--> إذا كان مؤسسا هيوليت باكارد، وهما بيل هيوليت وديفد باكارد، يتقلبان في قبرهما منذ فترة، فربما سيأخذان استراحة الآن. ذلك أن الشركة التي تحمل اسميهما تعمل الآن على تكنولوجيا حاسوبية طموحة للغاية على المستوى الصناعي، التي يمكن عند إطلاقها للاستخدام أن تحل محل جميع المعدات الموجودة في مركز للبيانات وتضع مكانها آلة واحدة في حجم الثلاجة. ولهذا السبب هم يطلقون عليها في مختبرات الشركة اسم الآلة. وهي من الناحية الأساسية نوع جديد من هندسة الكمبيوتر، والتي يقول عنها مهندسو هيوليت باكارد: إنها ستعمل بديلاً عن تصاميم اليوم، مع نظام تشغيل جديد، ونوع مختلف من الذاكرة، ونقل للبيانات في غاية السرعة. وتقول الشركة إنها سوف تحضر الآلة إلى السوق خلال السنوات القليلة المقبلة، أو ستقع على وجهها وهي تحاول ذلك. وقال مارك فينك، كبير الإداريين التكنولوجيين في الشركة ورئيس مختبرات هيوليت باكارد، الذي من المتوقع أن يكشف النقاب عن خطط الشركة في مؤتمر خلال أقل من أسبوع: نعتقد أنه لا مجال أمامنا للخيار. قبل عقد من الزمن، لم يكن يبدو من الإغراق في الخيال كما هي الحال الآن، أن تقوم شركة مثل هيوليت باكارد أو آي بي إم، أو صن مايكرو سستمز، بإنشاء كمبيوتر جديد بهندسة جديدة من الصفر إلى الأعلى. ذلك أن الشركات الكبيرة تصنع رقائقها الخاصة بها، وتكنولوجيا شبكات خاصة بها، إلى جانب أنظمة التشغيل المفصلة للعمل على هذه الأجهزة المتخصصة. ثم أصبحت المكونات التجارية التي تصنعها الشركات الأخرى تتمتع يقدرات حاسوبية أكبر، وبرامج أفضل لتشغيل وإدارة مراكز البيانات، التي تعوض عن النقص في بعض القطع والأجهزة ذات الأسعار الأرخص. وإن شركات الإنترنت الاستهلاكي، مثل ياهو وجوجل وأمازون أخذت تنتج تصاميم جديدة لمراكز البيانات التي سرعان ما تبنتها الشركات الأصلية الكبرى، وهو ما أدى إلى تقليص الحصة السوقية لشركات الأنظمة. بدأت الآلة بالتشكل قبل سنتين، بعد تعيين فينك رئيساً للمختبرات. ويقول: إن تقييم مشاريع الشركة جعل من الواضح أنها تعمل على تطوير المكونات اللازمة لنظام حاسوبي أفضل من قبل. ومن مشاريع الشركة، هناك شكل جديد من الذاكرة، يدعى memristors ، وفوتونيكات السليكون، التي تعني نقل البيانات داخل الكمبيوتر باستخدام الضوء بدلاً من أسلاك النحاس. كما أن الباحثين في الشركة يعملون على أنظمة للتشغيل مثل وندوز ولاينوكس وإتش بي يو إكس، و ترو 64، ونان ستوب NonStop. من الممكن أن الذاكرة تشكل أكبر فرصة للتغيير. تعمل أجهزة الكمبيوتر بالطريقة نفسها منذ عدة سنوات. حين يريد شخص ما استخدام مايكروسوفت وندوز مثلاً، يصدر المعالج المركزي للكمبيوتر أمراً بنسخ البرنامج ووثيقة في القرص البطيء كانت جالسة هناك، ثم يحضرها بصورة مؤقتة إلى الذاكرة السريعة المعروفة باسم DRAM الموجودة بجانب قلب الكمبيوتر. وهو ما يساعد على ضمان أن وثيقة ويرد التي تعمل عليها مع الملف الذي توجد فيه ستعمل وتفتح بسرعة. المشكلة، كما يقول الخبراء، هي أن هذه الهندسة المعمارية للكمبيوتر، بما لديها من نظام ذاكرة DRAM وذاكرة الفلاش، تبدو غير قادرة على مواكبة الزيادة في استخدام البيانات. وفي الوقت الذي تصل فيه تكنولوجيا الذاكرة إلى حدودها الفيزيائية الطبيعية، تستمرعشرات الشركات في العمل على حلول بديلة ممكنة. يقول جريج بابادوبولوس، وهو شريك في شركة رأس المال المغامر New Enterprise Associates: كل شخص على هذا الكوكب من الذين يراقبون هذا النوع من الأشياء يود أن يرى نوعاً جديداً من الذاكرة السريعة والرخيصة والدائمة. فإذا نجح أي واحد من هذه المشاريع، ولو واحد فقط، فإنه سيغير هندسة تركيب الكمبيوتر بصورة جوهرية. تراهن هيوليت باكارد على أن memristor، وهي رقيقة تعمل على نطاق النانو، والتي يجب تصنيعها في مختبرات كاملة التعقيم، ستقدم الحل المنشود. عند أبسط مستوياتها، تتألف من شبكة من الأسلاك مع مجموعة طبقات رقيقة من المواد مثل أكسيد التنتالوم عند نقطة مستوى الالتقاء أو التقاطع. حين يمر التيار في الأسلاك تتغير مقاومة المواد، ويمكن أن تستمر هذه الحالة بعد إزالة التيار. عند هذه المرحلة، تتذكر الآلة أساساً نقاط الواحد والصفر، اعتماداً على طبيعة الحالة التي هي موجودة فيها، وهو ما يضاعف من قدرة التخزين. تستطيع هيوليت باكارد بناء هذه الرقائق بالمعدات التقليدية لأشباه الموصلات، وتتوقع أن تبني في الرقيقة كميات ضخمة غير مسبوقة من الذاكرة، وهي كميات تكفي لتخزين قواعد بيانات ضخمة من الصور والملفات والبيانات، داخل الكمبيوتر. من الناحية النظرية هذا سيلغي الحاجة إلى نظام القرص البطيء والذاكرة السريعة. عن طريق الآلة تكون الرقائق الرئيسية جالسة في اللوحة الأم بجانب رقائق الذاكرة الجديدة وبالتالي تستطيع الوصول إلى أية معلومات لازمة بصورة فورية تقريباً. يقول بابادوبولوس، الذي كان يعمل سابقاً في هندسة تصميم الكمبيوتر لدى هيوليت باكارد وشركة صن مايكرو سستمز: هذا هو الشكل الأفلاطوني من عملية الحوسبة، وهي الطريقة الطبيعية لتنفيذ هذه الأعمال. أنت تريد كميات ضخمة من الذاكرة، وتردها أن تكون موجودة دائماً تجت يديك، وأن تستخدمها لتكون نوعاً من مكان للتخزين. كذلك فإن فوتونيكات السليكون التي تطورها هيوليت باكارد ستكون قفزة ضخمة أخرى. منذ فترة كانت الشركات التي من قبيل هيوليت باكارد وإنتل وغيرها تعاني من أجل تقليص حجم معدات الألياف البصرية السريعة على نحو يكفي لاستبدال أسلاك النحاس، التي هي رخيصة ومجربة، داخل جهاز الكمبيوتر. من الناحية النظرية، يمكن للألياف أيضاً أن تحل محل كابلات الإثيرنت (للشبكات) وأن تربط مجموعة كاملة من الخوادم معاً. تتطلب تكنولوجيا الذاكرة والشبكات الجديدة نظاماً جديداً للتشغيل. ومعظم التطبيقات التي كتبت خلال السنوات الخمسين السابقة كان يطلب منها انتظار البيانات، حيث تفترض أن أنظمة الذاكرة التي ستغذيها بالبيانات تعمل بصورة بطيئة. وقد عين فينك فريقاً وكلفه بتطوير نظام تشغيل مفتوح للآلة، وهو نظام سيفترض توافر مخزن للذاكرة يكون ثابتاً ويتمتع بسرعة نقل عالية. وهناك فريق آخر يعمل على نسخة لنظام التشغيل يكون متوافقاً مع برنامج أندرويد، وهو ما يعني أن المطورين يتوقعون أن التكنولوجيا التي تقوم عليها الآلة يمكن في مرحلة لاحقة أن تتطور أجزاء منها لتتناسب مع أجهزة الكمبيوتر الشخصي والهواتف الذكية. يقول فينك: إن الآلة لم توضع بعد ضمن البرنامج الرسمي في هيوليت باكارد. لكن من المتوقع أن يتم إنتاج الآلة في وقت مبكر ربما يكون عام 2017 أو حتى نهاية العقد الحالي. يجب مراعاة الحذر بخصوص تواريخ التسليم لأن التجارب تجري منذ فترة لا بأس بها وكانت مواعيد التسليم تتأخر دائماً. ويقول الخبراء إن هناك فرقاً ضخماً بين الأبحاث والإنتاج. وتأمل هيوليت باكارد في أن تنجح، لكن فينك يحذر من أن تطوير نظام التشغيل سيكون جهداً ضخماً. ويقول: إن أنظمة التشغيل لم تتعلم كيف تتعامل مع كل هذه الذاكرة الضخمة، ولا بد أن تلجأ الشركة إلى أكبر قدر من الابتكار. لم يسبق لنا أن توقعنا أن تصل الأمور إلى هذا القدر من السرعة والكميات الهائلة من البيانات.
مشاركة :