم في جانب كبير منها على أساس ولاء المواطنين للدولة التي تحقق لهم الأمن والأمان. وعندما تفشل دولة ما في تحقيق مثل هذا الأمن، أو تشعر أنها غير ملزمة بذلك، بالنسبة لبعض مواطنيها، أو كلهم، فإنها ستكون أشبه بدولة فاشلة، وشبه دولة، ومن ثم ستزداد احتمالات عمليات العنف الإرهابية وغير الإرهابية التي تظهر منها وتظهر المواجهات العنيفة أيضًا بين القوات الرسمية والمليشيات أو جماعات المعارضة بداخلها وقد حدث ذلك – وما يزال يحدث – في دول مثل كولومبيا وسيريلانكا والفلبين والصومال والكونجو وسيراليون وليبيريا وغيرها. ونبّه إلى أن الإرهاب، في جوهره هو مشروع سياسي، إنه مشروع يسعى من أجل تغيير موازين القوى، ومن ثم يكون العنف الذي يمارسه عنفًا يختلف عن ذلك العنف المصاحب للجرائم العادية، وذلك من حيث وجود اعتقاد ما وقناعة ما لدى الممارسين له، والمحرضين عليه، بوجود مشروعية ما لديهم ينبغي تحقيقها. ه كذا، وخلال التفسيرات العملية لما يقومون به، لا يمتلك الإرهابيون خصلة الاعتذار، بل إنهم يستخدمون التبريرات لخلق نوع من الشعور الأخلاقي أو الضمير المفعم بالرضا نتيجة ما قاموا به من أفعال، ومن خلال قيامهم بذلك يعملون على توليد أو تكوين اعتقاد لدى جماعتهم المرجعية يتعلق بمشروعية ما يقومون به ويعتبر هذا أمرًا حاسمًا من الناحية السياسية وتزداد فرصة نجاح الإرهاب إذا نجح في تدويل الصراع الذي يشترك فيه؛ أي إذا أصبح موضوع اهتمام دولي وليس مجرد اهتمام محلي او محدود. وقدم عبدالحميد في ختام دراسته رؤية حول مواجهة التطرف والإرهاب والتزايد المتواصل للعنف السياسي وغير السياسي في العالم بشكل عام؛ من خلال بعض الملاحظات، رأى فيها ضرورة تعديل الخطط والبرامج الدراسية مع التركيز على موضوعات متعلقة بالقيم الإنسانية والتربية عن طريق الفن وتنمية الخيال.. الخ. وتنمية أساليب التفكير ومهاراته (الناقد/ الإبداعي/ اتخاذ القرارات - حل المشكلات - الذكاء العاطفي). وتشجيع الاستخدام للاستراتيجيات الإيجابية وإعادة صياغة المشكلة بطريقة إيجابية، وليس الإنكار أو الانفصال أو التركيز على عوامل خارجها فقطـ فالتركيز على المشكلة ومحاولة حلها هو المهم. وكذلك المواجهة الاستباقية للأزمات قبل استفحالها، والانتباه للمخاطر وعدم دفن الرؤوس في الرمال. وعدم تجنب التهديدات أو تجاهلها والتركيز على الهروب منها أو تأجيلها والتسامح والعفو عند المقدرة. وضرورة تطبيق كافة معايير العدالة الاجتماعية، وأيضًا البحث عن وسائل تبعد الأفراد، من خلال التربية والتعليم وغيرهما، من الوقوع في براثن النمطية والتكرار والاجترار والتشابه والتفكير الدائري. مع التأكيد على أهمية الاهتمام بالتعدد والقنوع والكثرة والاختلاف. وأكد أن المفتاح الأساس في هذه المواجهة هو الإبداع، وقال "هناك أكثر من ثمانين تعريفًا للإبداع، نختصرها في ثلاث كلمات هي: إنتاج جديد مفيد، أو سلوك جديد مفيد، تفكير جديد مفيد، ويمكن أن تضاف كلمة رابعة هي "وأخلاقي أيضا". هكذا يمكن القول إن ثقافة الإبداع هي الجديرة أكثر من غيرها بمواجهة ثقافة الإرهاب، وتساءل هل هناك فروق بين هاتين الثقافتين؟ ولفت إلى أن هناك فروقا كثيرة تتجاوز الأربعين فرقا، ذكر منها: أولا الإبداع تفكير في نسق مفتوح يهتم بالتعدد والتنوع والكثرة والاختلاف، ووجود أكثر من إجابة للسؤال الواحد، وأكثر من حل للمشكلة الواحدة؛ بينما الإرهاب تفكير في نسق مغلق يقوم على أساس النمطية والتكرار والتفكير الدائري المتقبلة الجاهز والاجابة الواحدة والقطعية، فالعالم مغلق، قد اكتمل، واين اكتمل؟ هناك في الماضي. ثانيا؛ بينما يقوم الإبداع بالتركيز على المستقبل (ولا يهمل دور الماضي أو الحاضر وإنه في الإمكان أبدع مما كان)، تهتم ثقافة الإرهاب بالتركيز على الماضي، وعلى أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان، كما أنها تعارض التأمل والتفرد والخيال ومرونة التفكير. ثالثا؛ الإبداع يشجع على التمرد الإيجابي الفعال لصالح المجتمع والإنسان، بالخيال والتفكير الاحتمالي النسبي الترجيحي، بينما تشجع ثقافة الإرهاب السمع والطاعة، والتنفيذ الجامد للأوامر، كما أنها تمارس العدوان التسلطي (العدوان اللفظي والبدني) على كل من يهدد معاييرها أو قيمها أو أهدافها. رابعا؛ تقوم ثقافة الإبداع على أساس المصارحة والمكاشفة والاعتراف بالأخطاء والتصحيح الذاتي، بينما تقوم ثقافة الإرهاب على أساس الإسقاط والإنكار، ويتجلى الإسقاط في نسبة عيوبها ومثالبها إلى الآخرين، بينما يظهر الإنكار في النفي لوجود أيه أخطاء في أفكارها وممارساتها (فهم ملائكة مبعوثو العناية الإلهية لإصلاح العالم). ويرتبط الإسقاط والإنكار مع ما يسمى في دراسات الإبداع "بالميل إلى الغلق المعرفي"، ويتجلى ذلك في عدم رغبة اتباع ثقافة الإرهاب في تغيير أفكارهم ومعتقداتهم، والرفض لكل ما هو جديد واحتمالي. وهكذا فإن ثقافة الإرهاب ثقافة منغلقة حول ذاتها وليست ثقافة منفتحة على الآخر، والإبداع هو رسالة موجهة إلى الآخر من أجل صالحه، بينما التطرف – او الإرهاب – رسالة موجهة إلى الآخر من أجل تهديده وتخويفه وإبادته على الآخر. خامسا؛ ترى ثقافة الإبداع أن الدين هو طاقة إيجابية بناءة، تساعد على التكيف مع الحياة، والتوافق مع الآخرين، وكذلك تحقيق السعادة، والهدوء، والأمل والسكينة والخير في الدنيا والآخرة، وهذه كلها جوانب إيجابية وطيبة. وحالة الرضا حالة تقوي جهاز المناعة الفردية والجماعية، على عكس ثقافة الإرهاب التي تحاول أن تدمر هذه الحالة من المناعة عن طريق إثارة الخوف، وكذلك إشاعة الشعور بعدم الامن والأمان، وتهدد الحياة الإنسانية نفسها. سادسا؛ تعد المرونة هي القدرة وكذلك البعد السيكولوجي والاجتماعي والتربوي والسياسي الأساسي في مواجهة التطرف والتصلب والجمود؛ والمرونة، فى أبسط تعريفاتها، قدرة إبداعية تتطلب تغيرا فى التفكير والسلوك يناسب التغيرات فى الظروف والمواقف، المرونة تعمل ضد الإغلاق والانغلاق، المرونة تسعى نحو الانفتاح، المرونة تجاوز لتنظيم قائم نحو تنظيم جديد، المرونة تغير فى مسار التفكير، المرونة هروب من التصلب والاجترار والعود الأبدى والدوائر المغلقة، المرونة كسر للنمطي والسائد والمستقر، المرونة قفزة ووثبة عقلية مناسبة وتكيفية في اتجاه إنتاج جديد مفيد، المرونة إدراك للنقض والنقائص، المرونة اندفاع موجه، المرونة بحث عن مسالك جديدة للفكر والفعل، المرونة استبصار وتأمل، ووعي، المرونة خروج من أسر القوالب الصامتة المصمتة ووقوف فى حضرة الآفاق الجديدة والمتجددة والخصبة التي لا تلبث بدورها أن تصبح قديمة، المرونة ليست مشاركة في حروب اليوم بأسلحة الأمس، بل هي سعي للهروب من أسر الضرورة إلى رحابة الحرية، المرونة تجاوز واجتياز للظروف المعاكسة، وغير المشجعة، وغير المدعمة، المرونة بحث عن البدائل، ونظر إلى الموضوع، أو الفكرة، من أكثر من زاوية، وأخيرا المرونة التفاف ودوران، لا يحدث إبداع بدونها، وفي غيابها تتوفر الفرص كلها لظهور التصلب والتطرف والإرهاب. محمد الحمامصي
مشاركة :