التكامل الأوروبي مؤجل حتى إشعار آخر

  • 6/25/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

ادم غلابنسكييبدو أن الاتحاد الأوروبي سيبقى مسكوناً بشبح بريطانيا فترة طويلة رغم انفصالها. فالدول الأعضاء الذين هم خارج منظومة الاتحاد النقدي والاقتصادي ليسوا في عجلة من أمرهم للانضمام إلى العملة الموحدةاعتقد العديد من محبي الاتحاد الأوروبي أنه بمجرد التصويت على خروج بريطانيا «الشريك المشاكس» من الاتحاد، سوف يصبح الطريق نحو التكامل الأوروبي خالياً من العقبات، ممهداً أمام الدول الأعضاء المتبقية فيه. واليوم بعد مرور عام على الاستفتاء البريطاني، ورغم فوز إيمانويل ماكرون نصير الاتحاد الأوروبي برئاسة فرنسا، نحن بحاجة لرؤية أكثر عقلانية.لقد أحرز الاتحاد الأوروبي بعض التقدم في مجالات مثل الإشراف على القطاع المصرفي، لكن لا تسمح أي دولة عضو من الأعضاء الكبار بالتدخل في قراراتها السيادية في قضايا حساسة مثل السياسة الضريبية، وقنوات وحجم الإنفاق. ولا تزال خطوات تطوير الاتحاد النقدي الموعودة قيد المراوحة. وكل المقترحات، بما فيها تلك التي تقدمت بها باريس بشأن التكامل والإندماج، ذهبت أدراج الرياح.ويبدو أن الاتحاد الأوروبي سيبقى مسكوناً بشبح بريطانيا فترة طويلة رغم انفصالها. فالدول الأعضاء الذين هم خارج منظومة الاتحاد النقدي والاقتصادي ليسوا في عجلة من أمرهم للانضمام إلى العملة الموحدة. وبعضهم يتصرف بشكل مزاجي، مثلما تصرفت بريطانيا. ويبدو أن معارضتهم لا تثير اهتمام الدول التي تدير الاتحاد النقدي، فهؤلاء لديهم ما يكفيهم من مشكلات الدول الأعضاء.ومن الصعب أن نتصور تحركاً لافتاً للخروج من حالة الممانعة حيال الإندماج الاقتصادي الكلي. وبعد فوز ماكرون سارع الكثير من الساسة الألمان للإعراب عن دعمه، رغم أنه لم يتطرق نهائياً لفكرة تطوير الاتحاد النقدي الأوروبي الذي لا يعدو كونه نظام تحويلات من الدول المقرضة إلى المقترضة.ويتساءل البعض عن مدى قدرة بريطانيا على البقاء بعد الانفصال. لكنني سأطرح القضية من زاوية مختلفة. فقد أعطت بريطانيا الأوروبيين دروساً قيمة حول الحاجة إلى تكامل معمق، وهو عملية طويلة الأجل تتطلب الكثير من التدقيق والتوازن. وعلى مدى 300 عام من الاتحاد الإنجليزي الاسكوتلندي ومنذ عام 1707، أوجد البريطانيون اتحاداً مالياً ناجحاً. لكن مكونات الاتحاد البريطاني، أي إنجلترا وويلز واسكتلندا وإيرلندا، احتفظ كل منها بفريق كرة قدم مستقل. وخارج المملكة المتحدة سيمر وقت طويل قبل أن تبدي الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي رغبة في التخلي عن مقعدها في قمة السبع، أو في صندوق النقد الدولي.وشكك البريطانيون في العملة الموحدة منذ إطلاقها. واعتبر ذلك لسنوات مؤشراً على سلبية البريطانيين حيال الاتحاد الأوروبي. وعلى أية حال، شهد العامان الأخيران تكرار شكوك بريطانيا في عدد من الدول الأعضاء التي أبدت ولعاً خاصاً بعملاتها الوطنية.لكن بريطانيا كانت الدولة الوحيدة التي حصلت على امتياز الاحتفاظ باستقلال عملتها بعيداً عن اليورو، بموجب اتفاقية عام 1991. وفي عام 1993 تبعتها الدانمارك ثم السويد. أما الدول التي انضمت للاتحاد بعد عام 2000 فقد كان اليورو حلماً، ثم اكتشفت بعد أزمة الديون السيادية الأوروبية أن اليورو ليس سوى أوهام. وهكذا تخلت معظم تلك الدول عن اعتبار اليورو عملة مفيدة لها.وكان الهدف من إلزام الدول الأعضاء بالاتحاد النقدي طبقاً للاتفاقية الناظمة له، الحد من الميزات التنافسية في حال تخفيض قيمة العملات الوطنية، كما حصل عند إلغاء تثبيت أسعار صرف العملات الرئيسية. لكن معدلات التضخم من خانتين عشريتين، وخفض قيمة العملة لكسب ميزات تنافسية بات من الماضي. وقد تبدو معدلات صرف العملات متقلبة لكنها مستقرة نسبياً. فالعملة البولندية لا تزال محتفظة بقيمتها أمام العملات الرئيسية منذ قرن تقريباً، أما الكورون التشيكي فقد أحرز بعض المكاسب.ولا شك في أن تقلبات محدودة في أسعار العملات هي ثمن بخس لسياسة نقدية موحدة، ومستقرة. ومثل هذه السياسة مهمة جداً للاقتصادات الصغيرة الحجم. وقد استخدمت السويد معدلات صرف العملات سلاحاً في مواجهة التضخم. وربما يكون الأمر ذاته مفيداً لدول مثل جمهورية التشيك التي يتدخل بنكها المركزي في صرف العملات لحماية العملة من الارتفاع.ويبدو أن تخطي عقبة الاتحاد النقدي لا تزال مشكلة تواجهها المؤسسة الأوروبية، حتى بعد انتخاب ماكرون. وقد مضى على اتفاقية روما 60 عاماً، وهي مدة كافية لتتعلم الدول الأعضاء نسيان مزايا عملاتها الوطنية. إلا أن الأوروبيين لا يزالون يعيشون عقلية مارغريت تاتشر، رئيسة وزراء بريطانيا السابقة التي قالت إنه عندما يتسلق أحدهم قمة إيفرست يسارع إلى رفع علم بلاده، وليس علم الاتحاد الأوروبي. * رئيس البنك المركزي البولندي

مشاركة :