مبادرة الرئيس أبو مازن والتي تتلخص بوقف الإجراءات المالية تجاه قطاع غزة وخصوصا الخصم من رواتب موظفي القطاع بالإضافة إلى خطوات أخرى هدد بها الرئيس ،مقابل حل حركة حماس للجنة التي شكلتها لإدارة القطاع وتسليم كل ما يتعلق بإدارة قطاع غزة لحكومة التوافق الوطني تمهيدا لتشكيل حكومة وحدة وطنية وإجراء الانتخابات ،هذه المبادرة أثارت حالة من القلق من تداعيات فشلها ليس فقط على قطاع غزة بل على مجمل الحالة الفلسطينية ،كما أثارت المبادرة من حيث توقيتها وطريقة طرحها تساؤلات كثيرة . هل السلطة تريد استعادة قطاع غزة بالفعل ولكن غير قادرة ؟أم أنها قادرة ولكن لا تريد ؟ أم انها قادرة وتريد ولكن هناك قوى أكبر منها تمنعها من ذلك ؟وهل القرارات الأخيرة تعبر عن قناعة بإمكانية إنهاء الانقسام أم قناعة بأن الانقسام وصل إلى مرحلة ألا رجعة وعلى حركة حماس تَحَمُل المسؤولية ؟ أم أن الأمر يعكس حالة ارتباك وغياب رؤية حول كيفية التصرف تجاه غزة ؟ولماذا هربت حركة حماس نحو مصر ومحمد دحلان بدلا من التعاطي مع مبادرة الرئيس ؟. مع افتراضنا حسن النية من وراء مبادرة الرئيس ،حيث لا نعتقد أن رئيسا يقبل أن يستمر رئيسا لجزء من الشعب على جزء من الوطن ،إلا أننا نعتقد أن الصواب جانب من أشاروا على الرئيس بأن حركة حماس على وشك الانهيار بسبب الأحداث الإقليمية والدولية التي جاءت متعارضة مع رهانات حركة حماس ووضعتها وسلطتها في قطاع غزة في وضعية صعبة تجعلها تقبل بالتخلي تلقائيا عن سيطرتها على القطاع ،أو إكراها إذا ما تم التضييق المالي على قطاع غزة مما سيدفع اهالي القطاع للتمرد على حماس ! . إن كل معايش ومتابع للأوضاع في قطاع غزة وتعقيدات المعادلة السياسية في المنطقة بشكل عام يدرك صعوبة – وليس استحالة – قبول حركة حماس بمبادرة الرئيس وتُسلِم قطاع غزة الآن وذلك للأسباب التالية :- 1- إن قوى ودولا ما زالت تريد أن تستمر حماس بالسلطة في غزة ومستعدة لمدها بمقومات البقاء . 2- إن مبادرة الرئيس لا تعطي ضمانات لعناصر حركة حماس من أية ملاحقة أو إجراءات عقابية سواء من السلطة أو من أفراد الشعب الذين تأذوا من سلطة حماس . 3- ولأن طرفا فلسطينيا – محمد دحلان – دخل على الخط ومد يد الإنقاذ لحركة حماس بتنسيق مع مصر وبالتأكيد مع الإمارات والعربية السعودية . 4- ولأن حركة حماس باتت على قناعة بأن سيطرتها على قطاع غزة هي الورقة الوحيدة للقوة المتبقية لديها ،وبالتالي فإن تخليها عنها معناه نهايتها تنظيميا وسياسيا بما سيترتب على ذلك من تحميلها مسؤولية عشرة سنوات من الحصار . 5- لأن مبادرة الرئيس لا تحظى بإجماع في منظمة التحرير وحتى داخل حركة فتح ،ولم يتم دراستها داخل المؤسسات الرسمية ،ولم تصدر عن هذه المؤسسات ،مما يشكك بشرعية القرارات المالية للرئيس . 6- تزايد القناعة بصعوبة توحيد غزة مع الضفة بسبب المانع الإسرائيلي ،ولاعتبارات عملية ،فكيف يتم توحيد غزة المدججة بالسلاح والأنفاق وآلاف المقاتلين الخ مع الضفة الغربية المدججة بالجيش الإسرائيلي وسلاحه والاستيطان والمستوطنين ؟ . حتى لو اتفقنا مع الرئيس في أن الهدف من وراء هذه القرارات عقاب حماس وثنيها عن الانفصال ،فلماذا لم تلجأ السلطة إلى طرق أخرى غير معاقبة موظفي السلطة في القطاع ؟ .ما مكن حركة حماس من الصمود والاستمرار في حكم القطاع طوال عشرة سنوات هي معادلة سياسية وإقليمية تريد استمرار سلطة حماس ،ليس حبا بحماس بل لاستمرار الانقسام وإضعاف الحالة الفلسطينية بشكل عام ، أما ماليا فليست رواتب موظفي السلطة المصدر الرئيس لاقتصاد قطاع غزة وتشغيل مؤسسات حركة حماس ،بل الضرائب التي تجنيها والأموال التي تدخل قطاع غزة نقدا بطريقة رسمية وغير رسمية ،أو من خلال مشاريع من تركيا وقطر والإمارات . والسؤال هنا ،لماذا تلجأ السلطة الآن إلى الطرف الضعيف – رواتب موظفي غزة – ولم تمارس ضغوطا وتتخذ إجراءات لوقف التمويل الخارجي لحركة حماس من خلال الطلب من قطر وتركيا بوقف دعمهما المالي لحركة حماس ،والطلب من دولة الإمارات التوقف عن تحويل الأموال لقطاع غزة عن طريق محمد دحلان؟ ولماذا سكتت السلطة وما زالت على هذه الدول التي تدعم الانقسام وتساعد حماس على تثبيت سلطتها ؟ . لا نعني من كلامنا أننا نفضل خيارا على آخر من الخيارين السابقين ،فكلاهما سيزيد من معاناة أهالي القطاع ويكسر مقومات صمودهم دون إنهاء الانقسام ، ولكن نعتقد بأن إجراءات السلطة بخصوص الرواتب وما سيتبعها من إجراءات تم التهديد بها لن تؤدي لثني حماس عن موقفها بل ستؤدي لتكريس الانقسام ،وسيبدو الرئيس من خلالها وكأنه أتخذ قرار الانفصال ، وقد رأينا كيف هربت حركة حماس نحو مصر ومحمد دحلان بدلا من التجاوب مع مبادرة الرئيس . توجه حركة حماس نحو مصر ومحمد دحلان لا يعتبر خيارا استراتيجيا بل موقف تكتيكي لكسب الوقت ،فالحلول التي تقدمها مصر ومحمد دحلان لا تشترط تخلي حركة حماس عن السلطة (حالا) مما يمنح حركة حماس متسعا من الوقت لتستشرف المستقبل وتُعيد ترتيب أوضاعها وربما قريبا تتقاسم السلطة مع محمد دحلان،فهذا الأخير ليس جمعية خيرية بل له مشروعه السياسي تجاه غزة ،أما مبادرة الرئيس فتطالب بإنهاء سلطة حماس أولا وإعادة توحيد غزة والضفة في سلطة وحكومة واحدة كشرط مسبق لأي حوار . المَخرَج لمشكلة حماس وقطاع غزة من خلال مصر ودحلان حتى وإن تعارض مع المصلحة الوطنية العليا إلا أنه يرضي غالبية الأطراف بما فيها إسرائيل ،بينما مبادرة الرئيس ،في حالة نجاحها وبالرغم مما يكتنفها من التباس وما تواجه من تحديات ،قد تشكل رافعة وبداية لإعادة بناء المشروع الوطني مما سيغضب كثيرا من الأطراف بما فيها إسرائيل . وأخيرا ماذا بعد ؟ماذا بعد قرارات الخصم والقرارات الأخرى ذات الصلة ؟ ماذا بعد تفاهمات حماس ودحلان بموافقة مصرية ؟ وماذا بعد انفصال قطاع غزة ؟وإلى متى ستستمر السلطة والصراع عليها سببا في دمار المشروع الوطني؟ . Ibrahemibrach1@gmail.comأخبار ذات صلةد. إبراهيم أبراش يكتب: أية تسوية سياسية الآن ستكون أسوأ…د. إبراهيم أبراش يكتب: بعد عشر سنوات .. الانقسام لماذا…د. إبراهيم أبراش يكتب : رد الاعتبار للقضية الفلسطينية كقضية…د.إبراهيم أبراش يكتب: العرب يدينون أنفسهم ويبرئون واشنطن والغربأ.د/ إبراهيم أبراش يكتب لـ «الغد»: حركة حماس أمام اختبار…
مشاركة :