عندما يتجاهل المتعاملون في أسواق النفط مجهودات «أوبك» غير المتوقعة والتي نجحت بنسبة فاقت مائة في المائة في خفض إنتاج أعضائها البالغ عددهم 13 دولة بالتنسيق مع مستقلين من الخارج، لتحييد 1.8 مليون برميل يومياً من معادلة السوق، فإن 3 سيناريوهات تلوح في الأفق.أول هذه السيناريوهات: النفط الأميركي (الصخري)، الذي يمثل المحرك الأول للمتعاملين في السوق، ورغم تراجع مخزونات النفط الأميركية يوم الأربعاء الماضي، فإن ذلك لم يفلح في دفع الأسعار أو حتى عودتها إلى مستويات 50 دولارا. وتتداول حالياً بالقرب من مستوى 45 دولاراً للبرميل.وعن هذا قال رئيس منظمة «أوبك» ووزير الطاقة السعودي خالد الفالح: «لقد شهدت صناعة النفط الصخري تطورات لافتة، وفي الوقت نفسه تواجه تحديات، مثل الزيادة في مستوى تكاليف خدمات الحفر والإنتاج. وبشكلٍ عام وعلى المديين المتوسط والبعيد، توجد حاجة متزايدة إلى الكميات التي يتم إنتاجها من النفط الصخري لتلبية الطلب الحالي والمستقبلي، علماً بأن التوقعات الحالية التي تشير إلى استعادة السوق توازنها خلال الربع الرابع من هذا العام، قد أخذت بعين الاعتبار الزيادة في إنتاج النفط الصخري».وإذا كانت تصريحات الفالح الذي يدير إنتاج أكبر دولة مصدرة في العالم، تقول إن أي زيادة في النفط الصخري قد أخذت بعين الاعتبار، فإن ذلك يعني أن كميات الإنتاج في السوق لم تخرج عن الإطار المرسوم.«كما أن المنتجين سيجتمعون في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) وخلال العام المقبل لتقييم مستويات الطلب والعرض واتخاذ الإجراء المناسب حسب المعطيات آنذاك». بحسب حوار الفالح لـ«الشرق الأوسط» الأحد الماضي.لكن تلهف السوق لتحركات سريعة في الأسعار، يحيل اتجاهات المتعاملين والمستثمرين في أسواق النفط، إلى تخوفات من تخمة المعروض، حتى هبطت الأسعار بنحو 18 في المائة خلال 20 يوماً فقط.والولايات المتحدة ليست طرفا في أي اتفاقات لخفض الإنتاج، ومن المتوقع أن تزيد الإنتاج من تكوينات النفط الصخري بما يصل إلى مليون برميل يوميا أو نحو 10 في المائة من إجمالي إنتاج البلاد من الخام.* المضاربونوعن هذا قال الفالح: «لم يكن هدفنا عند إطلاق هذه المبادرة في الجزائر (تخفيض الإنتاج) الوصول إلى سعر محدد، فالأسعار تحددها الأسواق التي تحركها متغيرات كثيرة خارجة عن تحكم الدول المنتجة ولا يمكن التنبؤ بها. وأغلب التقلبات التي تشهدها السوق على المدى القريب تعتبر ردود فعل على عدد من العوامل التي تدور في إطار قصير الأجل؛ كعناوين الأخبار التي يتداولها الإعلام، والتنبؤات بالإنتاج من بعض المصادر التي قد لا تتحقق في نهاية الأمر، وكذلك دور المضاربين في الأسواق المالية في زيادة حدة التقلبات في السوق».يوضح الفالح هنا أن هدف المبادرة لم يتمثل في تحديد سعر معين، وأشار إلى مصادر تحريك الأسعار على المدى القصير، التي غالباً لم تتحقق، فيما أحال التذبذب في الأسعار إلى المضاربين مباشرة؛ الذي يميزهم المدى القصير، ولا ينظرون إلى الآجال المتوسطة والطويلة للاستثمار.والمضاربون هم السيناريو الثاني، في معادلة تراجع الأسعار، ويجدر بنا أن نفصل بين التقلبات وأساسيات السوق ذات التأثير بعيد المدى.وهناك عمليات سحب كبيرة نسبياً تُقدَّر بنحو 50 مليون برميل من المخزونات الواقعة في مرافق التخزين العائمة (في البحار) المعروفة بتكلفتها العالية، ووصلت المخزونات في مرافق التخزين تلك إلى المستويات التي كانت عليها في أواخر عام 2014 تقريباً، كما أن السحب من المخزونات الموجودة على اليابسة في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنميةOECD)) قد بدأ بالفعل؛ حيث انخفض المخزون بمقدار 65 مليون برميل مقارنة بمستواه في شهر يوليو (تموز) 2016 وكان حينئذ قد بلغ ذروته التاريخية. ومما سبق، فإن أساسيات السوق تتجه نحو المسار الصحيح، بحسب ما أكد الفالح.ورغم ذلك، فإن سوق النفط سجلت أسوأ أداء لها في الأشهر الستة الأولى من العام؛ وذلك خلال 20 عاما، مما يشير إلى رفضها القبول بجدوى موقف «أوبك» ورغبتها في تخفيضات أكبر للإنتاج. * الوقتكان الفالح ووزراء آخرون في «أوبك» قالوا إن المنظمة لن تندفع صوب تنفيذ تخفيضات أكبر للإنتاج من المستوى الحالي البالغ 4 في المائة كي تكبح انخفاض الأسعار.وقالوا إن المنظمة بدلا من ذلك ستنتظر حتى تتمخض التخفيضات المشتركة الحالية مع روسيا غير العضو في «أوبك» عن هبوط المخزونات العالمية خلال الربع الثالث من العام حين يرتفع عادة الطلب على النفط الخام.وقالت مصادر في «أوبك» وفي روسيا لـ«رويترز» إنه لا مؤشرات تذكر على أن المنظمة تستعد لإجراء استثنائي قبل اجتماع لجنة المراقبة الوزارية المشتركة في روسيا نهاية يوليو المقبل.وقال وزير النفط الإيراني بيجن زنغنه، يوم الأربعاء: «نجري محادثات مع أعضاء (أوبك) كي نجهز أنفسنا لقرار جديد». وأضاف: «لكن اتخاذ القرارات في المنظمة أمر صعب جدا، لأن أي قرار سيعني للأعضاء تخفيضات في الإنتاج».وأطلق ارتفاع أسعار النفط بنهاية العقد الماضي وبداية هذا العقد مشاريع إنتاج متعددة في أنحاء العالم، بما في ذلك في تكوينات النفط الصخري الأميركي، مما نتج عنه فائض عالمي دفع الأسعار للانخفاض من 120 دولارا للبرميل في 2014 إلى أقل من 30 دولارا للبرميل في العام الماضي.وسعت «أوبك» وروسيا إلى تحقيق استقرار الأسعار عند مستويات 50 - 60 دولارا للبرميل عبر تخفيضات الإنتاج، لكن انخفضت أسعار خام القياس العالمي «برنت» هذا الأسبوع صوب 44 دولارا للبرميل بسبب استمرار المخاوف بشأن فائض الإمدادات.وزاد المتعاملون والمستثمرون رهاناتهم على أن أسعار النفط ستظل تحت ضغط. وتظهر سوق خيارات الخام الأميركي أن أكبر تغير منذ اجتماع «أوبك» في حيازات عقود المشتقات استحقاق ديسمبر (كانون الأول) هذا العام، كان في خيار البيع عند 45 دولارا للبرميل.وزادت المراكز المفتوحة، التي تظهر عدد العقود المفتوحة المتداولة التي لم تُسيل بعد، أكثر من 5 آلاف مجموعة في الشهر الماضي إلى نحو 38 ألف مجموعة بما يعادل 38 مليون برميل من النفط.وعامل الوقت هو السيناريو الثالث، لعودة الأسعار بعد امتصاص السوق مخاطر تخمة المعروض.وتقول السعودية، ذات تكاليف الإنتاج الأرخص في العالم، مرارا إنها تعلمت من أخطائها السابقة عندما خفضت الإنتاج بقوة في الثمانينات لرفع الأسعار، لكنها فقدت حصة سوقية لصالح المنافسين.وفي وقت سابق هذا العام، أبلغ مسؤولون سعوديون شركات نفط أميركية مستقلة كبرى في محادثات مغلقة بأنه ليس لهم أن يفترضوا أن «أوبك» ستمدد تخفيضات الإنتاج كي تبدد أثر ارتفاع الإنتاج الأميركي.وقال جيفري هالي، المحلل لدى «أواندا» للوساطة إن الخيار الآخر لـ«أوبك» هو أن تسمح لأسعار النفط بالانخفاض إلى مستويات حتى «قطاع النفط الصخري الأميركي الحديث الأقل تكلفة سيعاني كي يحقق تعادل الإيرادات والمصروفات عندها».وقد لا يكون ذلك بعيدا في الوقت الذي تقترب فيه الأسعار من مستويات التكلفة لشركات النفط الصخري الأميركي المسؤولة عن زيادة الإنتاج التي تقوض جهود «أوبك».وقالت «ريستاد إنيرجي» للاستشارات المتخصصة في التنقيب والإنتاج: «فيما يخص (النفط الصخري في حوض باكن) فإن الآبار التي تم الانتهاء منها في 2016 - 2017 يبلغ متوسط سعر التعادل فيها نحو 38 دولارا للبرميل».وبجانب متابعتها الوثيقة لأنماط الإنتاج الخاصة بمنافسيها، تحتاج «أوبك» إلى إبقاء نظرها على الطلب العالمي.وفي الوقت الذي تشير فيه التوقعات الصادرة عن مؤسسات كبرى، بما في ذلك وكالة الطاقة الدولية، إلى نمو الطلب العالمي بمعدل قوي يبلغ 1.5 في المائة العام المقبل، فإن هناك مؤشرات على أن الطلب يتباطأ في مركزين آسيويين رئيسيين هما الصين والهند محركيْ نمو الطلب في السنوات الأخيرة.
مشاركة :