حلوى عيد الفطر تعلو ولا يعلى عليها لدى الأسر العربيةللنصف الأخير من شهر رمضان عادات وتقاليد كانت تحرص عليها الأسر في العديد من البلدان العربية والإسلامية، ومن بين هذه العادات الاستعداد لقدوم عيد الفطر بإعداد حلويات في المنزل، إلا أن هذه العادات بدأت تشهد انحسارا في السنوات الأخيرة نظرا لكثرة مشاغل السيدات اللاتي بتن يفضلن شراء الحلويات الجاهزة من المحلات المخصصة لذلك والتي تشهد بهذه المناسبة إقبالا كبيرا في جل الدول العربية.العرب فيصل عبدالحسن [نُشر في 2017/06/23، العدد: 10672، ص(21)]المحلات المتخصصة بإعداد حلوى العيد أصبحت ضرورة انحسر إعداد حلويات العيد في المنزل كما كان في التسعينات من القرن الماضي، وأخذت معظم العائلات العربية تشتري حلوى العيد جاهزة من محلات الحلوى أو من الأفران، التي توسع عملها باستخدام عمال وعاملات إضافيين في فترة العيد لعمل الحلوى، وذلك قصد تغطية الطلب المتزايد عليها. كانت الكثير من العائلات في مصر تحرص على إعداد كعك العيد. وفي العراق تعد معظم الأسر الكليجة، وفي السعودية تحضر العائلات المعمول، وفي لبنان الملبن العثماني وهو يشبه حلوى “اللُّقم” المُطَعَّمة بعين الجمل واللوز. وتشتهر منطقة صيدا بالملبن، ويتطلب إعداده عدة أيام. وفي الجزائر يتم إعداد البقلاوة التي تعتبر عروس الحلويات في عيد الفطر، وصبيعات العروس، والمقروط وغيرها. وفي المغرب يقتصر عمل الكثير من المخابز ومحلات الحلوى، وأفران البيوت على عمل حلويات عيد الفطر، كالشباكية، والبريوات وكعب الغزال. ومعظم الحلويات في المغرب تعمل باللوز، وعين الجمل والكاكاو والشكولاتة واليانسون والجلجلان (السمسم). وقبل العيد بأيام تتحول الكثير من المحلات، التي كانت قبل رمضان لها نشاطات تجارية مختلفة إلى عمل الحلوى، خصوصاً الشباكية، التي لا تخلو منها مائدة العيد المغربية، لما يشكله مظهرها من جمال وبهجة، بلونها الذهبي، وما يسيل منها من عسل وقطر (الشيرة)، وينتشر فوقها مطحون الفستق والجلجلان (السمسم) وما ينثال منها روائح طيبة، كماء الورد، والزيت البلدي، ومطيبات أخرى كحبة الحلوى، والزعفران، والقرفة (الدارسين) والهال وغير ذلك. وتقول نوال الزهراني (40 سنة) ربة بيت لـ”العرب” عن استعدادات عائلتها لعيد الفطر “شهر رمضان من الشهور التي تتعب فيها المرأة كثيراً، فجهودها تتضاعف خلال هذا الشهر بأعباء التحضير له. وما أن يحل منتصف الشهر حتى تبدأ استعداداتها لعيد الفطر، لأنَّ المجتمع المغربي، للأسف لا يزال مجتمع مظاهر. وعلى الأسرة أن تظهر أمام أقربائها وزوارها أنها في أفضل حال ممكن”. وأضافت قائلة “تقع على ربة البيت مسؤولية كل ذلك تقريباً، فالزوج وأفراد العائلة في وضع الصيام ويظنون أنَّ هذا وحده كاف من جانبهم، ويتركون كل شيء على ربة البيت. ولذلك انحسر دورها في إعداد حلوى العيد في البيت كالسابق، وصارت معظم العائلات تشتري ما تحتاجه من حلوى جاهزة من الأفران ومحلات الحلوى”.معظم العائلات العربية تشتري حلوى العيد جاهزة من المحلات التي توسع عملها قصد تلبية الطلب المتزايد عليها وأوضحت الزهراني “بالطبع إن حلوى السوق ليست بمستوى الحلوى، التي كانت تعدها أمهاتنا في بيوتنا عندما كانت الحياة أبسط. ولكن في يومنا هذا أصبحت الحلويات المتوفرة في السوق يمكن أن تفي بالغرض، وبأقل ثمن ممكن، وتوفر الوقت لربة البيت، لتعتني بشأن آخر، كتنظيف البيت وإعداده لاستقبال الأقارب في العيد، لأن خلال فترة الصيام يكون البيت قد أنقلب كل شيء فيه رأساً على عقب”. ومن جانبه قال “المعلم” عثمان يوسف (35 سنة ) صاحب محل لعمل الحلوى بحي التقدم بالرباط لـ”العرب” موضحاً “لم يعد من المناسب أن تقوم سيدة المنزل بأعباء إضافية كإعداد حلوى العيد، لما يتطلبه الإعداد من جهود وعناية خاصة. ولما ينفق من مال كثير عليها، وكذلك ما يستغرقه ذلك من وقت، ويضاف إلى ذلك كونها صائمة أيضاً مثل باقي العائلة. مما يجعل وجودنا كمحلات متخصّصة بعمل حلوى العيد ضرورة”. وأضاف “أنا أعمل في الحلاوية (لحلوانية) منذ عشرين عاماً، وقد تعلمت أسرار المهنة من والدي، فهو الفرَّان الوحيد المشهور في حي التقدم بعمل الشباكية”. وتابع موضحا “قبل رمضان بأيام أستقدم عمالاً جدداً أضيفهم لمن يعمل معنا، لتلبية كافة الطلبات، ويزداد الطلب على الحلويات التي نعدها بعد منتصف شهر رمضان خاصة مع اقتراب العيد. وأسعارنا معقولة فكيلو الشباكية بـ30 درهماً (حوالي 3.3 دولار) وبقية الأنواع ككعب الغزال والبريوات تتراوح أسعارها بين 60 و90 درهماً (6.6 و10 دولار) وهي أسعار معقولة”. ويضيف يوسف، وهو يقلب بملقط كمية من الشباكية لم تنل اللون الذهبي المطلوب بعد “تكلفنا البعض من العائلات بإعداد كميات من الحلوى الخاصة لها. ويحضرون لنا المواد المطلوبة، ونحن فقط نقوم بتحضيرها مقابل أجور بسيطة. والحقيقة أنَّ الكلفة المادية الحقيقية، هي في أسعار المواد المستخدمة كالمطيبات، ودقيق جوز الهند والفستق، وعين الجمل (الكركاع)، والكاكاو(الفول السوداني)، و(النوازيت) البندق والعسل، والشوكولاتة والدقيق. وبذلك توفر السيدة لنفسها وقتاً، وجهداً لتقوم بتحضيرات ضرورية للعيد غير تحضير حلوى العيد”. وتعبّر الطالبة كريمة طلال (15 سنة) عن فرحها بقرب حلول العيد، وتقول لـ”العرب” “أجمل ما في عيد الفطر هو كمية الحلوى، التي نراها في البيت بعد شهر كامل من الصيام. كميات كبيرة، ومتنوعة، كالسفه والغريبة وكعب الغزال، موضوعة في صدر المائدة. ونرى البراد ورائحة الشاي الأخضر بنكهة النعناع، والشيبة تعبق منه حين تصبه الوالدة في كؤوسنا، فتفوح رائحته الطيبة، ويبتهج أفراد العائلة برغوته، وطعمه، ودفئه ولذته مع الحلوى، ونتبادل التهنئة، والأمنيات الطيبة بعيد الفطر المبارك”. وتضيف طلال “صحيح أنَّ الاحتفال بالعيد في المغرب لا يتعدى اليومين، لكنهما من أجمل أيام العمر، وننتظر حلولهما بلهفة، ونبقى نتذكر الأحداث التي حصلت خلال هذين اليومين طوال الشهور التالية، لما فيهما من تجديد في حياتنا، خصوصاً ما يتيحه لنا العيد في يومه الثاني عند زيارة بيت جدي في القنيطرة، فنجد جدتنا قد أعدت لنا غداء العيد وهو الكسكسي. ونمضي نهاراً ممتعاً في المزرعة التي يرعاها جدي وأعمامي”. وتضيف كريمة ضاحكة “حلوى عيد الفطر تعلو ولا يُعلى عليها لدى الأسرة المغربية، ولا يُعلى عليها سوى وجبة الكسكسي بلحم الضأن والسبع خضار”.
مشاركة :