سليمة لبال | بعد فشلها في الانتخابات الرئاسية، شرعت مارين لوبان منتصف شهر يونيو في إصلاح قوانين الجبهة الوطنية، بينما يقاتل والدها قضائيا وعبر وسائل الإعلام من أجل الحفاظ على منصبه كرئيس شرفي للحزب الذي أسسه قبل سنوات. معارك وشتائم وصراعات لا تنتهي، هذا ما يميز العلاقة بين الأب والابنة التي تقود أشرس حزب يميني في اوروبا، فهل ستنجح في تنحية والدها نهائيا وتبعده عن الساحة السياسية، وهو يشرف على التسعين، أم سينتصر له القضاء؟ سؤال ستجيبنا عنه الايام المقبلة بالتأكيد. انعقد أول اجتماع للمكتب السياسي للجبهة الوطنية بعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية، في أجواء جيدة وفق مشارك، ويبدو أن تلك كانت الأجواء في الداخل، لان الأجواء التي خيمت خلف أسوار الحزب مختلفة تماما، لأن هذا الاجتماع الاستراتيجي تم أيضا على وقع ازمة عائلية عميقة. من جهتها، قالت مارين لوبان امام الكاميرات والميكروفونات وأمام أبواب مقر الحزب المغلقة في نانتير «انا نائبة اوروبية، وأنا منتخبة، وأنا مؤسسة الحركة، ولا ازال على قيد الحياة». زعزعت نتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية المخيبة للآمال أركان الجبهة الوطنية التي دخلت مرحلة من التفكير العميق عن أسباب الفشل، وفيما كان قياديوها يبحثون ذلك في اجتماع المكتب السياسي، كان جان ماري لوبان وانصاره يقفون امام أبواب مقر الحزب يطالبون باستقالة مارين لوبان ومكتبها التنفيذي. مسؤولية الفشل ويرى هؤلاء ان سبب فشل الجبهة الوطنية تتحمله مارين لوبان، وان المكتب السياسي الحالي لا يستحق ان ينظم مؤتمر الجبهة المقبل. وخلال حوالي عشرين دقيقة ندد جان ماري لوبان بالوضع القائم، وطالب بالتغيير. لقد كان يدرك انه لن يستطيع المشاركة في اعمال المكتب السياسي الذي طرد منه. يعيش جان ماري لوبان في حالة حرب دائمة مع ابنته مارين لوبان منذ طرده من الجبهة الوطنية في 2005. لقد جاء الى غاية باب المقر مع محضر قضائي ليثبت علنا عدم احترام قرار العدالة، واما محاميه مي فريديريك جواشيم فيرى وجود الرئيس الشرفي للجبهة الوطنية في هذه اللحظة الحاسمة من تاريخ الحزب أمرا طبيعيا. واما موكله فقد حضر، فببساطة لانه يود ان يقول شيئا ما داخل المكتب السياسي، وفي هذا الشان يقول مي جواشيم «إنه الحزب الذي اسسه في لحظة حرجة من تاريخه، ويرغب في المشاركة في التفكير في مستقبله، وإن كانت الابواب مغلقة، على قيادة الجبهة الوطنية أن تتحمل مسؤولياتها وترد امام المحاكم». قبل بضعة أيام قالت الجبهة الوطنية إنها تفضل دفع غرامة الالفي يورو على ان تعيد الى الحزب من تم طرده وفصله نهائيا. لقد قطعت مارين لوبان اي مباحثات سياسية مع والدها، وخلال الانتخابات التشريعية، وصفته بالخصم السياسي، ذلك انه دعم مرشحين في الدور الأول من خلال حزبه الجديد «لجان جيان» ضد مرشحي الجبهة الوطنية، وبالنسبة لمناضلي الجبهة الوطنية، فإن هذه المبادرة دليل واضح على مبادرة سياسية عدائية. وخلال المؤتمر الصحافي الذي عقده راهن جان ماري لوبان على صورته كأب متقدم في العمر، تخلت عنه ابنته، في يوم عيد ميلاده، ذلك ان المكتب السياسي للجبهة الوطنية عقد في 20 يونيو، التاريخ الذي احتفل فيه جان ماري لوبان بعيد ميلاده الـ89. وعكس الجو السائد في الخارج، عقد اعضاء المكتب السياسي اجتماعهم في هدوء وفق رغبة مارين لوبان، وبعد ساعة خصصت للمسائل التقنية، تبادل المشاركون وجهات النظر طيلة اربع ساعات. وانتهى الاجتماع بالاتفاق على تنظيم مؤتمر مغلق في منتصف يوليو، يستعرض فيه مقررو اللجان السبع نتائجهم. وستهتم هذه اللجان بسبع مسائل، هي البرنامج ومواضيع الحملة والاستراتيجية، وطريقة عمل الحركة، وتنظيم الحملات الانتخابية، والاجتماعات العامة، علاوة على الدعاية والاتصال والمنتخبين المحليين، على ان يتم تحديد الخيارات فيما بعد خلال المؤتمر ذاته. علاقة معقدة حين أخذت مارين لوبان زمام الأمور على مستوى قيادة الجبهة الوطنية في 2011، لم تتصور دون شك أن تكون احدى اصعب مهماتها، إدارة علاقتها بوالدها. من جانبه فمن المرجح أن جان ماري لوبان لم يتوقع ابدا بعض ردود فعل ابنته التي بدت اقل مرونة منذ توليها رئاسة الجبهة الوطنية، حتى ان اعضاء الجبهة يصفونها بالأعند مقارنة بوالدها. وصورة جان ماري لوبان، وهو يصطدم بابواب المقر المغلقة خلال اجتماع المكتب السياسي، ليست سوى حلقة جديدة من مسلسل طويل تعيشه الجبهة الوطنية. فالطرفان عرفا فترات تميزت فيها العلاقات بينهما بالسخونة والبرود تارة أخرى. وقد أدت هذه التجاذبات وموازين القوى في النهاية الى القطيعة السياسية. ومن المؤكد ان الأمور تفاقمت حين تم فصل جان ماري لوبان من الحزب الذي أسسه، لكن علاقتهما الحالية ليست سوى ثمرة تدهور بطيء. ففي 22 ابريل 2011، أي بعد اربعة شهور من تسلمها قيادة الجبهة الوطنية، قررت مارين لوبان طرد المناضل المؤسس بتهمة أداء التحية النازية. حينها وصف والدها ردة فعلها بالمتسرعة، وقال «من الممكن ألا تكون كل العناصر بين يديها»، وكان ذلك أول احتجاج علني منه على قرار ابنته الرئيسة. وخلال رئاسيات 2012، رغبت مارين لوبان في اقرار قانون حق التقاعد عند بلوغ 60 عاما، ولكن جان ماري لوبان رأى أنه اجراء غريب وخاطئ. وغداة الانتخابات في يوليو وصفها والدها بالبرجوازية الصغيرة في مقابلة مع التايمز. وأما رئيسة الجبهة فكانت تشعر دوما بانها مقيدة وغير حرة في اتخاذ قراراتها، وقد شهدت العلاقة بين الاب والابنة مواجهات عدة، ابرزها تلك التي تتعلق برغبة الرئيسة في مناقشة مسألة تغيير اسم الحزب، بينما يعارض الأب. وحين كرر جان ماري لوبان في 2 ابريل 2015 تصريحاته بشأن غرف الغاز خلال الحرب العالمية على قناة ار تي أل، عارضت ابنته مباشرة، وهو ما اعتبره الاب خيانة، كما عارضته أيضا حين وصف مانويل فالس بالمهاجر، لكنها هذه المرة ذهبت إلى حد معارضة ترشح والدها في الانتخابات الجهوية في منطقة باكا، والهدف هو ايذاؤه بسبب وقوفه ضد تقدمها. أيقنت مارين لوبان أنها تواجه مأزقا، لذلك قررت البدء في إصلاح قوانين الجبهة الوطنية لحمايتها وقطع اي علاقات مع رئيسها الشرفي، وبطبيعة الحال عارض جان ماري لوبان لتبدأ معركة قضائية بين الطرفين، ربح منها جان ماري لوبان ثلاث قضايا للاحتفاظ بمنصبه كرئيس شرفي. لا تزال الصراعات وجبهات النزاع مفتوحة على مصراعيها بين الاب والابنة، ويبدو أن لا مجال للتحاور بينهما الا عن طريق وسائل الاعلام. ¶ لوفيغارو ¶
مشاركة :