عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ

  • 6/23/2017
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

حاكى المتنبي في رائعته الشعرية زمانه، ولم يكن يدري بأنها ستكون صالحة لأزماننا أكثر، وأنها ستمثل واقعنا بشكل أوقع، وأنها اُقتبست آلاف المرات لِتُعنون مقالاتنا التي تخاطب حسراتنا وتحكي مصائب شعوبنا الحاضرة. ليته يرى زمانا أصبحت فيه أمتنا العربية وأغلبية شعوبها وأوطانها تغوص في رمال متحركة من المصائب والنزاع والصراع والقتال والإرهاب والأوبئة والأمراض، وكيف تقذف أمواج بحارها موجات من النازحين والمهاجرين والمغتربين! حتى أصبح الشتات وطناً لهم وحتى سكنت معاناتهم أراضي العالم أجمع. ليته يرى ما حلَّ اليوم بخليجنا الذي تغنيّنا بِلُحْمته ووحدته، وما ألم به من أزمة يعلم الله مآلها، ليته يرى كيف سُدَّت حدود بين أوطاننا واحتار بعض مواطني دول المجلس وعائلاتهم الممتدة أين يتجهون؟! ولا تعجب إن علمت أيها الشاعر أنه حتى الجِمال في الصحراء العربية الواسعة احتارت أين تسرح، وهي التي اعتادت على المراعي المفتوحة في أراضي الله الواسعة! رفعنا نحن والمسلمون أجمعون أكفَّ الضراعة إلى المولى طوال شهر رمضان وفي صيامنا وقيامنا وفي كل ليلة ندعوه سبحانه أن يوحد كلمة المسلمين، وأن يحفظ بلاد العرب، ولكن الفرقة زادت واللُّحْمَة تقطعت، وكأن سبحانه وتعالى يقول لنا ولهم {إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم} صدق الله العظيم، وهم يسمعون ويدركون ويتغيرون، نعم، يتغيرون، ولكن إلى مزيد من الصراع! لعلك تعلم سيدي الشاعر أن هذه الأزمات لم تعد شأن الساسة وحدهم في هذا الزمان، بل إنها مع تطور التكنولوجيا أصبحت شأن كل فرد يتابع جهاز هاتفه النقال ويقرأ من جهاز حاسبه المحمول، فاختلط الحابل بالنابل، ووظّف الفضاء الإلكتروني بكامله لتعميق الفرقة وتطور الخلاف وتجييش الشباب العربي وزيادة الاختلاف في أوطاننا بشتى أشكاله، طائفياً وعصبياً وقبلياً، إمعاناً في تمزّقنا، نحن نستسهل، أيها الشاعر الكريم رحمك الله أن نلوم الآخر المتآمر علينا، والغرب وما يكيده لنا، وننسى أن الواجب يدعونا إلى أن نستنهض القوى الحية في مجتمعاتنا لتفيق من سباتها، وأن تسعى وتجابه ما يجري بيننا من فتن، لعلنا ننهض من كبوتنا، ونصنع مستقبلا أفضل لأجيالنا وأوطاننا، ولكن وحتى أمل قادم نقول وبالنفس أسى وغصة «عيدكم مبارك، وكل عام وأنتم بخير». د. موضي عبد العزيز الحمود

مشاركة :