داعش: التحدي الجديد أمام عراق موحد ومستقر

  • 6/15/2014
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

ما حدث في العراق خلال الأيام القليلة الماضية من انهيار سريع للجيش العراقي يكاد أن يكون صورة طبق الأصل لانهيار هذا الجيش مع دخول القوات الأمريكية للأراضي العراقية ربيع العام 2003 بدون حرب تذكرأيضًا، وهذا النوع من الشلل وهروب الجنود وترك المهام والمعدات مشهد تكرر مرارًا في المنطقة، وأقرب صوره إلى الذاكرة حرب فتح وحماس 2007، وهي نتيجة طبيعية لعدم ولاء الجيش أو القوات النظامية للوطن، وإقتصار ولائها للطائفة أوالحزب أوالنظام. الأهمية الإستراتيجية لهذا الحدث تكمن في تقدم قوات إرهابية تنحى -لأول مرة- منحى الجيوش النظامية ليس فقط في إسقاطها العديد من المحافظات السنية وسيطرتها على العديد من الآليات والأسلحة الثقيلة التي تركها الجنود العراقيون الفارون، وإنما أيضًا تغلغلها جنوبًا نحو المناطق الشيعية، بما يعني أن العراق أصبح على شفا حرب أهلية لابد وأن تفضي إلى تقسيمه، أما التحدي الأكبر أمام المالكي فهو اقتراب قوات داعش من العاصمة بغداد، ما يزيد من تعقيد المشهد أن هذا النوع من التطورات التي يشهدها العراق الآن يكاد يتطابق مع الأوضاع الداخلية لدول مثل سوريا وليبيا، وإن كان يدل على شيء، فإنما يدل على أن هناك تنام خطير للحركات الإرهابية في المنطقة، وأن الخطر الحقيقي الماثل أمام تلك الدول يتمثل في المزيد من الغوص في مستنقع الحروب الأهلية والتقسيم. البحث عن أجوبة لا يمكن فهم الكيفية التي تمكن من خلالها بضع مئات من عناصر «داعش» السيطرة على الموصل التي تعتبر ثاني أكبر مدن العراق (3,5 مليون نسمة) ودفع الآلاف من قوى الجيش والشرطة التي دربتها وسلحتها القوى العظمى إلى الانسحاب دون قتال وخلع ملابسها العسكرية والفرار؟.. وكيف تسنى لداعش السيطرة على العديد من المدن العراقية في بضعة أيام في الوقت الذي فشلت فيه من التمكن من السيطرة على الفلوجة لأشهر عديدة؟ بينما تسقط الموصل والعديد من المدن في شمال العراق في أيام قليلة؟ وهل جاء هذا الحدث نتيجة لأوامر من المالكي؟ -القائد الأعلى للقوات المسلحة- وإذا لم يأت من المالكي فلماذا لم نسمع عن صدور أوامر بالقبض على القيادات الأمنية والعسكرية التي فرت إلى أربيل وبغداد لمحاكمتها؟ في الإجابة على تلك التساؤلات ينبغي الوضع في الحسبان أن من مصلحة المالكي -وأيضًا حليفه الأسد- بث الشكوى للمجتمع الدولي بأنه يتعرض للإرهاب وما يقتضيه ذلك من الدعم والمساندة للوقوف في وجه هذا الإرهاب. الموقف الأمريكي تجاهل الرئيس الأمريكي باراك أوباما لطلب المالكي المساعدة الجوية، واقتصار وعوده على إرسال المزيد من الأعتدة والأسلحة، والتحفظ على إرسال قوات برية بالرغم من اعتبار المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية أن ما حدث يعود بالدرجة الأولى إلى أسباب سياسية في إشارة إلى تهميش المالكي للسنة - يعيد إلى الأذهان موقفه من الأزمة السورية، ويعكس توجه حكومته نحو الإعراض عن أي تدخلات جديدة في منطقة الشرق الأوسط، لكن وبالرغم من محاولة الرئيس أوباما الظهور بمظهر تجنب التورط في حروب جديدة في المنطقة للحيلولة دون سقوط المزيد من الجنود الأمريكيين في تلك الحروب، إلا أن العديد من المحللين يرى أن الموقف الأمريكي (المتردد) في العراق، والذي يكاد أن يتطابق مع موقف تلك الإدارة من الأزمة السورية في سنتها الدموية الرابعة يؤشر إلى أن الدافع الحقيقي الذي يجعل واشنطن تضع نفسها بمنأى عن التدخل في الأزمتين بعد هذه التطورات الدراماتيكية، ورغم ما خلفته الأزمتان من قتل ودمار وإرهاب وتهجير، هو تفضيلها لحل التقسيم، ولعل البعض يذكر مشروع تقسيم العراق إلى 3 دويلات شيعية وسنية وكردية الذي طرحه الحاكم العسكري للعراق الجنرال بول بريمر بعد سقوط العراق في ربيع 2003. المستفيدون لا شك أن تقسيم العراق -وسوريا- يخدم بالدرجة الأولى مصلحة إسرائيل وإيران، إسرائيل لأن التقسيم الذي يعتبر النتيجة النهائية المتوقعة للأزمتين العراقية والسورية - سيعني شطبًا نهائيًا للعراق كدولة عربية قوية وموحدة تشكل تهديدًا مستقبليًا لإسرائيل، وكذا الأمر بالنسبة لسوريا، كما أن إيران تعتبر أن التقسيم ووجود دولة شيعية في الجوار موالية لها من شأنه أن يدعم مخططها الشيعي في الهيمنة على المنطقة. مما لاشك فيه أيضًا أن الخاسر الأكبر في هذا النزاع الجديد هو الشعب العراقي الذي ما زال يدفع ضريبة باهظة من جراء حكم طائفي عنصري لا يضع في استراتيجياته المصلحة الوطنية العليا، وإنما مصلحة الطائفة الشيعية والمصلحة الإيرانية، وهو السبب الحقيقي لتحول العراق إلى دولة فاشلة. السيناريوهات المحتملة 1- أن يتمكن المالكي من تحرير المدن العراقية التي استولت عليها «داعش» بعد التظاهر بالهزيمة، فيبدو أمام العالم وأمام العراقيين بأنه كسب المعركة ضد الإرهاب بما يؤهله لفترة رئاسية ثالثة. 2- احتمال لجوء المالكي لطلب الدعم العسكري واللوجستي من إيران، والذي بدأت بوادره فعليًا من خلال وصول قوات من الحرس الإيراني الثوري إلى العراق. 3- عدم استبعاد التدخل التركي تحت ذريعة تحرير رهائنها المختطفين في الموصل. في كل الأحوال، يبدو من الواضح أن العراق ما زال في طور السقوط، وإنه في حاجة إلى وحدة وطنية حقيقية وقيادة مخلصة للخروج من محنته.

مشاركة :