سفر الأبناء بمفردهم.. خطوة على طريق تحمل المسؤولية

  • 6/30/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تحقيق: زكية كرديمن الصعب على الأهل أن يقتنعوا تماماً، بأن هذا الطفل الصغير الذي حملوه بالأمس، أصبح مشروع رجل، أو امرأة - يستعد للاستقلال بمعظم تفاصيل حياته، لكن مع هذا نرى كثيراً من الآباء والأمهات اليوم، يدركون بحكم ثقافتهم أهمية قيامهم بدفع أبنائهم لخوض التجارب الحياتية التي تدعم ثقتهم بأنفسهم وتمدهم بكل تلك العزيمة التي يحتاجونها لاكتساب مزيد من الخبرات، لذا نراهم يتقبلون سفر الأبناء إلى وجهة مختلفة عن الوجهة التي يختارونها، أو سفرهم وحدهم من دون العائلة، كما نرى في التحقيق التالي: عندما تهتم العائلة بالتخطيط للسياحة والإجازة الصيفية يصبح السفر منفرداً مشروعاً مستبعداً بالنسبة للأبناء ربما، فهم يقصدون كل الأماكن التي تخطر في بالهم تحت حماية ورعاية الأبوين، وهذا يعتبر أكثر أماناً بالنسبة لهم، لكن مع هذا تفضل منال غنيم، ربة منزل، أن تدفع ابنها للسفر وحده، أو برفقة أصدقائه ليستقل عن العائلة وقد بلغ سن الرشد، وتقول: «أشجع ابني على السفر وحده، في رحلة مع الأصدقاء، أو أياً كان مشروعه، كوني أعرف أن هذه التجربة سوف تكون أكثر متعة بالنسبة له لكي ينفتح على العوالم التي يرغب في اكتشافها، ويزيد تجاربه، وأيضاً لكي يستمتع كما يحب طالما أنه بات قادراً على تحمل مسؤولية نفسه، فعندما يسافر معنا يكون تابعاً، وبالتالي ملزماً بقصد الأماكن التي نفضلها نحن لا هو، ورغم تبنيها هذا الفكر إلا أن ولديها الشابين لم يتخذا خطوة مماثلة حتى الآن».لم يسافر رام صليبي، طالب في المرحلة الثانوية، وحده تماماً، لكن ضمن فريق الرحلة المدرسية التي شارك فيها، إلا أن التجربة كانت أكثر من رائعة بالنسبة له، ويقول: «نظمت مدرستي رحلة إلى ماليزيا مؤخراً وشاركت فيها، وأكثر ما أعجبني أنها لم تقتصر على الاستمتاع بالأماكن السياحية، بل كانت تنطوي على تجربة إنسانية عميقة تقوم على قضاء الوقت مع الأطفال المهمشين والمحرومين هناك، وكانت السعادة تقفز من أعينهم، وهذا أكثر ما أسعدني برفقتهم، إضافة إلى المعلومات الكثيرة التي عرفتها عن البلد نفسه».الشعور بالاستقلاليةولا ترتبط قدرة الشاب على الاستقلال والسفر وحده بالعمر، بل بنضج الشاب، وطريقته بالتعاطي مع الأمور، حسب طالب جليلاتي، مهندس كمبيوتر، وعن تجربته يقول: «المرة الأولى التي سافرت فيها من دون عائلتي كانت مع صديق لي، ولم نكن وحدنا، بل ذهبنا مع مجموعة سياحية في رحلة إلى إسطنبول، وبالطبع كانت تجربة مميزة بالنسبة إلي أن أشعر بالاستقلالية والحرية بالسفر وحدي، ولم يكن أهلي يرغبون وقتها في السفر لظروف معينة، لذا اقترحوا علي الذهاب مع صديق لي، وكانت الفكرة مغرية». ويوافقه الرأي أحمد حسون، مصمم ديكور، مؤكداً أن ثقة الأهل بأبنائهم تنعكس على ما يفعلونه لمدى حياتهم، ويقول: «كنت متفاجئاً ومستغرباً من أبي عندما طلب مني السفر وحدي للمرة الأولى لإيصال غرض ما إلى أحد الأقارب، وكنت في عمر صغير، ولم أتوقع أنه يمكنني القيام بالأمر، لكن عندما رأيت أبي واثقاً بي شعرت بقدرتي على فعل الكثير، وهذا ما بقي معي دوماً».بعض الأمهات يصعب عليهن كبح مخاوفهن التي قد تنعكس سلباً على الأبناء، إذا لم يدركوا طريقاً للرد عليها، كما يخبرنا يمان أبودياب، الذي لطالما حاصرته والدته بخوفها عليه، وعلى أخيه بسبب سفر والدهما، ويقول: «عندما يكون الأب غائباً تشعر الأم بأن عليها أن تحيط أبناءها بحماية مضاعفة من دون أن تتعمد هذا، لذا كانت تحاول أن تبقينا مرتبطين بها معظم الوقت، فالسفر برفقة العائلة فقط، والسهر أيضاً، لهذا قررت التمرد يوماً على هذه القوانين لأجعلها تتنبه إلى كوني أصبحت شاباً، وعليها أن تتوقف، فسافرت برفقة أصدقائي في إجازة ولم أخبرها لأنها لم تكن لتوافق أصلاً، بالطبع كنت أشعر بالذنب، إلا أنه كان علي أن أخطو هذه الخطوة التي عدلت مسار الأمور بالفعل».ولعل الرحلات المدرسية هي الخطوة الأولى في طريق الاستقلال للسفر بعيداً عن العائلة، حسب حصة محمد، مدرّسة لغة عربية، وتقول: «ما زلت أشعر بغصة كلما ذكرت أن أبي منعني من السفر مع زميلاتي في المدرسة، مع أن المكان لم يكن بعيداً، بل في إمارة أخرى، إلا أنه كان خائفاً من الطريق على ما يبدو، ولم يتقبل حينها فكرة أني مستعدة للسفر من دون حمايته ورعايته، لي و لم أتجاوز الثانية عشرة بعد، لكني شعرت بالحنق وقتها»، وتشير إلى أنها تتفهم موقف والدها عندما تضع نفسها مكانه، فخيار السماح للأبناء بالسفر من دون الأهل ليس سهلاً، وتحكمه ظروف كثيرة.تفاعل وفوائديرى د. موسى الشلال «أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإمارات»، أنه لا عجب في أن نرى شباب اليوم يحبون السفر، فقد عرفوا الدروب ومسالكها، وبالتالي لا حاجة لقيود الأسرة التي قد تقلل من تجاربهم، وفي ذلك يتحملون كل مشقات السفر، ويقول: «تروج ثقافتنا العربية المحلية للسفر بأن له فوائد قد تزيد على «العشرة»، وعليه فإن المسافر يكتسب كثيراً من المعلومات عن عالمه هذا الذي أصبح «قرية»، حيث انكمش زمانه ومكانه، وتصقله تجارب السفر هذه كثيراً في مقتبل أيامه، وأهم من ذلك تقبل الآخر وزيادة روح التسامح بين شعوب البلدان المختلفة، لذا أرى أنه لا غضاضة في ذلك إن كان السفر ممكناً من دون التأثير السلبي في موارد الأسرة، فالشباب في حاجة للتجارب الشخصية للاستفادة منها مستقبلاً. وأهمس في آذان الأسر بأن عليكم تحسن تنشئة وتربية الأبناء، وزرع القيم الفاضلة فيهم، وتحديد الصواب والخطأ منذ الصغر، والعمل على تجويد تعليمهم، ومن ثم تركهم بعد ذلك يتفاعلون مع مجتمعهم المحلي، ومن ثم المجتمع الكبير».عناصر عشق الترحاليوضح د. موسى الشلال أن شباب اليوم يتميز بأنه ابن عصره، فقد استولى عليه التقدم التكنولوجي الهائل والنقلة الحضارية الكبيرة، وساعد في ذلك:1- ارتفاع دخل الأسرة. 2 زيادة نسبة التعليم بين الآباء والأمهات. 3 الانفتاح غير المسبوق على الآخر والمجتمعات الأخرى من حولنا. 4 سهولة التنقل وسرعته وقلة تكلفته نسبياً.5 زيادة نسبة المهاجرين. وتؤكد منظمة الأمم المتحدة أن هناك نحو 244 مليون شخص، أي أن 3.3% سكان العالم يعيشون خارج بلدانهم الأصلية التي ولدوا فيها في عام 2015.6 أصبح من العادة أن تقضي الأسر في كثير من مجتمعاتنا العربية عطلاتها الصيفية بعيداً عن الديار، مصحوبة بأطفالها، وبالتالي يبدأ الأطفال عشق السفر والترحال منذ الصغر.7 هناك هجمة ثقافية شرسة على ثقافتنا المحلية يتلقاها شباب اليوم وتؤثر في معتقداته، وبالتالي في سلوكاته.

مشاركة :