صديقي وحديث العيد - د. محمد عبدالله الخازم

  • 6/28/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

في العاصمة البعيدة تقابلنا يوم العيد في مقهى صغير، عبارة عن طاولتين وأريكتين في الركن القصي لمحل زهور، تملكه عائلة مهاجرة، الأب والأم يتناوبان على الخدمة وتوزيع الابتسامات والقفشات باللكنة الإيطالية. صديقي يبدو في أواخر الأربعينيات، ذو شعر طويل، كثيف ومتموج، يغلب عليه البياض. يلبس بدلة سوداء، وجزمة سوداء، ويقول معلقًا على مديح من صاحبة المحل إن ذلك يريحه عناء تنسيق الألوان؛ فكل القطع من لون واحد. كما أنها تسير مع نسقنا في الوطن؛ إذ تعودنا اللون الواحد، الأبيض، بالذات في الأعياد. يبدو أن من يعتاد اللون الواحد يخاف تقبل الألوان المختلفة! عن رمضان والعيد في الديار البعيدة عن مسقط الرأس يعترف بافتقاد الطقوس الاجتماعية التي ألفها في القرية وبيت الوالد، أما الحالة الروحانية فهي أمر داخلي تستطيع أن تصنعه في أي بقعة جغرافية. العيش في بلاد بعيدة لا يعني أنك تعيش معزولاً، إلا أن أردت ذلك، بل وسط مجتمع موازٍ أو جديد، مهمتك اكتشاف الفرح فيه. الانتقال من الاحتفال وسط العائلة الممتدة إلى الاحتفال وسط ثقافات عالمية متنوعة له بعد آخر يستحق الاكتشاف! وهل يكون العيد دون إجازات كافية للأعمال والمدارس؟ -نعم يكون، ولكنه يتحول إلى كبسولة زمنية قصيرة جدًّا، ولا أدري أهي ميزة الاحتفال بالعيد ساعات بدلاً من أيام، أم عيب يخل بالفرح الممتد؟! وبطبعنا أو بشوقنا لا بد أن يعرج الحديث عن السياسة وهموم الأوطان.. سألته هل يتابع ما يحدث في الوطن؟ وكيف؟ -لا (فكاك) يقول. مهما انتقلت مواقعنا الجغرافية تبقى الروح تحن للأوطان، نفرح لفرحها، ونتألم لحزنها. طبعًا لا ننسى أنها فطرة بشرية، الشعوب تسافر أو تهاجر لتكون مجتمعات من نفس موطنها الأصلي، ونحن بشر نسافر لنكون مجتمعاتنا الصغيرة التي تمثلنا في الخارج، وتذكرنا بتفاصيل الوطن بشكل دائم. يفترض أن نتعلم من العيش خارج الوطن والتفاعل مع ثقافات أخرى النظر للأمور بطريقة أخرى، وذلك وفق ما نملكه من وعي. هنا نتمكن من رصد الأمور من خارج بقعة الحدث، بشكل أشمل وأكثر استيعابًا للفهم من زوايا مختلفة. تبادلنا الحديث حول الأحداث المختلفة، ورحب بإتاحة الفرصة للجيل الشاب بالمملكة ليحتل مواقع القيادة، مع ما يبعثه ذلك من أمل في مستقبل فتي للبلاد. العمر ليس عائقًا، كما يقول، عندما يكون وعي القائد بالعمل ضمن دولة المؤسسات المليئة بالكفاءات والعقول النيرة. هذا جيل شاب يضع قائد البلاد أمامه فرصه لصنع بصمات للتاريخ. نتمنى أن تتحول الفرصة لإنجاز يتذكره أحفادنا بعد مائة عام وأكثر. كما نحن نتذكر أمجاد موحد البلاد، الملك عبدالعزيز - رحمه الله - وغيره من القادة العظماء الذين تركوا بصمات خلدها التاريخ لأوطانهم المختلفة! لم تنته أحاديث الصديق، لكن المساحة انتهت. كل عام ووطننا بخير، وأنتم قراؤنا في صحة وراحة بال!

مشاركة :