أيُّها العيدُ لا تأتِي

  • 6/25/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

لَم نعُد ننتظرُ العيدَ كما كنا في سالفِ العمر، ننتظره بالفرح والاستعداد بالملابس والحلوى عندما كنا صغاراً، الأمر أصبحَ غير ذلك، فقد غدَا العيد في أيامنا الحاضرة كابوساً يذكرنا بتلك الأيامِ التي مرت بما فيها من ألم وفراق، ونكبات لهذه الأمة منذ أن تَطَلّعنا كأي إنسان في هذا الكون يبحث عن حريته التي سلبت منه على مر العصور. يرتبط العيدُ منذ ثورة يناير/كانون الثاني وما أعقبها من سنواتٍ، بالقتل والتخريبِ والتدميرِ والتشريدِ، وحديثاً التصفية الجسدية، وأحكام الإعدام. بأي حال نستقبل العيد الذي جعله الله فرحاً بإتمام عبادة عظيمة؟ بتَوَجُسٍ من تنفيذِ الإعداماتِ في حق الأبرياءِ، وكأن العسكرَ يعتبرُ من يعارضونَه هم الذبيحةُ التي يقدمُها لذلكَ الشعبُ المغيب، فيهللون ويكبرون على ما يفعله من خراب بدت لعَناتُه في أن تصيبَ من يفرحونَ لها، فأصابهم الله بما أصاب به فرعون وقومه بعد أن كانوا يتنعمونَ في رزقِ الله، وما أرى ما نعيشه في مصر من غلاءٍ ومرضٍ ونقصٍ في الثمارِ إلا أنها بوادرُ الهلاكِ لكل من رضيَ بالقتلِ والتخريب. شبابٌ لم يرَ من الدنيا إلا سوءَتها وظلمَها، ما نقموا منهم إلا أنهم رفضوا الظلم، فكانَ عقابُهم الإعدام؛ لأنهم يبحثون عن الحرية، ليس لشخصهم وإنما لكل من يعيشونَ على وجهِ المعمورة. ما بين طبيبٍ ينتظر العالمُ علمَه وبين مهندسٍ ننتظر حضارتَه في المعمارِ وما بين كيميائيِّ ومعلمٍ وعالم وشيخٍ وطفلٍ وكفيفٍ، ضاعت عدالة الأرض ولم يبقَ إلا عدالة السماء، ولسنا نشكُّ في موعودِ الله، بل ضاقتِ الأرضُ وقلّ الناصرُ واجتمعَ العدوُّ وظنَ ألن يقدرَ عليهِ أحد. كلما تصفحت كلمات أهالي هؤلاء المحكوم عليهم بالإعدام، في جريمة لا يصدقها عقل طفل، فكرت في هذا القاضي الذي حكم ويريد أن يعاقب بريئاً بالإعدام، فالقاضي قاتلٌ وليس خطأً بل عمداً ومع الترصدِ لهؤلاءِ، يريد أن ينتقم من ضعيف ويفجع قلب أم ولم يعلم أن الله قد ربط على قلب أم موسى من قبل. يا أيها القاضي احكم بما شئت فلن يكون إلا ما أراده الله رغماً عنك وعن أسيادك من طواغيت هذه الدنيا. كيفَ بالعيدِ وكل ذكرى فيها ألم، ما بين رابعة إلى التصفيات التي لا تكون إلا من عصاباتِ الخارجين عن القانون في أي دولة، فواأسفا على دولة تحكمها عصابة. نحن لا نخافُ الموتَ، بل أنتم تخافونَه؛ لأنكم تعلمون أنكم على ضلال ولا تظنوا أنكم ستخلدونَ فإنما الأيام دولٌ وتلك الأيام نداولها بين الناس. كلما تذكرت مشهد العيد في رابعة والفرحة التي كانت تغمر المكان، وبعد ذلك حدثت المذبحة فصرت ناقماً على كل من هلل للقتل وفرح به يومها فقد رويت أرض رابعة بدماء أهلنا وإخواننا وأخواتنا، المسلمون كانوا كما وصفهم الله أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين، لكنكم لم تراعوا أي حرمة. إلى كل أم من أمهات الرجال الذين لا يقبلون الضيم، والله لا يكون إلا ما أراده الله، فلتصبرن فإنما هم على الحق، ووالله ما شككنا يوماً في الطريق، ولسوف يأتي النصر يوماً ليعلم كل الناس أننا لم نخن ولم نبع ولم نساوم. القرآن كاملاً وقد تلوناه وتدبرناه يحكي عن هؤلاء الذين باعوا الدنيا والآخرة فلم يكسبوا واحدة منهما، قال تعالى: "قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً * ذَٰلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً" سورة الكهف. ثم بين بعدها ما أعده للمؤمنين فقال: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً" وكأن الله يريد أن يربط على قلوب عباده المؤمنين فبعد التعرض للمجرمين جاء جزاء المؤمنين الصادقين. سينكشفُ الكربُ وسينعمُ الشبابُ بالحريةِ، وسيخرجُ المعتقلونَ وعندها سيكونُ العيد الحقيقيُّ يوم أن يعود شابٌ لأمه المسنة وأبيه القعيد، ويعود زوج لبيت عروسهِ التي لم يبنِ بها، ويعود أخ لأختهِ ليستكملا سراً كان بينهما، وتنتصرَ إرادةُ الله على كل إرادةٍ، فلن يكون العيد يومها بطعم الخزي والعار والقتل والتدميرِ والخرابِ والعسكرِ، بل سيكونُ بدايةَ نهضةٍ تضعُ لكل فرد في هذا الكون مقداره الذي يستحقهُ، ويكون هؤلاء الشباب هم الضياء لمسيرة الهدى، وتبقى ذكرانا في العيد غير مؤلمة ننتظره بالحلوى والملابس الجديدة، لنفرح بها وليست ملابس الإعدام الحمراء الحزينة. إن كنتَ ستأتي بتلكَ الملابس الحمراء فيا أيُّها العيدُ لا تأتِي. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :