سلوك المراهقة السياسية في الخليج

  • 6/24/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

التداعيات العاصفة في الواقع العربي ناتج عن فقدان آليات الحلول للمشاكل، فمعظم الساسة يجهلون الحلول، ولا يفهمون بمهاراتها وقوانينها ومعادلاتها ومنطلقاتها المعاصرة، وما يعرفونه أنهم يولّدون المشاكل ويعوّقون الحلول، بل ويجرون شعوبهم إلى كوارث لا تخطر على بالهم في الوقت الراهن. من أكثر المشاهد الصادمة التي تابعناها خلال أزمة الخليج الحالية، حالة الغرور والمراهقة والسياسية والانفعالات المتشنجة من بعض الأطراف وبعض أمراء الخليج، بعيداً عن واقعية العمل السياسي أو منطق العلاقات التاريخية والمصير المشترك. من يقرأ تراث الأمة ويقارنه مع أحداث اليوم فكأنه يعيش أجواء حروب البسوس وداحس والغبراء، فالأسباب التي اندلعت على أثرها تلك المعارك آنذاك واستمرت عقوداً عدة لا تقل تفاهة عما هو الحال عليه اليوم، فتهمة العلاقات مع أطراف معينة لمجرد الاختلاف معه في الرأي والفكر هي الأكثر تسويقاً، كإعلانات مدفوعة الثمن لحملات روجت لشحن الرأي العام العربي.الغرور السياسي داء الكبر والغرور ليس خطيراً على الشخص فحسب، إنما يتعداه إلى المجتمع وحاضره ومستقبله، وأخطر ما في الكبر والغرور أن يوجد فيمن يتولى أمور العامة، ويكون على رأس السلطة والحكم، وهذا يتحول من غرور فردي وذاتي إلى غرور سلطوي وسياسي. ومن المعروف أن العمل السياسي يجب أن يرتكز على أساس نظري أو استراتيجيات واضحة المعالم والأفق، بمعنى أن هذا الأساس والمعالم يحتويان على خطط تنظر للواقع بشكل واسع، وبمشاركة بين مؤسسات الحكم المختلف في معناها الواسع، لكن أن تكون السياسة مزاج الحاكم المطلق، وصاحب الحق الإلهي في حكم الشعوب منزوعة الإرادة، فيتحول الحكم من مشاركة وسياسات عامة إلى تملك ورأي صاحب السلطة دون غيره، فهذه مراهقة وحمق وغرور سياسي قد يجر المنطقة إلى ما لا تحمد عقباه. إن المراهقة السياسية تقوم دائماً على أفعال وممارسات ليس لها صفة الموضوعية أو العقلانية، وهذا ما يحدث في الخليج العربي من غرور سياسي وغطرسة سياسية تجاه الشقيقة قطر، فالنظام المصاب بالغطرسة السياسية كما هو حال النظام السعودي وإمارة أبوظبي، يفتقد البصيرة لمعرفة طبيعة سلوكه ومآله المستقبلي على بلدانهم وشعوبهم، هذه الغطرسة نوع من المراهقة السياسية، حيث إن المغرور سياسياً يعتبر أحلامه في المنام أو اليقظة إلهاماً ووحياً يتحقق على أرض الواقع، ويعتبر خياله أمراً واقعياً واجب النفاذ، ولهذا يكره الحسابات السياسية أو الاقتصادية، ويختصر الخطوات في تصرفات وسلوكيات شخصية أو تطمينات عاطفية أو حلول سحرية. ومع هذا السلوك الذي يتسم بالغرور السياسي تغيب الموضوعية والواقعية في التفكير وفي القرارات، وفي الأفعال، وتتكرر الأخطاء والأزمات والكوارث، وهنا يحاول المغرورين سياسياً الدفاع عن أنفسهم، وذلك باستخدام آليات مثل الإنكار والتبرير والإسقاط والإزاحة، وقد تنجح هذه الآليات لبعض الوقت، ولكن إن آجلاً أو عاجلاً سيصل قطار الغرور السياسي إلى حالة ارتطام مروعة يدفع الجميع ثمنها من أمنهم وحياتهم ومستقبلهم، وهذه الحالة التي قد تصل إليها دول الخليج مكتملة، وربما المنطقة بسبب طيش ومراهقة أطراف داخل الخليج تريد أن تتزعم المرحلة والسيادة في الحكم دون غيرها أو منافسة أطراف تمتلك حضوراً شعبياً أوسع، وهذا ما يبدو في الأزمة الخليجية أن الكثير من شعوب المنطقة الخليجية والعربية إجمالاً لم تفهم السلطة التي تتعامل معها، فالشعب الخليجي يظن أنها سلطة أبوية حانية يلجأ إليها لتحل مشاكلهم، وتحقق أحلامهم، وتسهل أمورهم، ويشعروا في كنفها بالأمان، وفي مقابل ذلك تمنح السلطة هذه الشعوب، أقصد هنا الخليجية بالتحديد، الكثير من الطاعة والتعظيم والتبجيل أو الخضوع والإذعان والتسليم، ولكنها بعد فترة قد تكتشف أن هذا لم يكن حقيقة السلطة بل كان قناعها، وأن السلطة استغلت سذاجة الجماهير؛ لكي تكرس لمصالحها وأهدافها، والتي تتعارض تماماً مع مصالح الجماهير؛ حيث تُساهِم الجماهير عادةً، في توفير الأسباب للحاكمِ المراهق سياسياً والمغرور بسطو السلطة، والملك أن يغتر، ويخطو خطوات حثيثة نحو جر هذا الشعب العاطفي المنقاد إلى الهاوية. يصف غوستاف لوبون، في كتاب سيكولوجية الجماهير، الجمهور "بلعبة واقعة تحت تأثير المحرضات الخارجية، فتهيمن الانفعالات التحريضية المتنوعة، بسذاجة وسرعة تصديق منقطعة النظير تجاه المقترحات والأوامر التي يستقبلها، كذلك تنتشر الأساطير بسهولة في أوساط الجماهير، تنم عن تضخيم هائل للأحداث في مخيلة الأفراد المحتشدين"، كما يصف الاستبداد والتعصب على أنها عواطف واضحة جداً للجماهير، فهي تحترم القوة ولا تميل إلى احترام الطيبة، التي تعتبرها شكلاً من أشكال الضعف. فيصاب النظام بنوع من الغرور والاستعلاء والطغيان بلا حدود، وكذلك إصابة الحاكم بنوع من الجمود والإفلاس، مما يجعله غير قادر على استيعاب منظومات الحياة الحديثة، ومواكبة الأحداث كما ينبغي، ناهيك عن تشبث الحاكم الغبي بتوريث السلطة لأحد أبنائه، باعتبار ذلك حبل نجاة من الفناء. حقائق التاريخ وإذا وصل شخص أو صل نظام إلى حالة الغرور السياسي فإنهم لا يسمعون ولا يطيقون سماع صوت معارض أو منبه أو عاقل، بل لا يسمعون إلا لأنفسهم ومستشاريهم وإعلامييهم الذين يزينون لهم ما يفعلون وينفخون في ذواتهم ويعظمون من إنجازاتهم، وهنا ترى سلوكاً لا يتفق مع أي منطق أو عقل رشيد ويتعجب الناس كيف ومتى ولماذا؟ ولكن حالة الانتفاخ والانتشاء والعظمة الكاذبة ماضية في طريقها لا يوقفها إلا الارتطام بجبل أو الوقوع في حفرة لا قرار له. حركة التاريخ حتمِية، وسنة التدافع ماضية، شاءت الممالك والزعامات الحاكمة أم لا، صحيحٌ أن طريق الحق والتمكين فيه الكثير من المطبات والاستدارات، التي تُجبر حركة التاريخ على السير ببطء، ولكنها تمضي قُدماً، على أية حال. ختاما.. لماذا لا يلتفت الحكام في المنطقة إلى أهمية ما قد يحدث وتدارك ما يمكن تداركه، لأن الاستمرار في الغرور وسياسة المراهقة قد يجرهم مع شعوبهم إلى كارثة تاريخية. ومتى يفهم هؤلاء المعتوهون أن فلسفة حركة التاريخ التي تُشير إلى أن جميع الأنظمة والقادة، الذين أصابهم الغرور، فشلوا في تحقيق مشاريعهم. فتعالوا أيها الأعراب إلى كلمة سواء بيننا وبينكم دون أن يعادي بعضنا بعضاً فجميعنا في مركب واحد. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :