من الطبيعي أن يكون من أدعية أئمة المساجد وخطبائها، أن يرفع الله عن الأمة الغلاء والوباء والربا والزنا، لأن الغلاء وباءٌ وبلاء ينزل بها جزاء لما كان منها من ذنوب وخطايا، فما غضب الله على قوم إلا وابتلاهم بتلك النوازل. علينا ألا نستهين بالغلاء فإنه قاصم لظهور الشعوب وآفة عيشها، وللتجار وهوامير السوق. طرقهم في استغلال الظروف، المواسم لرفع أسعار السلع، وهو ما نشهده، في هذه الأيام، ونحن نستعد بعد أيام لاستقبال شهر رمضان، استبق التجار قدوم الشهر ورفعوا أسعار السلع الأكثر استهلاكاً من قبل المواطنين في الشهر الكريم، كالأرز والسكر والحليب والزيوت. في إحصائية موثقة نُشرت مؤخراً لتقارن بين أسعار تلك السلع في السوق المحلية ومتوسط الدخل، أظهرت وجود فجوة بين ارتفاع الأسعار في المملكة ومستوى الدخل والأجور بين عامي 1402 و1432 هجرية، بلغت نحو 700 في المائة، بعد أن سجلت أسعار مؤشر تكلفة المعيشة 765 في المائة، فيما سجل نمو دخل الفرد 66 في المائة خلال 30 عاماً، لذلك فإن الاقتصاديين حذروا كما نُشر في «الاقتصادية» من أن اتساع الفجوة بين الأجور وتضخم الأسعار، قد يربك مسار الاقتصاد في بلادنا، خاصة مع تغير النمط الاستهلاكي للفرد وتُرجع أسباب التضخم، والتفاوت بين نمو الأسعار ونمو الدخل إلى ثلاثة عوامل أساسية: التضخم العالمي مع تراجع القوة الشرائية للريـال، والإنفاق الحكومي وفق ما جاء في ميزانية الدولة لعام 2014، ويرى الاقتصاديون ضرورة معالجة هذه الفجوة الحرجة، من خلال العمل على تكييف اقتصادنا مع نمو التضخم بإحداث نمو حقيقي في البلاد، وعمل تناسب بين الأجور والتضخم. هند مواطنة ربة بيت من أسرة متوسطة الحال -هذه الفئة مع حالة التضخم وغلاء المعيشة- تكاد تتلاشى، تقول تشتكي معاناة أسرتها مع الغلاء: الراتب لا يكفينا إلى نهاية الشهر بسبب غلاء المعيشة وارتفاع أسعار الاحتياجات الضرورية، كإيجار البيوت وفواتير الكهرباء، ونحن في السعودية «حاطين حرّتنا في بيوتنا»! بمعنى أننا نفرغ الكبت الذي بداخلنا في الاستهلاك، فلو تأملت البيئة التي حولنا ستجد أنها لا تساعد المواطن، فالأجواء دائماً مليئة بالغبار والتلوث البيئي، وازدحام الشوارع. وكلما طال مكوثنا بالبيوت زاد استهلاكنا لكل شيء. كما تنقصنا الثقافة والوعي في الاستهلاك، وأشارت المواطنة إلى أن المسؤول عن ترسيخ هذه الثقافة هي المدرسة والمنزل في المقام الأول والمجتمع بشكل عام، لأن مجتمعنا يحب البذخ والصرف، بلا وعي ولا تدبر. ومواطن آخر يعاني نفس المعاناة فيقول راتبي 8 آلاف ريـال ولدي 8 أولاد، إضافة لخادمة وسائق وهو لا يكفي أبداً، وكان من الطبيعي أن يكفيه وينفق ضعف راتبه، وقد غاب عنه وعيه بالسلوك السوي للاستهلاك، فما حاجته لخادمة وسائق، وهو يعلم أن دخله الشهري ثمانية آلاف ريـال. مع الأسف نحن شعب استهلاكي لا يعرف التدبير والادخار. ونحن حقا بحاجة لحملات لتوعية المواطنين ليتعلموا السلوك الاستهلاكي بشكل إيجابي. فهو من وسائل القضاء على الغلاء. علينا ألا نستهين بالغلاء لأنه بلاء، وعلينا أن نقتصد ولا نسرف.
مشاركة :