قبل عدة سنوات كتب الزميل د. عبدالسلام الوايل مقالاً عن مكتشف النفط في المملكة، كبير الجيولوجيين في شركة كاليفورنيا ستاندارد، الأمريكي ماكس ستينكي، وأشار إلى نقطة مهمة وهي أنه لولا هذا الرجل وإصراره على وجود نفط في صحارى المملكة الخاوية على عروشها في ذلك العصر، لربما تأخر اكتشاف هذه الثروات التي بباطن أرضنا سنوات وربما عقوداً طويلة. وتعجب الوايل في ختام مقاله من عدم وجود اعتبار أو تقدير ولو رمزيّ لهذا الرجل الذي عن طريقه وصلت المملكة إلى هذه المستويات العالية من التقدم والرفاهية. قبل أيام قال لي أحد الأصدقاء في يوم حر شديد، بعد أن أراني صورة لأحد الخواجات، لو رزقت ابنا لسميته باسم صاحب هذه الصورة. قلت ومن صاحبها؟ قال هذا مخترع التكييف الحديث المهندس ويليس هافيلاند كارير. قلت الحقيقة إن هذا يستحق أن ينضم في التكريم الرمزي الذي اقترحه د. الوايل لأنه لولا اختراع هذا الرجل ولو لم يعرف الإنسان الحديث هذه الطرائق المريحة للتكييف لأصبحت الحياة في معظم مناطق هذه الجزيرة العربية شبه مستحيلة. والحق أن هذه الحرارة إضافة إلى قلة مصادر الماء، كانت السبب الأكبر الذي جعل هذه البقعة من العالم الأقل من حيث كثافة السكان، حتى وقت قريب، إذا هاجر معظم سكانها نحو الشمال في الشام والعراق وما جاورهما من مناطق، وهاجر جزء آخر على امتداد جنوب حوض الأبيض المتوسط. وبقية هذه البقعة خاوية على عروشها بسبب هذه الحرارة التي تصهر كل شيء تحتها وتجعل سبل الحياة في أجوائها شبه معدومة. ولم يكن تأثير المهندس كارير على إعادة التوزيع الديموغرافي مقصوراً على ما حدث لدينا في الجزيرة وحسب، بل حتى بأمريكا كان له أثر واضح في بداية هجرة سكان ولايات الشمال الباردة إلى الولايات الجنوبية الحارة، التي أصبحت قابلة للسكنى بعد اختراع هذا العبقري. والحقيقة أنه بالرغم من أن كارير كان هو المخترع لآلة التكييف بوضعها الحالي، إلا أن محاولات الإنسان السيطرة على درجة حرارة الأجواء المحيطة به قديمة وتعود إلى القرن الثاني الذي اخترع به الصينيون المروحة. كما تشير المصادر التاريخية إلى أن أثرياء روما القديمة كانوا يحيطون جدران منازلهم الفارهة بجداول مائية جارية تساعد على تبريد المنزل من الداخل. كما أن إيران في العصور الوسطى عرفت باستخدام شيء قريب مما كان يستخدمه الرومان، عن طريق استخدام أوعية وأبراج رياح لتبريد المباني خلال فصل الصيف الحار، إذ كانت أبراج الرياح تلتقط تيار الهواء ثم تُوجه نحو المنازل بعد مرورها بأوعية الماء الباردة. أما القاهرة فقد عرفت تهوية المنازل قبل عام 1200 للميلاد، وكان في كل منزل تقريباً في المدينة آلة تهوية. لكن العالم لم يعرف هذه الثورة في عالم التكييف بهذه الطرق الحديثة، ولم يستطع أهل المناطق الحارة العيش براحة واستقرار فيها إلا بعد مجيء كارير. ومن الطريف أن أصل هذا الاختراع الذي جاء به كارير لم يكن للترفيه عن الإنسان وإنما كان محاولة منه لحل بعض المشكلات الطباعية في شركة الورق والطباعة التي كان يعمل بها، إذ كان لدى آلاتها الطباعية بعض المشكلات في الطباعة بسبب الرطوبة في المصنع. وبعد أن استطاع كارير حل هذه المشكلة، أتته فكرة استخدام هذا التكييف للتبريد على الإنسان. كما أنه من اللافت أن كارير هو المؤسس لشركة سامسونج الكورية التي أصبحت من أكثر الشركات الرائدة في العالم في علم التبريد. لكن العجيب أنه وبالرغم من هذا التقدم الذي حصل لدينا في عمليات التبريد والتهوية، في المنزل والسيارة ومكان العمل، إلا أن الموضوع الذي يستأثر بقدر واسع من النقاشات قبل فصل الصيف لدينا، هو عن مكان قضاء الإجازة. تشهد المطارات، خصوصاً المطارات الثلاثة الكبرى، بالرياض وجدة والدمام، حالة استنفار كبرى للهروب من هذا البلد. ما الذي يجعل الناس تهرب من هذا الوطن بهذه الموجات الواسعة، أهي الحرارة وحسب، أم أن هناك أسباباً أخرى طاردة؟
مشاركة :