منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية ذكرت الخميس أن مدينتي عدن وحضرموت في جنوب اليمن والخاضعتين لسيطرة القوات الحكومية تشهدان حالات “احتجاز تعسفي” و“اخفاء قسري”. واوضحت في بيان صدر في بيروت انها وثّقت “حالات 49 شخصا، من بينهم 4 أطفال، تعرضوا للاحتجاز التعسفي أو الإخفاء القسري” في المحافظتين. ونقلت عن “عدة مصادر، منها مسؤولون يمنيون” وجود “عدد من أماكن الاحتجاز غير الرسمية والسجون السرية في عدن وحضرموت، من بينها اثنان تديرهما دولة الإمارات العربية المتحدة وأخرى تديرها قوات أمنية يمنية مدعومة من الإمارات”. وتعد الامارات العربية المتحدة شريكا أساسا في التحالف العسكري الخليجي الذي تقوده السعودية في اليمن. وكالة أسوشيتد برس أجرت تحقيقا ميدانيا موسعا في هذا الموضوع وصورت مقابلات مع ضحايا هذه المعتقلات. رجل يدعي أن يديه بقيتا مكبلتان وعينيه معصوبتان طيلة نحو ستة أشهر. لم يكن قادرا حتى على حك أنفه، كان لديه بضعة دقائق مرة واحدة في اليوم لقضاء حاجته فقط. أحيانا، لم يكن مسموحا للمعتقلين حتى قضاء الحاجة فكانوا يضطرون لاستخدام القوارير أو في الزوايا. وقال إنه كان ينام معصوب العينين في أنساق متراصة مع المعتقلين الآخرين في الزنزانة. تهمته الوحيدة هي أن أحد أقربائه كان مرتبطا بالقاعدة. صوت، معتقل سابق: أوقفت هناك 177 يوما، دون تحقيق قانوني. طرحوا علي الأسئلة بعد 10 أيام من اعتقالي وكانت هذه هي المرة الوحيدة. لكن خلال 177 يوما كان الضرب والإهانة والإذلال والتعذيب، كان هناك شخص يدعونه الدكتور، إماراتي، اختصاصي بأساليب التعذيب” “ شخص آخر فضل إخفاء شخصيته خوفا من العواقب فيما بعد. مئات الأشخاص تم اعتقالهم خلال حملة مطاردة مسلحي القاعدة واختفوا في شبكة سجون سرية في اليمن الجنوبية، حيث يتعرضون للتعذيب. البعض تم تسليمهم للأمريكيين للتحقيق في السجون أو نقلوا من البلاد، حسب وكالة أسوشيتد برس. البنتاغون أعلم وكالة أسوشيتد برس أن القوات الأمريكية شاركت في التحقيقات مع المعتقلين لكنها نفت أن تكون قد شاركت في خرق حقوق الإنسان. المنظومة السرية لنحو 18 سجنا، تديرها الإمارات العربية المتحدة وقوات يمنية تدربت ومُوِلّت من دول الخليج، هذا ما علمته أسوشيتد برس من عميل للمخابرات الأمريكية. لأكثر من سنة، المعتقلون تم نقلهم من سجن إلى سجن داخل البلاد وحتى إلى الخارج إلى قواعد إماراتية عبر البحر الأحمر في أريتيريا. حكومة الإمارات العربية المتحدة نفت هذه الإدعاءات موضحة أنه “لا توجد معتقلات سرية ولم يجر تعذيب السجناء خلال الاستجوابات”. لكن في أحد المعتقلات الرئيسة في المطار جنوب مدينة المكلا، المعتقلون السابقون وصفوا كيف كانوا يحشرون في حاويات شحن البضائع مكبلين ومعصوبي الأعين لأسابيع. ادعوا أنهم كانوا يضربون ويعذبون ويتعرضون للاعتداءات الجنسية، وما إلى ذلك من إهانات. على بعد أمتار من المعتقلات، كان هناك مبنى للقوات الأمريكية التي تقوم بعمليات ضد مجموعات المتطرفين المعروفة بالقاعدة في شبه الجزيرة العربية. في وضع مشابه، فقد رجل 30 كيلوغراما من وزنه، ولا يريد العودة له. إنه يقول إنه على استعداد لأن “يموت ويذهب للجحيم” على أن يعود إلى المعتقل. في إطار التحقيق لمدة أسابيع، أسوشيتد برس أجرت مقابلات مع 10 معتقلين سابقين ونحو عشر مسؤولين في الحكومة اليمنية والجيش والأمن ونحو 20 من أقرباء المعتقلين. وتوصلت الوكالة إلى أن الإمارات العربية المتحدة حولت ساحل اليمن الجنوبي إلى محمية. الإمارات العربية المتحدة هي جزء من التحالف الذي تقوده السعودية والمعني بحماية الحكومة اليمنية من المتمردين الشيعة المعروفين بالحوثيين على مدى سنتين من الحرب الأهلية، وفي نفس الوقت، مساعدة الولايات المتحدة بمحاربة فروع القاعدة، أحد أخطر التنظيمات في العالم. لكن الإمارات العربية المتحدة أسست جهازا أمنيا واسعا، شكل ميليشيات خاصة بها في اليمن وقواعد عسكرية. في النتيجة أدى هذا إلى تقويض حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف بها دوليا، التي تشتكي من فقدانها السيطرة على المسلحين المدعومين من قبل الإمارات والسجون. في عدن، سجن المنصورة الرئيس قسم إلى قسمين، أحدهما للمتهمين بالجرائم ويقع تحت رقابة الحكومة اليمنية، والثاني، القسم الأكثر ازدحاما، وتديره الإمارات العربية المتحدة وتحتجز فيه المشتبه بهم بالإرهاب. مدير السجن نجيب اليحري أشار إلى أن السجون قديمة وقد تم تجديدها، وعرض على أسوشيتد برس حال الزنزانات المذري قبل التجديدات، مع إشارات إلى أنها مشغولة بعشرات السجناء وتبلغ أبعادها 10 أمتار طولا و 3 أمتار عرضا. أسوشيتد برس كشفت أن شبكة السجون تتموضع خارج مدينتين على طول الساحل الجنوبي لليمن حتى خليج عدن وجزيرة في البحر الأحمر بالقرب من باب المندب، تستمر في الخدمة حتى هذا اليوم. أربعة سجون على الأقل على شاطئ المكلا، حيث قوى الأمن اليمنية وقادتهم الإماراتيين والأمريكيين يعملون معا ضد القاعدة. المجموعة المتطرفة (القاعدة) اجتاحت المنطقة في عام 2015 وأُجبرت على الخروج منها عام 2016، من قبل القوات الخاصة اليمنية التي مولتها ودربتها الإمارات العربية المتحدة وتدعى “النخبة الحضرمية”. حكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي تعتبر قوة من الدرجة الثالثة، ويبقى لها تأثير قليل على الساحل الهادئ للمدينة في مطارها ومينائها. الإماراتيون فرضوا السيطرة على المطار طول السنة الماضية، وجمعوا أكثر من 400 شخص في المكلا والمنطقة المحيطة. عبر اليمن، قضية المفقودين الذين يقاربون الألفين أدت إلى إطلاق احتجاجات الأهالي لمدة نحو أسبوع، مطالبين بمعلومات عن أولادهم وأخوتهم وآبائهم المفقودين. في سجن الريان في مطار المكلا، المعتقلون يدعون أن الحراس يشعلون النار أحيانا، تحت الحاويات ثم يطفئونها بالماء ليمتلئ المكان بالدخان. ويقول المعتقلون السابقون إنه قبل الإفراج عنهم، كان الضباط الإماراتيون يجبرون المعتقلين على توقيع وثيقة بعدم الحديث حول ما تعرضوا له من أذى في السجون. سجين سابق، يتحدث أيضا بشرط عدم الإفصاح عن هويته، يصف الصراخ الذي كان يسمعه خلال الأشهر الستة التي قضاها في حاوية لنقل البضائع في مجمع المطار خارج المكلا. رسم خريطة تقريبية لمكان الاعتقال، وتحدث عن هجومات باستخدام الكلاب وغرف التعذيب حيث كان الناس يضربون ويعذبون بالكهرباء. صوت: “يمكن أن يمسكوهم من هنا ويدخلوها هنا، أو يأخذوها من هنا، ويسحبوها إلى هنا. ونحن نسمع الصراخ، الصراخ، الصراخ، الصراخ” تقارير التعذيب جميعها لا يفصح عن شخصيات أصحابها، لأن المعتقلين السابقين يواجهون الانتقام لنشرهم المعلومات، حسب هدى السراري محامية في مجال حقوق الإنسان في عدن. عدن، التي تطفو على بروز شبه الجزيرة في البحر العربي هي قاعدة الرئيس هادي وحكومته ظاهريا. لكن يذكر مسؤولون يمنيون هنا أيضا، أن العسكريين الإماراتيين وحلفائهم اليمنيين، القوة التي شكلتها الإمارات العربية المتحدة والمعروفة بحزام الأمان والقوة الخاصة لمكافحة الإرهاب التي تخضع لرئيس الأمن في عدن تحوز على سلطة أكثر وكأنها دولة داخل دولة. بالإضافة إلى منصورة، هناك سجن آخر للتحالف محصن بقوة والمعروف ببير أحمد. مراكز اعتقال أخرى بالقرب من خليج الذهب، أحد أروع المناظر الطبيعية في عدن. مسؤولون حكوميون يصرون على أنهم يحاربون الإرهاب ويستخدمون السجون للتحقيق، وأنهم يعملون بالتنسيق مع الإمارات العربية المتحدة والقوات الأمريكية التي تعمل لنفس الهدف وهي شل القاعدة. ويوضحون أنهم يراعون في عملهم احترام حقوق الإنسان إلى الحد الأقصى. صوت، رئيس الأمن في عدن، شلال شايا، يقول: “نحن مسؤولون عنما نقول، لن نقول أي شيء سوى أننا نحافظ على حقوق الإنسان، ونحن نعنى بذلك، ويعرف الجميع هذا” عدة مسؤولين عسكريين أمريكيين، طلبوا عدم الإفصاح عن هوياتهم، أخبروا أسوشيتد برس أن القوات الأمريكية تشارك في التحقيقات مع المعتقلين في مواقع في اليمن، يعطون الأسئلة لآخرين لسؤالها، ويتسلمون نسخة عن التحقيق من الحلفاء الإماراتيين. وأشاروا إلى أن قادة عسكريين كبارا يخشون من أن تمسهم المزاعم، لكنهم راضون عن عدم وجود تعذيب بوجود القوات الأمريكية. وزير الداخلية في الحكومة اليمنية في عدن، المعترف بها دوليا، حسين عرب ذكر أنه يتوقع توسعا في التنسيق بين الولايات المتحدة والتحالف في الأشهر المقبلة. وأوضح أن العلاقات تحسنت منذ تولي دونالد ترامب الرئاسة. صوت، رئيس الأمن في عدن، شلال شايا، يقول: “مؤخرا، خاصة بعد وصول الرئيس الجديد، عادت العلاقات، والاتصالات استؤنفت بيننا والولايات المتحدة، وهناك اتصالات جيدة في عمليات محاربة الإرهاب”. هذه كلمات فارغة بالنسبة إلى علي عواد أبو حبيب، الذي قضى 8 أشهر في الاعتقال في سجن المنصورة في عدن. والده رجل أعمال ثري وتاجر سلاح، جرى اعتقاله أيضا. أخبر أنه نقل إلى قاعدة عسكرية إماراتية في عصاب في أريتريا. مدير السجن اليحري، أكد ذلك عندما سألته أسوشيتد برس. ولم يكن لديه أي اتصالات مع القاعدة، حسب حبيب. يصف فترة اعتقاله بأنها مجموعة من التعذيب الجسدي والنفسي في مشهد بدون نهاية، وما من سبب لهذا التعذيب الدموي. وعندما سأل لماذا تم اعتقاله، يقول إن السلطات أعطته إجابات متنوعة. صوت، معتقل سابق، علي عواد أبو حبيب، يقول: “سيذهبون ليسألوا مدير السجن، وسيجيب أنه لي علاقة مع القاعدة، وسيجيب آخر أنني اعترفت بأني اعمل تاجر مخدرات” يأمل أن كلامه سيؤدي إلى زيادة حظوظ المعتقلين الآخرين في العودة إلى بيوتهم. بالنسبة لوالده، ذكر أن المسؤولين اليمنيين أخبروهم أنه نقل إلى جزيرة عصاب الأريترية، حيث الأمريكيون، وهم يحتفظون به الآن. ويشهد اليمن منذ 2014 نزاعاً دامياً بين المتمردين الحوثيين والقوات الحكومية، فيما سقطت العاصمة صنعاء في أيدي المتمردين في أيلول/سبتمبر من العام نفسه. وشهد النزاع تصعيداً مع بدء التدخل السعودي على رأس تحالف عسكري في آذار/مارس 2015 بعدما تمكّن الحوثيون من السيطرة على أجزاء كبيرة من البلاد. وأوقع النزاع اليمني أكثر من ثمانية الاف قتيل وأكثر من 44500 جريح، وفق الأمم المتحدة، منذ تدخل التحالف العربي بقيادة السعودية المتهمة من قبل منظمات حقوقية بالتسبب بمقتل مدنيين.
مشاركة :