المشروع الإسلامي هو المشروع السياسي الأعظم في بلاد العرب وبلاد الإسلام عموماً، وقد بلغ في ظهوره وانتشار أتباعه وأنصاره مبلغاً لم يجعل له منافساً ولا مقارباً. وقد بدأ الغرس والزرع في هذا المشروع من قديم، وظهر أنه قد آن أوان قطف الثمار بعد ثورات الربيع العربي، غير أن أعداء الأمة قد استكثروا ذلك وأبَوا أن يمرروه، فدارت الدائرة مرة أخرى، ودخلنا في جولة من حلقات الصراع الكبير، غير أنها جولة لها ما بعدها، وما بعدها سيكون حاسماً في تاريخ الأمة، وفي تاريخ الأرض كلها. وأبناء المشروع الإسلامي ليسوا على شاكلة واحدة، بل يتمايزون فيما بينهم إلى اتجاهات كثيرة ورؤى عدة. ونحن الآن لسنا بصدد التفصيل في تشعبّات واتجاهات أبناء ذلك المشروع، ولكننا نشير هنا إلى مدرستين واتجاهين رئيسيين تنتظم فيهما كل فروع ومجموعات أبناء المشروع الإسلامي، بحيث أنهما أصبحا قسمين كبيرين جامعين لكثير من التفصيلات والتقسيمات تحتهما. وهذان الاتجاهان هما الاتجاه العقلاني والاتجاه العاطفي. فهناك من أبناء المشروع الإسلامي مَن ينحى منحى عقلانياً في دعوته لهذا المشروع، وفي خطواته لتنفيذه إن مكّن من ذلك، وهو من منطلق هذه العقلانية ينظر إلى المحيط من حوله والواقع والظروف، ويحاول أن يقدّر بذلك ما يجوز أن يكون الآن وما يجب أن يؤخّر إلى الغد، ويقدّم في ذلك خطاباً عقلانياً يحاول فيه أن يزيل تخوفات المتخوفين وترددات المرجفين، فيتخطى خطابه كل مواضع الإشكالات التي تثيرها بعض مفردات وتفصيلات المنهج الإسلامي، والتي تُحدث عند طرحها الكثير من الجدل والتخوف عند البعض. فأبناء هذا الاتجاه مثلاً لا يقدمون في كثير من الأحيان إجابة مباشرة واضحة عندما يُسألون عن تطبيق الشريعة الإسلامية، وخصوصاً إذا كان السائل يقصد بالتحديد الحدود والجزاءات، وكذلك عن التساؤلات حول إشكالية الديمقراطية وإذا ما جاءت يوماً بمن يخالف الشريعة أو بما يخالفها، وعند إجاباتهم عن ذلك فإنهم يدورون حول المسألة ولا يقدمون إجابة مباشرة واضحة، وربما يكون ذلك من الذكاء السياسي والدهاء في محاورة غير الإسلاميين، الذين لا ينقصهم أبدا المكر والدهاء في محاوراتهم وتساؤلاتهم لأبناء المنهج الإسلامي. وهناك من أبناء المشروع الإسلامي من يتحرك لمنهجه -في نشره وتوضيحه وكذلك في إقراره وتنفيذه إن مُكّن من ذلك- تحركاً تغلب عليه العاطفية، وهؤلاء لا يبالون كثيراً بالتعقل في طرحهم ولا في خطواتهم وأعمالهم، ويتحركون في ذلك من قناعتهم بأن أعداء المنهج الإسلامي سيظلون أعداء له مهما حاولنا في إقناعهم واسترضائهم. وهم في خطابهم يقدمون خطاباً واضحاً سافراً في كل القضايا والمعضلات، غير مبالين برؤية مخالف ولا تخوف متخوف من ذلك الطرح، ولا يعطون كثير اهتمام للواقع المحيط ولا للظروف المعاصرة، وينظرون للمنهج الإسلامي على أنه كتلة واحدة متماسكة، فإما أن يكون كاملاً أو لا يكون، وليس هنالك أبداً ثمة تخيل لمرحلية أو تَدرُّجية. هكذا أبناء المشروع الإسلامي، اتجاهان وفريقان، وكل له رؤيته واجتهاده، ولكن التخوف.. أن يتطرف كل طرف في رؤيته واتجاهه فيضر بالمشروع الإسلامي من حيث يريد أن ينفعه. فالعقلانيون من أبناء المشروع الإسلامي، تراهم في بعض الأحيان يبالغون في عقلانيتهم واحترازهم واهتمامهم بفقه المراحل والتدرج، حتى تخشى أن يكون في ذلك تباطؤ ملحوظ في خطوات تنفيذ المشروع والمنهج، وربما فوات في بعض الأمور والمواقف، ولنا في تاريخ أبناء هذا التوجه ما يشير إلى ذلك، حيث الفرص التي سنحت لهم، ولكنهم تباطأوا وتراجعوا خوفاً من الهرولة والاستعجال، فلم يكن تباطؤهم بأقل خسائر مما لو كانوا هرولوا واستعجلوا. كما أنهم يبالغون في تعقلهم عند خطاب العلمانيين والرافضين للمشروع الإسلامي، وتصل مبالغتهم في درجة تعقلهم هذه إلى ما يشبه التخلي والممالأة من أجل استرضاء واستمالة الغير. والعاطفيون من أبناء المشروع الإسلامي.. تراهم وقد ملكت عليهم العاطفة أمرهم، فلا يكادون ينظرون بعقولهم البتة، ولا يعطون أدنى اهتمام للمرحلية والتدرج، وقد ظهر ذلك جلياً في بعض التجارب التاريخية لأبناء هذا التوجه، عندما أتيحت لهم فرصة التنفيذ، فكانوا كالمنبتّ الذي لم يقطع أرضاً ولم يبقِ ظهراً. كما أنهم في حوارهم مع الغير يقدمون خطابا لا يحسن المجادلة، فلا وزن للتعقل عندهم، ولا يبالي ذلك الخطاب بالتخوف من البعض ومحاولة إزالة الالتباس من البعض الآخر، بل ويكون خطابهم متشنجاً ومنفّراً في كثير من الأحيان. هكذا الاتجاهان والطريقان.. ولنا أمثلة عملية للتدليل على ما ذكرنا. فمثالٌ لأبناء العقلانية التي يُخشى معها التباطؤ والتفويت، حكومة العدالة والتنمية في تركيا، فإن كنا نبارك لهم تعقّلهم وذكاءهم الملهم، إلا أن البعض يتساءل: كيف وبعد مرور أكثر من ثلاث عشرة سنة على حكمهم لم نجد ثمة تغيراً ملحوظاً نحو أسلمة الحياة والمجتمع، في حين أن كل إجادتهم وانتصاراتهم هي في مجال الاقتصاد وبناء الدولة؟ ومثالٌ لأبناء العاطفية التي يخشى معها الهرولة والتدمير، حكومة طالبان في أفغانستان، التي لم تتعقل في كل أعمالها، وسارت نحو تنفيذ المشروع الإسلامي بعاطفية غير مستبصرة، فلم تقم مشروعها ومنهجها، ولم تحافظ حتى على دولتها وشعبها، وأضاعت الحرث والنسل. هكذا كان.. ولذلك فنحن ندعو عقلانيينا من أبناء المشروع الإسلامي إلى أن يستبصروا حتى لا يكون في عقلانيتهم التباطؤ والفوات. وندعو عاطفيينا من أبناء المشروع الإسلامي إلى أن يستبصروا حتى لا يكون في عاطفيتهم الهرولة والتدمير. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :