عكست الحفاوة التي استقبل بها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط في موسكو أول من أمس، تحسناً بالغاً في العلاقة بين الطرفين التي تداعت إثر مواقف جنبلاط الحادة من النظام السوري ورئيسه بشار الأسد.كما أظهرت الآن أن جنبلاط استطاع أن يرمم تلك العلاقة، من بوابة الأزمة السورية نفسها، وتجديد دعمه للحل السياسي الذي تشارك موسكو فيه أيضاً.وتزامنت الزيارة مع مساعٍ روسية لاستئناف مفاوضات السلام السورية في جنيف، ومحاولاتهم تثبيت اتفاق الهدنة ورسم حدود مناطق وقف التصعيد وتخفيف التوتر المتفق عليها في سوريا، التي ستشمل درعا، المجاورة لمحافظة السويداء التي تسكنها أغلبية من طائفة الموحدين الدروز، كما ستشمل الاتفاقيات منطقة إدلب التي يسكن دروز في عدد من قراها في جبل السماق. وسبق لجنبلاط، الذي يعد زعيماً لطائفة الموحدين الدروز في لبنان، أن تدخل قبل عامين حين هاجمت «جبهة النصرة» القرى الدرزية في جبل السماق في إدلب، واستطاع جنبلاط أن ينتزع ضغطاً دولياً لحمايتهم في سوريا.ووصل جنبلاط إلى موسكو أول من أمس، حيث عقد اجتماعين منفصلين؛ الأول مع وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، والثاني مع نائبه لشؤون الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف، اتخذ الثاني «الطابع الودّي»، بحسب ما أعلن جنبلاط. في حين كان الاجتماع مع لافروف سياسياً، وحضره نجله تيمور والنائب وائل أبو فاعور والقيادي الدكتور حليم بو فخر الدين، إضافة إلى سفير لبنان لدى روسيا شوقي بو نصار. كما شارك بوغدانوف ودبلوماسيون روس في الاجتماع.وتُقرأ الحفاوة في المؤتمر الصحافي مع لافروف، من كون زيارة جنبلاط غير حكومية، وهو يحمل في لبنان صفة «نائب» ورئيس كتلة نيابية، إضافة إلى كونه رئيس حزب، مما يعني أن الخطوة غير مسبوقة سياسياً ودبلوماسياً. وقد أشار لافروف إلى أن هذا اللقاء «هو الأول بينه وبين جنبلاط منذ نحو سنتين»، مما يؤكد أن زيارة جنبلاط، فتحت آفاقاً لترميم العلاقة وتفعيلها، من زاوية الأزمة السورية هذه المرة.غير أن مفوض الإعلام في الحزب التقدمي الاشتراكي رامي الريس، يرفض القول إن الزيارة ترميم للعلاقات. ويؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن العلاقة تاريخية بين الطرفين منذ أيام الاتحاد السوفياتي، ولو أنه تخللها في بعض المحطات تباين في وجهات النظر، لافتاً إلى أن العلاقة «قديمة ومتجذرة من أيام الحرب اللبنانية».ولا ينفي الريس أن التباين في محطات معينة كان معطوفاً على الأزمة السورية، حيث «قد لا تكون الرؤى حول سوريا متطابقة، وهذا لا يلغي تقدير جنبلاط لموسكو لتطبيق الحل السياسي في سوريا والسعي لإنهاء الصراع الدامي الذي أدى إلى سقوط مئات آلاف القتلى في سوريا»، مشدداً على أن كلام جنبلاط حول تقدير الموقف الروسي للتوصل إلى حل سلمي للأزمة السورية، «كان واضحاً جداً». وشدد الريس على أن مواقف جنبلاط تجاه الحل السياسي عبر مفاوضات جنيف، تبقى العنوان الرئيسي لرؤيته لإنهاء الصراع الدامي في سوريا.وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عقد مؤتمراً صحافياً مع جنبلاط في موسكو، أكد فيه الطرفان «ضرورة أن تحظى الجهود لإقامة مناطق تخفيف التوتر في سوريا بدعم دولي واسع».وأكد جنبلاط أن «لبنان يقدر الجهود الروسية لتسوية الأزمة السورية بالوسائل السياسية»، لافتاً إلى أنه «من الضروري أن تحظى هذه الجهود بدعم كل القوى الدولية»، وقال: «هذه الجهود لن تستكمل، ولن تختتم بشكل إيجابي، إلا إذا توافق عليها جميع شركاء روسيا، ولكن إذا كانت هناك دول لا تريد هذا الجهد الذي تقوم به روسيا للتسوية السياسية في سوريا وفي المنطقة، فالأزمة ستستمر وستطول».وأضاف: «نرى أيضاً في المناطق الآمنة في سوريا، ربما، هناك إمكانية الاتفاق على عودة قسم من المهاجرين السوريين المشردين في لبنان والأردن وتركيا». وذكر بأن «حزبه قد أيد الحل الانتقالي في سوريا عندما طرحه مؤتمر جنيف»، وقال: «نتمنى أن تبقى مبادرة جنيف هي الأساس للانتقال السياسي في سوريا للوصول إلى الحل السياسي».ورداً على سؤال عما إذا كان إنشاء مناطق آمنة في سوريا يساعد في عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم أم لا، قال جنبلاط: «سنرى إذا كانت هذه المناطق الآمنة تشكل مجالاً لعودة اللاجئين، وسنرى إذا كانت هذه المناطق الآمنة يمكن أن تتوسع وتصبح كل سوريا آمنة أم لا. لكن لا بد من الحل السياسي». وعن تفاؤله في هذا الأمر، قال: «لم أقل لست متفائلاً ولا غير متفائل، أقول: سنرى».وكرر جنبلاط أمس تأييده لإنهاء الأزمة في سوريا عبر الحل السياسي، إذ اعتبر في حوار مع قناة «روسيا اليوم» الحرب الأهلية في سوريا يجب أن تنتهي بحكم انتقالي، مؤكداً أن روسيا لاعب رئيسي في المنطقة مهما اختلفت المواقف والآراء حولها.
مشاركة :