معركة الموصل تتعثّر في أمتارها الأخيرة

  • 6/24/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

معركة الموصل تتعثّر في أمتارها الأخيرةإعلان حكومة رئيس الوزراء العراقي النصر النهائي على داعش في عيد الفطر كان سيضفي على الحدث بعدا دينيا مقدّسا ويرفع من العائد الإعلامي المرجوّ منه، لولا أنّ التنظيم المتشدّد تمسّك بما بقي له من جيوب صغيرة في المدينة مهدّدا بأن يحوّل المعركة في آخر أمتارها إلى مجزرة رهيبة وحمّام دم مروّع.العرب  [نُشر في 2017/06/24، العدد: 10673، ص(3)]بقية حياة تنبض بين الركام الموصل (العراق) - أسقط تمسّك تنظيم داعش بالجيب الصغير الباقي تحت سيطرة مقاتليه في الجانب الغربي من مدينة الموصل مركز محافظة نينوى بشمال العراق آمال حكومة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في إعلان النصر النهائي على التنظيم في المدينة، بالتزامن مع أيام عيد الفطر لإضفاء بعد ديني مقدّس على الحدث يساهم في تضخيمه ويضاعف العائد الدعائي المنشود من ورائه. وقالت مصادر عراقية إنّ إطلاق الهجوم على المدينة القديمة خلال الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان جاء بإلحاح من جهات حكومية مدنية على القيادات العسكرية التي حذّرت من التعجّل في إطلاق الهجوم ونبّهت إلى السيناريو الانتحاري الذي سيتبعه داعش في الدفاع عما بقي له من مواقع داخل الموصل بما في ذلك تفخيخ المباني وتفجيرها على من فيها، وهو ما تحقّق بالفعل بتفجير مسجد النوري ومنارته الحدباء ذات القيمة التاريخية. ومثّل التفجير الذي حوّل المسجد الذي كان زعيم داعش أبوبكر البغدادي قد أعلن من على منبره خلافته المزعومة سنة 2014، إلى أثر بعد عين، إنذارا باستعداد التنظيم لتفجير كامل مباني المدينة القديمة على رؤوس مقاتليه ومعهم عشرات الآلاف من المدنيين الذين يحتجزهم كدروع بشرية. وهزّت عملية تفجير المسجد الرأي العام المحلّي والدولي. وأدانت المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، الجمعة، تدمير المئذنة التي كانت تشاهَد من أغلب أنحاء مدينة الموصل، والقائمة هناك منذ 850 عاما. وقالت رافينا شامداساني المتحدثة باسم المفوضية العليا إن هذا التفجير يرقى ربما إلى جريمة حرب. وينقل بعض من نجحوا في الفرار من أسْر داعش في الموصل روايات مروّعة عن حالة الرعب الشديد التي يعيشها المدنيون، وخصوصا الأطفال، والتي تجسّدها نوبات الصراخ الحادّ التي تتفجّر من حين لآخر على وقع أصوات تبادل إطلاق النار بين القوات العراقية ومقاتلي داعش وانفجار قذائف القصف الجوّي والمدفعي، وضجيج محركات الطائرات ومراوح طائرات الهليكوبتر في أجواء المدينة القديمة. كما يتحدّث هؤلاء عن ظروف لاإنسانية يعيشها الأهالي بسبب انعدام كل مقوّمات العيش من ماء وغذاء ودواء، وصلت حدّ أكل القطط والكلاب وأوراق الأشجار.قوة العامل الطائفي في الحرب تجعل مقاتلي داعش يفضلون الموت على الوقوع بيد من يعتبرونهم جنود الحكومة الشيعية وتدفع تلك الظروف بالعديد من الأهالي إلى مغامرة الخروج من محرقة غرب الموصل، لكنّ الكثير من هؤلاء يقعون في كمائن داعش ويكون مصيرهم الموت المحتوم. وأقدم، الجمعة، انتحاري على تفجير نفسه وسط مدنيين نازحين من المدينة القديمة، ما أسفر عن سقوط 12 قتيلا على الأقل، بحسب ما أفاد مصدر عسكري. وأوضح الرائد أحمد هاشم من الطبابة العسكرية في الجيش العراقي لوكالة فرانس برس داخل مستشفى ميداني، أن التفجير وقع في منطقة المشاهدة بالموصل القديمة. وقال هاشم “وصل 12 قتيلا وأكثر من 20 جريحا إلى المستشفى الميداني، بينهم نساء وأطفال”. وأشار ضابط برتبة عقيد من الفرقة 16 بالجيش العراقي إلى صعوبة تحديد حصيلة الضحايا مع تواصل المعارك في المنطقة. وأكد العقيد أن “انتحاريا تسلل بين مجموعة من النازحين وفجر نفسه بينهم قبل وصولهم إلى قواتنا”. ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية شهادة شابّ نجا من التفجير رغم تعرّضه لإصابة في رأسه قال فيها “عندما بدأت القوات الأمنية بالاقتراب من منطقتنا وبدأنا بالخروج باتجاهها خرج شخص من بيننا وبدأ يكبّر ثم فجّر نفسه”، مشيرا إلى مقتل أمه وأخيه، فيما زوجة أخيه وولداها مازالوا في عداد المفقودين. وتقدّر منظمات إنسانية عدة بأكثر من مئة ألف، عدد المدنيين العالقين في المدينة القديمة والذين يستخدمهم التنظيم المتطرف كدروع بشرية. وتباطأت وتيرة القتال في الموصل بشكل ملحوظ منذ إقدام داعش على تفجير مسجد النوري حيث بات قادة الحملة يؤمنون بسيناريو إقدام التنظيم على تفجير كل مباني المدينة نظرا لانعدام الخيارات أمامه وعدم رغبة مقاتليه بالوقوع في أسر القوات العراقية وتفضيلهم الانتحار ودفن أسرارهم وأسرار تنظيمهم تحت الأنقاض. ونظرا لقلّة عدد من بقي من عناصر تنظيم داعش داخل الموصل، والذين يرجّح أنهم لا يتجاوزون بضعة مئات بينهم الكثير من المقاتلين الأجانب، راهنت القوات العراقية على استسلامهم ووزّعت مناشير تحثّهم على ذلك، آملة في استكمال معركة الموصل بأقل قدر ممكن من الخسائر، لكن ثبت أن سيناريو الاستسلام غير وارد لدى هؤلاء المقاتلين المتطرّفين، الذين يعتبرون أنفسهم في مهمّة “جهادية مقدّسة” هم مستعدون للانتحار من أجلها ونيل ما يعتبرونه “شهادة”. كما أنّ خلفيات طائفية تجعل عناصر داعش أمام خيار “إما قاتل أو مقتول”، حيث ينظرون إلى القوات العراقية رغم تعدّد المكونات العرقية والدينية والطائفية داخلها، باعتبارها جيشا للحكومة الشيعية الموالية لإيران. وهم يفضّلون الموت على الوقوع في أسر الشيعة، خصوصا وأن ميليشيات شيعية تشارك بالفعل في القتال، كما أنّ الحرب على داعش في الموصل وغيرها من مناطق العراق لم تخل من أعمال انتقام طائفي ومن تنكيل بمن يقبض عليهم من عناصر التنظيم وحتى بالمدنيين بمجرّد الاشتباه في تعاطفهم مع داعش أو الانتماء إليه.

مشاركة :