الإرهاب الطائفي يتسع في مدن العراق هارون محمد إنها محنة السنة العرب في العراق، عبارة تلخص مأساة الملايين من العراقيين الذين شاءت أقدارهم أن يولدوا في بيئات سنية ومن أصول عربية، دون أن يخطر في بال أحد، أن عهدا خبيثا سيأتي، فرضه الأميركان بالاحتلال والقهر، مهمته الأساسية، تدمير السنة بشرا وأرضا، يحلل قتلهم ويهجرهم من مناطقهم، ويخرب مدنهم، ويمنع عودة نازحيهم إلى ديارهم. وأكثر من ذلك، فإن السني العربي يظل متّهما حتى لو تبرأ من سنيته وتشيع، وصار عضوا في حزب شيعي، لأن النظرة إليه تبقى دونية، ولاحظوا في شبكة اليوتيوب كيف يسخر زعيم الطائفيين الشيعة في لندن ياسر الحبيب من خالد الملا الذي غادر سنيته، وشطب حتى على اسم أبيه (عبدالوهاب) الذي يتطير منه الشيعة لأنه اسم مؤسس المدرسة الوهابية الفقهية محمد عبدالوهاب التميمي. في بغداد العباسية، وهي سنية عربية تاريخيا واجتماعيا، يعاني أهلها السنة من الاضطهاد والملاحقات، على الاسم والهوية والمنطقة والعشيرة. ويلقون الازدراء وعدم الاحترام خلال مراجعاتهم للدوائر الحكومية والوزرات وفي نقاط التفتيش والسيطرات، بما فيهم الوزراء والنواب. قبل فترة قصيرة، أوقف وزيرا لوزارتين أكثر من نصف ساعة في الشارع السالك تماما بلا ازدحام ولا أزمة سير. وعندما نزل مرافق الوزير وهو ابن أخيه من سيارته للتفاهم مع آمر النقطة الأمنية زجره الأخير وطلب منه العودة سريعا إلى مكانه، قائلا له بصوت عال “افهمنا صاحبكم وزير..!”، وأردفها بكلمة عامية منفرة يستخدمها عادة أولاد الشوارع، والوزير سمعها بـ“ترس إذنه” وسكت، والترس في اللهجة العراقية تعني بالكامل. آلاف البيوت في الأحياء البغدادية وخصوصا في جانب الرصافة، أجبر أصحابها السنة، على بيعها بنصف أثمانها، أو التخلي عنها مكرهين. وقصة ذلك الضابط الساكن في حي زيونة تدمي القلب. فقد عرضت عصائب قيس الخزعلي على صاحب المنزل ومساحته 600 متر مربع شراءه. وافق الرجل الذي لا يملك حتى راتبا تقاعديا على بيعه بالسعر الذي قدرته مكاتب العقارات بالمنطقة، وهو مليون ومئتي ألف دولار. لكن العصائب أعلنت أنه لا يساوي غير 100 مليون دينار (80 ألف دولار). وعندما اعتذر صاحبه عن بيعه بهذا المبلغ الزهيد، عمدت الميليشيا الشيعية إلى احتلال المنزل بالقوة، وعلّت سياجه الخارجي وسدت نوافذه بالطابوق، ورفعت لافتة على واجهته الأمامية تشير إلى أنه مركز خيري يتبع لها. في حين تؤكد حركة الدخول إليه والخروج منه أنه سجن سري. هذا نموذج واحد من آلاف القصص التي تقشعر الأبدان لهولها. أما في حي الجادرية فلا يصح للسني والمسيحي البقاء بعد أن تحوّل إلى مقاطعة خاصة بآل الحكيم وأقطاب الشيعة، استولوا عليه بالتهديد والترهيب. الأحزاب والكتل والمرجعيات والميليشيات الشيعية تتخوف من مرحلة ما بعد داعش وتتحسب من عودة ملايين النازحين السنة إلى مناطقهم، لذلك فإنها تستبق الأحداث وتكرس سياسة إفراغ المدن والمحافظات السنية من سكانها ولا نغالي إذا قلنا إن سكان أحياء معينة مثل الدورة والسيدية والغزالية والجامعة والشرطة والمأمون والمنصور و14 رمضان والعدل في كرخ بغداد باتوا أسرى في بيوتهم بعد تزايد مقرات ميليشيات الحشد في مناطقهم، ترصدهم وتتربص بهم. في حين تبكي الأعظمية من تقطيع أوصالها وتعمّد إهمالها. أما ما يحدث في حزام بغداد، من التاجي إلى أبوغريب والرضوانية واليوسفية والمدائن والنهروان، من جرائم السلب والاستحواذ على البيوت والمزارع والبساتين، فإن الانتهاكات فيها تحتاج إلى مجلدات لذكر تفاصيلها، وكل من يعترض فالتهمة جاهزة (داعشي) حتى إذا كان المستهدف مواطنا من جماعة (الصحوة) راح له ثلاثة أشقاء، قتلوا على أيدي مسلحي داعش. وفي الموصل تختزن الحاسبات الأمنية والحكومية، أسماء أكثـر من 300 ألف اسم بين متهم أو مشتبه به. وقد لاحظ أحد المراسلين الصحافيين أن النزوح من المناطق التي يتم تحريرها، يقتصر على النساء والأطفال وكبار السن. وعندما دقق في المسألة، اكتشف أن النازحين الذكور من عمر 16 سنة إلى 60 وأحيانا 70 فما فوق إذا كـانوا متدينـين يعزلـون ويعتقلـون في انتظار عملية التدقيق الأمني، التي تديرها 8 جهات حكـومية وأمنية، كل جهة لها سلطاتها وصلاحياتها وأنظمتها الخاصة بها. وقد امتد الإرهاب الشيعي للسنة العرب إلى خارج العراق، فكل اجتماع أو مؤتمر تشارك فيه شخصيات سنية، توصف بـ”الإرهابية” بلا نقاش، حتى لو كانت الجهة المنظمة، هيئة دولية أو منظمة إنسانية عالمية. وعندما نجحت مساع دولية وإقليمية وعربية، لعقد مؤتمر سني في بغداد، منتصف يوليو المقبل، قامت قيامة النائبات النائحات والنواب من أصحاب العضلات، للتنديد بالمؤتمر قبل انعقاده، واختلاق تهم باطلة، ألصقت سلفا بكثير من الذين سيشاركون فيـه، إضافة إلى تحريض الأجهزة الأمنية والمحاكم، على إلقاء القبض على فلان واعتقال علان، هكذا دون تهمة محددة أو قرار قضائي. وطالبت النائبتان عواطف نعمة وفردوس العوادي الحكومة باعتقال عدد من المشاركين على الشبهات، علما بأنهما ومعهما زميلهما محمد الصيهود، هم أكثر النواب الذين دعوا السنة إلى عقد مؤتمراتهم في بغداد (إذا كانوا وطنيين حقا). وعندما تحقق ما أرادوا، تراجعوا عن تصريحاتهم السابقة وتناسوا دعواتهم الماضية وبدأوا بنسج اتهامات بهدف التشويش على المؤتمر المتوقع وإرهاب المشاركين فيه. تتخوّف الأحزاب والكتل والمرجعيات والميليشيات الشيعية من مرحلة ما بعد داعش وتتحسب من عودة ملايين النازحين السنة إلى مناطقهم، لذلك فإنها تستبق الأحداث وتكرس سياسة إفراغ المدن والمحافظات السنية من سكانها الأصليين، وتستمر في حظر عودة النازحين إلى مناطقهم التي منحت إلى غرباء عنها، كما حصل في جرف الصخر في بابل والعظيم والمقـدادية في ديالى، وبيجي وجنوب سامراء في صلاح الدين، والنخيب في الأنبار، في حين تنتظر الموصل أياما سوداء مقبلة. كاتب عراقي
مشاركة :