باريس: ميشال أبو نجم أصيبت الجالية الإسلامية ومنظماتها ومسؤولوها بصدمة كبرى عقب البيان الذي صدر عن وزارة الداخلية الفرنسية، وفيه نبأ اعتقال مجند فرنسي كان ينوي الاعتداء على مسجد مدينة ليون الكبير، صبيحة يوم عيد الفطر. وفي المعلومات التي تضمنها البيان الوزاري، فإن الجندي الفرنسي برتبة رقيب في سلاح الجو، البالغ من العمر 23 عاما، اعترف أنه كان يخطط للاعتداء على مسجد فينيسيو (ضاحية مدينة ليون) بإطلاق النار مباشرة، وذلك خلال توقيفه لمدة أربعة أيام لدى الإدارة المركزية للاستخبارات الداخلية، التي سلمته لاحقا إلى نيابة باريس المتخصصة في الأعمال الإرهابية. ويواجه الموقوف تهما خطيرة، بينها «حيازة أسلحة من الفئة الرابعة على علاقة بعمل إرهابي»، و«تحقير مكان عبادة على ارتباط بمشروع إرهابي». وليست المرة الأولى التي تتعرض فيها أماكن العبادة الإسلامية في فرنسا لاعتداءات متنوعة، غير أن وجه الخطورة في التطور الأخير أن التخطيط للعمل الإرهابي جاء هذه المرة من جانب جندي من الجيش الفرنسي المفترض به الحفاظ على أمن البلاد وليس مهاجمة أماكن العبادة فيها، وثانيا أن الاعتداء كان سيتم بالسلاح الناري، أي بإطلاق النار مباشرة على المصلين يوم العيد، مما كان سيوقع العشرات من الضحايا في حال نفذ المشروع. ويأتي هذا التطور الذي يعيد إلى الواجهة وضع الجالية المسلمة في فرنسا، على خلفية أعمال العنف التي جرت قبل أسبوعين في مدينة تراب (شمال غربي باريس)، بسبب مشادة حصلت بين رجل شرطة وامرأة منتقبة كانت تقود سيارة، وتطور ذلك إلى أعمال عنف بين عشرات الشبان ورجال الأمن استمرت عدة أيام. وفي الفترة عينها، عاد إلى الواجهة النقاش حول الحاجة لفرض قانون جديد يمنع ارتداء الحجاب في الجامعات، ليكمل قانونين، صدر الأول منهما في عام 2004، وهو يمنع ارتداء «الشارات الدينية»، وبينها الحجاب في المدارس، والثاني صدر في عام 2010، وهو يمنع ارتداء النقاب الذي يغطي كامل الوجه في الدوائر الرسمية وحتى في الأماكن العامة. وأفاد عبد الله زكري رئيس مرصد الأعمال المعادية للإسلام في فرنسا بأن الأشهر الستة من العام الحالي شهدت تصاعد هذه الأعمال بنسبة 50 في المائة، قياسا بالعام الماضي، الذي عرف بدوره زيادة بنسبة 28 في المائة قياسا بالعام الذي قبله. وبالمقابل، قال كامل قبطان مدير المسجد المستهدف إن هذا العمل يعكس حالة من «تنامي فوبيا الإسلام» داخل المجتمع الفرنسي، الذي يحتضن جالية مسلمة يتراوح عددها ما بين أربعة إلى ستة ملايين شخص. ودوريا، يندد مسؤولو هذه الجالية بالخلط بين الإسلام والمجموعات الإسلامية المتطرفة، وبالأفكار السائدة التي تنفي قابلية الإسلام لتقبل قواعد ومبادئ الجمهورية وقدرته على التأقلم داخل المجتمع الفرنسي. ويمثل اليمين المتطرف القاطرة التي تدفع باتجاه تغذية العداء ضد الإسلام، إلى درجت ذهبت معها رئيسة الجبهة الوطنية لليمين المتطرف مارين لوبن إلى المقارنة بين صلاة المسلمين في الشوارع في بعض المدن، بسبب عدم توافر المساجد، والاحتلال النازي لفرنسا أثناء الحرب العالمية الثانية. وأفادت المعلومات المتوافرة بأن الجندي الشاب، الذي لم يكشف عن هويته «قريب» من أفكار اليمين المتطرف، بينما تفيد معلومات أخرى بأنه «هش نفسيا». وتم إلقاء القبض على الرقيب بعد أن عبر أفراد من عائلته عن قلقهم لما قد يقدم عليه بعد وقوعهم على منشورات متطرفة بحوزته، الأمر الذي دفعهم لإبلاغ الشرطة التي قامت بالقبض عليه. وأوقف الجندي قبل 24 ساعة من موعد تنفيذ اعتدائه. غير أن الثابت، وهو ما أكدته المصادر الأمنية، هو أن الرقيب المذكور سبق له أن نفذ اعتداء بقنبلة مولوتوف حارقة ضد مسجد آخر قائم في منطقة بوردو (جنوب غربي فرنسا) في شهر أغسطس (آب) من العام الماضي. ووقتها، تمت محاصرة الحرق سريعا، كون ثكنة الإطفائيين موجودة مقابل مدخل المسجد المعتدى عليه. وطالب مدير المسجد المجلس النيابي الفرنسي بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية للنظر في تصاعد التهديدات التي تستهدف المسلمين والسلطات بـ«الحزم» في ملاحقة المسؤولين عنها، وسوقهم أمام القضاء. ومساء أمس، حصل تجمع أمام مدخل المسجد في مدينة فينيسيو، بدعوة من إدارة المسجد ومن جمعيات إسلامية. وبرأي قبطان، فمن المهم أن يشارك الفرنسيون من الديانات الأخرى إخوانهم المسلمين في التعبير عن القلق والغضب، بحيث لا تمر أحداث كهذه مرور الكرام. غير أن مصادر قضائية تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أكدت أن السلاح الرادع هو استصدار قانون يحدد جريمة الأعمال المعادية للمسلمين، كما هو الحال مع ما يسمى «قانون غيسو» الخاص بتحديد الجرائم التي تستهدف اليهود في فرنسا، والداخلة تحت باب «معاداة السامية».
مشاركة :