يستيقظ من نومه صباحاً، يذهب إلى الجامعة، يعود الثالثة عصراً، ينام، يستيقظ، يذاكر، ينام، يستيقظ، يذهب إلى الجامعة.. وهكذا كل يوم، عدا يوم الجمعة بالطبع؛ إذ يستيقظ من نومه، يذهب إلى الصلاة، يعود الثالثة عصراً، ينام، يستيقظ، يذاكر، ينام. هكذا هو الإنسان النمطي، الذي يبدأ من نقطة ما وينتهي عند النقطة نفسها ولا يملّ؛ بل يشعر بالفخر؛ ظناً أنه قد حقق نجاحاً، نعم؛ فعمله: هو الملل، ونجاحه: هو النتيجة اليومية التي يصل إليها دوماً. النمطية تملأ المجتمع، فأنا أراها يومياً في كل مكان، في (عم نور) الذي لم يغير إيماءته التي أراه عليها كل يوم، وفي (أم أحمد) التي ما زالت تستيقظ يومياً الثامنة صباحاً خصيصاً؛ لتسب (أم إيمان) معترضةً على أنها (نشرت الغسيل) عليها، وفي صديقي هذا الذي لم يغير (القهوة) التي يذهب إليها منذ أن كان بالثانوية! لطالما أمقت هذا النوع من الناس، الذي يقرأ ما أُجبر عليه لا ما يريد، الذي لا يغير قائمة طعامه إلا إذا أجبرته عليها صديقته بالطبع، الذي يحب تكرار الأفعال والأقوال، نعم؛ فيمكننا أيضاً ربط النمطي بمن يردد ما يسمع دون أن يعي حقيقته أو يفهم ماهيته، هو السطحي الذي يأخذ (الوش) ولا يتعمق في فهم الكون، فهو لا يحتاج لهذا، كيف له أن يضيف شيئاً جديداً لحياته؟سألت أحد أصدقائي يوماً: - لِم لم تفعل شیئاً جديداً في حياتك إلى الآن؟ أجابني ببلاهته المعتادة: - لماذا؟ لست بحاجة، فأنا مكتفٍ بالمذاكرة وبتقديري -الذي هو "مقبول" أصلاً- ولكنني لم أعلق حينها، وأكملت: - ما رأيك بعملٍ خيري- قافلة طبية مثلاً؟ ما رأيك بشيء يساعدك في أن تكون اجتماعياً؟ - هل تصدق؟ هذه الأشياء لم تفعل بغرض الخير يا فؤاد، ولكنها... أوقفته بالطبع عند هذا الحد، فأنا أعرف باقي الجملة، ومنها قد عرفت هذا النوع من الناس، النمطي، الخائف من الإبداع، غير الواثق بنفسه، لا متصالح مع ذاته، هذه ليست تُهماً أطلقها بلا داعٍ، ولا سباباً أكيل بها هذا الإنسان، ولكنني أسميه (اعترافا بالخطأ؛ كي لا يظل خطأ) النمطي غالباً ما يُنسی بمجرد وفاته، هذا إن كان يُذکر في وجوده أصلاً! أما الآخرون، هؤلاء الذين يخرجون من النمطية والظل -الذي يغطي الكثيرين- للشمس، للحياة؛ كي يكتشفوها، ويأتوا بجديدٍ، لا يموتون، فسيَرهم تظل شامخة، وتدرس في كتب التاريخ! لم أجد تفسيراً مناسباً لهذا، ولكن دعني أخبرك بمشكلة في بلادنا هذه يمكن أن تكون أحد المعوقات لهؤلاء النمطيين من إظهار مواهبهم؛ وهي أننا لا نبحث إلا عن الأخطاء، لا نقف إلا عند الثغرات، والتي هي قليلة عند الموهوبين، ولكننا ننتظرها؛ كي نكيل سياط نقدنا اللاذع عليهم، أو أننا ننظر أحياناً للإبداع وكأنه محرّمٌ؛ بل نبحث عن الآيات في ديننا لإثبات ذلك، فإن لم نجد نحسبه مضيعة للوقت، هؤلاء الذين يمكن أن تبذل قصارى جهدك لتثبت لهم أن الإبداع غير البدعة، وأن البساطة غير السطحية، هم أيضاً نمطيون! النمطيون لا يفتقدون المواهب -ليس شرطاً- ولكنهم يفتقدون الثقة، والتي نحن -بالأحري- من نسلبها منهم يوماً بعد الآخر بانتقادنا الموجع، وتثبيطنا الدائم! لقد استعنت ببعض أصدقائي في كتابة هذا المقال راسماً إياهم؛ لذا أردت أن أوجه لهم تلك الرسالة: إن الإبداع نور، لن تراه بهذه النمطية، ولن تصل إليه إلا بالعمل، وبالتوكل على الله "وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ". لقد أبدع ياسر حارب في تصوير النمطية، قائلاً: "النمطية عبودية شفافة، لا يراها الإنسان إلا عندما يبدأ بالتلوين. لوّن حياتك، ولا تخش أن يقال عنك إنك مجنون، فذروة العقل الجنون. لوّن حتى يعرفك الناس، حتى تعرف نفسك". كي لا تكون واحداً من هؤلاء، لا تخف، كن واثقاً، كن مبدعاً. يعرِّف إدوارد ديبونو -وهو طبيب وعالم نفسي مالطي- الإبداع قائلاً: "هو الهروب من أنماط الحياة المتعارف عليها؛ حتى نتمكن من رؤية الأشياء بصورة مختلفة". بالطبع، يجب أن تهرب وتخرج عن المعتاد، وتنحرف قليلاً؛ كي تتميز، لا تعبأ بكلام العامة؛ كي لا تصبح مثلهم، فالسمكة الفاسدة تفسد السمك كلّه، لا بد من أن تعترف بالخوف؛ لأن اعترافك به هو الشيء الوحيد الذي يستطيع أن يكشف هذا القناع الزائف. نصيحتي الشخصية لك كي تبدع وتتخلص من النمطية؛ هي أن تدرك الحياة الأخرى، أن تتعلم، أن تقرأ، أن تحب الخير، أن تؤمن بالمشاركة، كما نصحت صديقي بالأسطر السابقة، أن تعظّم كل شيء يساعدك على التعلم؛ كأن تشترك في إحدي الجمعيات الخيرية، أو تعمل بجانب الدراسة، أي شيء ينمِّيك اجتماعياً وثقافياً ودينياً. فيا لنشوة التعلّم! وإن أردت المساعدة في ذلك تفصیلیاً فأنا هنا.. دائماً هنا. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :