بقلم - مدير التحرير: عبدالله طالب المري كنا نتطلع منذ اندلاع الأزمة الخليجية وفرض الحصار على قطر من قِبَل السعودية وحلفائها أن نعرف ما هي التهم الموجهة لقطر، وكنا نود أن تقدم هذه الدول عريضة موثقة بالأدلة والمستندات -إذا كانت لديهم- حول أسباب هذا الحصار الجائر وغير المسبوق ليتسنى دراستها ومعرفة حقيقة ما في أنفسهم، وطوال الأيام الماضية كان هناك تردد وتلكؤ وبطء في مواقف دول الحصار من تقديم هذه العريضة، لكنهم فسروا الماء بعد الجهد بالماء وعلى طريقه (الكابوي) المعتادة والمفضلة في الاختراق والتلفيقات والفبركات، سربوا هذه المطالب فجر أمس عبر وكالتي أنباء رويترز والآسيوشيتد برس بعد أن مرت عبر قناة العربية. وبحسب ما نشرته وكالة «رويترز» فإن من سرب هذه المتطلبات هو مصدر مسؤول في إحدى دول الحصار، وهذا يتنافى مع القيم الخليجية الأصيلة وما يحث عليه ديننا الإسلامي السمح، فمن الأخلاق الحميدة والصفات الفاضلة كتم السر وعدم إفشائه، ولا يقدر على ذلك إلا ذوو الشهامة والمروءة، ولهذا قيل: «أدنى صفات الشريف كتم السر، وأعلاها نسيان ما أُسرَّ به إليه». وقيل أيضا: «صدور الأحرار قبور الأسرار». وقد حثت السنة النبوية الشريفة على رعاية جانب السر، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم «إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ بِالْحَدِيثِ ثُمَّ الْتَفَتَ فَهِي أَمَانَةٌ». كان يفترض فيهم احترام خصوصية الوساطة الكويتية التي يقودها صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد أمير دولة الكويت الشقيقة الذي قام بجهود كبيرة وتكبد عناء السفر بين المملكة العربية السعودية والإمارات في هذا الشهر الفضيل قبل أن يصل دولة قطر واجتماعه مع حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. تسريب هذه المطالبات عبر وسائل الإعلام ووكالات الأنباء العالمية يؤكد أن دول الحصار لا تسعى لانتهاء هذه الأزمة وإنما محاولة إفشال الوساطة الكويتية التي رحبت بها قطر من بدايتها، حيث أكدت على ضرورة إنهائها عبر الحوار المباشر في إطار البيت الخليجي الواحد وعبر الحوار الدبلوماسي، والجلوس إلى طاولة الحوار وتقديم كل ما لديهم من اتهامات أو شكاوى أو حتى متطلبات. فنحن مع الحوار البناء ونرحب بالوساطة الكويتية التي كانت محل ترحيب رسمي وشعبي قطري نظرا لما يحمله القطريون من محبة وثقة بصاحب السمو الشيخ صباح الأحمد أمير دولة الكويت الشقيقة الذي يقود هذه الوساطة. ومن ينظر لهذه المتطلبات يدرك أننا أمام شروط تعجيزية وتدخل فج في السيادة والسياسة القطرية التي تقوم على مبدأ رفض الوصاية والتدخل في شؤونها الداخلية رفضاً باتا وقاطعا. ونتأسف ونستغرب أن تكون الخطوة التي اتخذتها هذه الدول ضد قطر، هي إجراءات تصعيدية غير مسبوقة. وحتى مع تسريب هذه المتطلبات، لا نعرف ما هي الأسباب الحقيقية لهذه الأزمة، فمازلنا حتى الآن نجهلها ونستغربها. ويحسب لدولة قطر كعادتها أنها لا تتعامل بالمثل ولا تنسف العلاقات الوطيدة ووشائج القربى مع شعوب المنطقة ولا تتعامل برد الفعل، ولم تقم خلال هذه الأزمة بأي إجراءات تصعيدية تجاه هذه الدول لأننا نرى أن مثل هذه الخلافات يجب أن تحل على طاولة الحوار ويجب أن تكون هناك جلسة للمكاشفة والمصارحة وطرح وجهات النظر والعمل على تضييق نقاط الاختلاف واحترام مواقف بعضنا البعض. مهما كانت المشكلة أو حاول البعض تضخيمها. وما يحزننا هو حملة التشويه التي تعرضت لها قطر من دول كنا ومازلنا نعتبرها إخوة لنا، يجمعنا معهم الدم والروابط الأسرية والدين الإسلامي السمح، وللأسف فإن من قام بهذه الحملة المريضة التي تكشف عن مرض البعض ونرجسيتهم هم سفراء بهذه الدول حيث يقودون حملة التشويه لسمعة قطر والتحريض عليها، وهذا أمر لا يتفق مع ما ارتكز عليه الميثاق الأساسي لمجلس التعاون الخليجي، لقد طالبنا في قطر مهما كان حجم خلافنا مع هذه الدول الشقيقة بمناقشة هذه الخلافات داخل إطار مجلس التعاون الخليجي، وألا نحاول أن نكون مصدّرين لاختلافنا إلى العواصم الغربية. إن هذه المتطلبات التي سربت قد تكون رصاصة الرحمة على مستقبل مجلس التعاون الخليجي بعد أن وجهت هذه الدول سهامها الاتهامية إلى قطر. مستقبل المجلس أصبح الآن على المحك، كيف لا وميثاقه يرتكز على مبدأ أن تقوم العلاقات بين دوله على التعاون والتضامن، والكل يدرك أن الشعوب الخليجية واحدة تجمعها ثقافة واحدة وتربطها علاقات أسرية وهم نسيج واحد وامتداد لبعضهم البعض، ولكن أن يُستخدم هذا المجلس كأداة لفرض سياسات خارجية ومن ثم فرض وصاية على دولة من دول المجلس، وكذلك التدخل في شؤونها الداخلية فهذا مرفوض من جانب قطر، والذي تجلى اليوم في مطالبات دول المجلس الثلاث التي أطلقتها عبر هذه الوثيقة المسربة هو تدخل سافر للشؤون الداخلية لدولة قطر وهذا الأمر يعرفون أنه مرفوض رفضاً باتاً. إن اختلاق مثل هذه المتطلبات واتخاذ مثل هذه الإجراءات ضد قطر وهي عضو فاعل وغيرها خامل في مجلس التعاون دليل موثق على عدم وجود ما يبرر هذه الإجراءات وهدفها مكشوف وهو محاولة فرض الوصاية على قطر وهذا انتهاك لسيادتها كدولة. المتطلبات التعجيزية التي يطلبونها من دولة قطر تجعل تماسك المجلس هشا في ظل هذه السياسة لفرض وصاية على دولة أو أخرى، وبالتالي صارت هناك علامات استفهام كبيرة حول مستقبل هذا المجلس المريض. ولعل ما يثير الاستغراب ويدعو للدهشة طلب الدول المحاصِرة لدولة قطر بإغلاق قناة الجزيرة كأحد أهم الشروط التعجيزية، فهم يريدون ممارسة سياسة تكميم الأفواه التي طبقوها في بلدانهم عبر شروط صارمة بالسجن والغرامة، فبعد حجبهم لمواقع الصحف القطرية وقناة الجزيرة وقناتي البي إن والكاس الرياضية، أصبح سقف المطالب أعلى بإسكات قناه الجزيرة التي دأبت على بث الحقيقة وتنوير الشعوب العربية وقربها من صوت الشارع العربي والإسلامي وكشف الكثير من الممارسات التي تنتهجها الدول التي تتعامل مع شعوبها بالحديد والنار. ومحاولة إسكات صوت الجزيرة ليس عقابا لقطر كما قالت منظمة هيومن رايتس ووتش، بل هو عقاب لملايين العرب في المنطقة بحرمانهم من تغطية إعلامية مهمة. الجزيرة هي صوت الإعلام الحر والكلمة الصادقة والرأي والرأي الآخر والانحياز للشعوب، وقد صارت الجزيرة أيقونة عالمية للحريات، ومسألة إغلاقها كما تطالب دول الحصار هو الأمر المستحيل حدوثه، فالجزيرة باتت ملكا للشعوب ولا يمكن خذلان الشعوب مهما كان الثمن. abtvxrraya@
مشاركة :