القاهرة – خالد بطراوي | إنهم حقا جيل من العمالقة، ذلك الجيل من ممثلي السينما، والمسرح العرب في الاربعينات، الذي يوصف بأنه جيل العمالقة، خصوصا ان كلا منهم قد ترك علامات بارزة لفنه وموهبته في الافلام والمسرحيات التي مثلها، والتي يرى الجيل الجديد اكثرها من خلال المحطات الفضائية العربية في هذا الزمن! والقبس تحاول جاهدة، بهذه السلسلة التعرف على طبيعة التجربة السينمائية الأولى في مشوار كل نجم من نجوم السينما الذي قامت عليه مسيرته الفنية، حتى صار تاريخه صرحا عملاقا في تاريخ الفن بعامة، ولعلها تستطيع ان تنفض عن اسمائهم غبار النسيان، ونكران الجميل، الذى اسهم فيه الاعلام العربي بنصيب وافر. حياة سامية جمال كانت سلسلة من المتناقضات؛ فمن حياة البؤس والحرمان في واحدة من أفقر قرى بني سويف، الى حياة الترف في أفخم عمارات القاهرة، عمارة ليبون بالزمالك، من النوم على حصير جاف ووسادة خشنة متحجرة الى الفراش الوثير، قليلون من تسير معهم الحياة إما بيضاء وإما سوداء، ولا حالة وسطا، وقليلون من تلتقي عندهم أطراف الأشياء على تناقضها وتنافرها.. قليلون من يجمعون النقيضين في وقت واحد.. أو تصبح حياتهم كلها أنماط من الاختلاف.. قليلون، وفي مقدمتهم حافية القدمين وأشهر الراقصات التي تخرجت في مدرسة الأيام والليالي.. سامية جمال، كل مرحلة في حياة «زينب علي خليل ابراهيم محفوظ»، أو سامية جمال فيما بعد، التي ولدت في السابع والعشرين من مايو عام 1924 في قرية نائية بمحافظة بني سويف، تصلح لأن تكون فيلما سينمائيا قائما بذاته، قصة مستقلة لا ينقصها الصراع الدرامي ولا عنصر المفاجأة. رجال في حياتها وكان حظ كل الرجال الذين أحبوا سامية جمال النجاح، بينما لم تلق هي إلا الألم، فقد أحبها المخرج عز الدين ذو الفقار فترة من الزمن وأبدع أروع أفلامه خلالها مثل: «الرجل الثاني»، «قطار الليل»، «بين الاطلال»، و«امرأة في الطريق»، وارتبط بها الموسيقار بليغ حمدي بالخطوبة لمدة شهر واحد، ولم يقفز القفزة الكبرى في الحانه إلا عندما كان مرتبطا بها ولمع اسمه بين اسماء كبار الملحنين مثل محمد الموجي وكمال الطويل، حتى فريد الأطرش نفسه، كانت أعظم سنوات إنتاجه عندما كانت إلى جواره فقدما فيلم «حبيب العمر» الذي قالت سامية جمال عن فريد الأطرش بسببه يومها: إنه كان «حبيب العمر» في الحياة وفي الفيلم.. وتوالت أفلامهما فقدما معا «أحبك أنت»، «عفريتة هانم»، «تعال سلم»، «آخر كدبة»، و«ما تقولش لحد»، وهو آخر فيلم جمع بينهما عام 1952، وبعده استقلت سامية جمال بشخصيتها الفنية، ولم يعد هناك فيلم استعراضي إلا وكانت هي بطلته، وأصبحت نجمة ذلك العصر، وقفز أجرها إلى خمسة آلاف جنيه. لكن نجاح سامية جمال في السينما لم يقابله نجاح مماثل فـي حياتها العاطفية والزوجيـة، فلم يتحقق لها حلم الزواج بفريد الأطرش رغم قصة الحب التي دامت أحد عشر عاما، وكانت مضرب الأمثال، لكنها انتهت بالوقيعة التي دبرها لهما الحاسدون والحاقدون الذين أوعزوا إليها أنه يتكبر عليها بدعوى «الإمارة»، لأنها راقصة وهو «أمير»، وأنه يستغلها من أجل نجاح أفلامه فقط، لأنه لولاها لما حققت أفلامه النجاح، وصدقت اكثر عندما رفض فريد الأطرش أن يحول زواجهما العرفي إلى زواج رسمي، لأن تقاليد عائلته في جبل الدروز تمنعه من الزواج براقصة، وأنه قد يتعرض للقتل إذا فعل ذلك. وأهم ما يذكر أن أحد الأثرياء من أعضاء مجلس الشيوخ، كان قد أحب سامية جمال بعنف، وحاول مرارا وتكرارا سلخها عن فريد الأطرش، لكن من دون جدوى، فأنتج فيلما بعنوان «غروب» أسند بطولته إلى عقيلة راتب وزكي رستم وأحمد علام، خصيصا ليحذرها من غدر فريد الأطرش وعدم جدوى الإخلاص له.. وهو فيلم أملى موضوعه على المؤلف وصارح بفكرته المخرج كامل مرسي.. وكان ذلك في فترة قطيعة بين سامية جمال وفريد الأطرش. حافية على قمة النجومية ورغم أن سامية جمال لم تكن تجيد القراءة والكتابة، فانها كانت تتحدث الإنكليزية بلكنة اميركية بطلاقة، من كثرة رحلاتها إلى اميركا وأوروبا لتقديم استعراضاتها، وإلى جانب ذلك كانت الفنانة العربية الوحيدة، بعد كوكا التي مثلت في أفلام عالمية، فشاركت في الفيلم الإيطالي- المصري «الصقر»، والفيلم الأسباني المصري «دماء في الصحراء»، وفيلم «وادي الملوك» مع روبرت تايلور، وفيلم «علي بابا والاربعين حرامي» مع النجم الفرنسي فرنانديل. وقد سميت سامية جمال بـ«حافية القدمين»، ذلك أنها كانت يوما ترقص في ملهى «الدولز» في شارع عماد الدين، وقطع حذاؤها في حفل الماتينيه فخلعته ورقصت حافية، وأحضرت حذاء جديدا لحفل السواريه، لكنها وجدته مزعجا بعد أن بدأت ترقص بدقـائق فاضطرت لخلعه، ومن يومها بدأت ترقص من دون حذاء.. وأطلق عليها لقب «حافية القدمين». وقد اعتزلت الحياة الاجتماعية عام 1986.. وفي عزلتها واجهت آلاما وأزمات صحية حادة، ثم أصيبت بجلطة وأنيميا شديدة ودخلت في غيبوبة إلى أن فارقت الحياة في الأول من ديسمبر عام 1994. ولم تترك سامية جمال أبناء، ولها خمسة أشقاء، والطريف أنها كانت قد اشترت مدفنا عام 1990، وزارته قبل وفاتها باشهر قليلة فوجدت عليه رخامة تحمل اسمها، ويومها قال لها حارس المقبرة «كل شيء جاهز ومش فاضل غير تاريخ الوفاة»، وقد كتب تاريخ الوفاة، تماما كما حدث مع زوجها السابق رشدي أباظة.
مشاركة :