د. محمد الصياد صحيح أن الولايات المتحدة اختارت طوال ولاية الجمهوري جورج دبليو بوش عدم أخذ التزامات بتخفيض انبعاثاتها بموجب بروتوكول كيوتو رغم تصدرها لقائمة الدول الأكثر نفثاً للانبعاثات الكربونية، إلا أنها بقيت عضواً في الاتفاقية الأم «اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ».جاء قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الخميس 1 يونيو 2017 بانسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من اتفاق باريس لتغير المناخ، تزامناً مع بدء صياغة آليات تنفيذه. الاتفاق هو حصيلة سنوات من التفاوض المرير (منذ ما قبل انتهاء فترة سريان بروتوكول كيوتو (2008-2012) بين الدول المتقدمة المسؤولة تاريخياً (منذ ثورتها الصناعية أواخر القرن التاسع عشر) عن حجم تركيز انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في الجو، وهو ما عكسته أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ (UNFCCC) لعام 1992، من خلال مبدأ «المسؤولية المشتركة ولكن المتباينة». وكانت الولايات المتحدة أكثر الدول انغماساً في المفاوضات التي أسفرت أخيراً عن التوصل لاتفاق باريس لتغير المناخ، حيث أصرت على أن تلتزم كل من الصين والهند وبقية الدول النامية، أسوة بالدول المتقدمة، بخفض انبعاثاتها الكربونية، كشرط لانضمامها لهذا الاتفاق، وهي التي كانت رفضت الانضمام لبروتوكول كيوتو. فكان لها ما أرادت، حيث وافقت كافة دول العالم، المتقدمة والنامية، على أخذ التزامات بالتخفيف (Mitigation) من الانبعاثات. وقد روعي طلب الولايات المتحدة بوضع هذا الإجماع في صورة اتفاقية (Agreement) وليس معاهدة (Treaty)، وذلك لكي تتمكن الإدارة الأمريكية من المصادقة عليها بأمر رئاسي تنفيذي من دون الاضطرار لعرضها على الكونجرس الذي كان يهيمن عليه الجمهوريون المعادون لاتفاقيات تغير المناخ.صحيح أن الولايات المتحدة اختارت طوال ولاية الجمهوري جورج دبليو بوش عدم أخذ التزامات بتخفيض انبعاثاتها بموجب بروتوكول كيوتو رغم تصدرها لقائمة الدول الأكثر نفثاً للانبعاثات الكربونية، إلا أنها بقيت عضواً في الاتفاقية الأم «اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ»، كما كانت في الأثناء مشاركاً رئيسياً فاعلاً في كافة مراحل التفاوض التي جرت للتوصل إلى اتفاق باريس، سواء في مؤتمرات الأطراف السنوية أو الاجتماعات التحضيرية الثلاثة التي تعقد سنوياً في مدينة بون. كما أصبحت صناعة الألواح الشمسية ومزارع الرياح، (Wind parks or Wind farms) وهي عبارة عن مجموعة من عنفات الرياح التي تستخدم لإنتاج الطاقة الكهربائية، أصبحت صناعة رائجة في الولايات المتحدة، حتى أن الولايات المتحدة باتت تحتل المرتبة الثانية بعد الصين في إنشاء أكبر مزارع الرياح المنشأة على اليابسة. ليس هذا وحسب، بل إن السنوات القليلة الماضية شهدت إعلان أكثر من 400 مدينة أمريكية التزامها بخفض انبعاثات الكربون، ومن هذه المدن 30 مدينة أمريكية، ومنها ولاية أتلانتا التي انضمت للقائمة مؤخراً، قررت التحول بنسبة 100% نحو مصادر الطاقة المتجددة (الطاقة الشمسية وطاقة الرياح أساساً). كما أعلنت 37 ولاية من إجمالي الولايات الأمريكية الخمسين عن تبنيها لمعايير الطاقة المتجددة التي تفرض على مرافق الطاقة تأمين نسبة معينة من طاقتها الكهربائية المنتَجة من مصادر منخفضة الكربون، ما أدى لرفع الاستثمارات في مصادر الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ومصادر الطاقة المتجددة الأخرى. علماً بأن قطاع الطاقة الشمسية في الولايات المتحدة ولّد في العام الماضي 260,077 وظيفة، وهو ما يزيد بنسبة 25% عما خلقته قطاعات الوقود الأحفوري، بحسب تقرير أصدره «سولار فاونديشن» في شهر فبراير الماضي. أيضاً فإن الشركات الخاصة والجامعات هي الأخرى أعلنت عن مثل هذه الالتزامات. وفي شهر مايو الماضي نشرت كبريات الشركات الأمريكية مثل أبل، وجوجل، وتلسا، وجنرال الكتريك، وكوكا كولا، إعلاناً على صفحة كاملة تحث فيه الرئيس ترامب على عدم الانسحاب من اتفاق باريس. وكانت الولايات المتحدة قد تعهدت بموجب اتفاق باريس بخفض انبعاثاتها بنسبة تتراوح ما بين 26-28% بحلول 2025 مقارنة بمستويات 2005. وللوفاء بهذا الالتزام سوف يتعين عليها تطبيق سياسات صارمة تفضي لتقليص استهلاك الفحم والنفط والغاز الطبيعي واستبدالهم بمصادر الطاقة المتجددة.وعلينا أن نتذكر نص المادة (28) من اتفاق باريس التي تنص على: «يجوز لأي طرف أن ينسحب من هذا الاتفاق في أي وقت بعد مضي ثلاث سنوات من تاريخ بدء نفاذ الاتفاق بالنسبة إلى ذلك الطرف بإرسال إخطار كتابي إلى الوديع. ويبدأ نفاذ أي انسحاب من هذا القبيل عند انقضاء سنة واحدة من تاريخ تلقي الوديع للإخطار بالانسحاب أو في أي تاريخ لاحق يحدد في الإخطار بالانسحاب. ما يعني أن انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس لن يكون ساري المفعول إلا بعد عام 2020».
مشاركة :