واشنطن لموسكو وطهران: الأمر لنا في سوريا ـ

  • 6/30/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تمتلك واشنطن معلومات عن تحركات يقومُ بها النظام السوري لاستخدام أسلحة كيماوية. ويصحّ السؤال عن مصلحة نظام دمشق في استخدام أسلحة كيماوية. ويصح أيضا التذكير أن العقلية التي تتحكم بنُظم الاستبداد في العالم لا تسير دائماً وفق منطق عقلاني يقيس أموره بثنائية الربح والخسارة، بل بحرفة التشاطر والمقامرة لتمرير انجاز وتحقيق مكسب وانتهاز لحظة انشغال دولي مفترض. حين أجمعت منابر محلية لبنانية مع أخرى إقليمية ودولية باتهام النظام السوري باغتيال رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري عام 2005، اتفقت حجج دمشق على القول "أن لا مصلحة لنا باغتيال الحريري"، والدليل، حسب العاصمة السورية، ما ساقه الأمر من غضب دولي عام ضد النظام في سوريا. تناسى النظام السوري أن سجله حافل بممارسات مماثلة لم تكن تقابل بما قوبلت به جريمة اغتيال الحريري، وأنه كان سابقا يقوم بمقامرات رابحة دوما إلا أن خسرت هذه المقامرة دون غيرها. والمقامرة هي تماما ما يمكن وصفه للعملية التي قام بها حزب الله عام 2006 لاختطاف جنود إسرائيليين أدى مقتلهم إلى نشوب الحرب الشهيرة ضد لبنان. لم يكذب السيّد حسن نصرالله، أمين عام الحزب، حين أطلق جملته الشهيرة "لو كنت أعلم" في تبرير عدم تقصّد الحزب جرّ ويلات تلك الحرب على البلد. بهذا المعنى أيضا ليس بالضرورة أن حسابات الربح وفق مقياس معين أن تنتج ربحا ميمونا. حذّر الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما النظام السوري من استخدام السلاح الكيماوي واعتبر ان ذلك خطا احمر سيواجه برد مزلزل من قبل بلاده. كان ذلك كلاما واضحاً جلياً رددته عواصم غربية أخرى، وكان من المفترض أن يقود دمشق إلى استنتاج أن لا مصلحة عقلانية لها لمواجهة غضب أكبر دولة في العالم. ومع ذلك استخدمت دمشق السلاح الكيماوي ضد غوطة دمشق الشرق في 21 أغسطس عام 2013، مفترضة أن كلام واشنطن النهاري يمحوه ليل ينشغل بضجيج آخر. لم يدفع النظام السوري ثمناً كبيراً جراء جريمة الغوطة الشرقية صيف ذلك العام. توصلت واشنطن وموسكو إلى الاتفاق الشهير الذي تقوم بموجبه دمشق بتسليم كافة مخزونها من السلاح الكيماوي. فعلت دمشق ذلك. لكن واشنطن، قبل موسكو، كانت تعرف أن السلاح الكيماوي ما زال متوفرا لدى هذا النظام، وأن الأمر لا يعدو كونه جلبة تنقذ ماء وجه الجميع، واشنطن وموسكو ودمشق. وطالما أن ما هو محرّم وخطّ أحمر يُقابل بالتسويات، حتى لو أخذت شكل الغضب وفرض الاملاءات، فإن استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي في 30 مارس الماضي في خان شيخون لم يكن مقامرة كبرى طالما أن سوابق الردّ الأميركي في عهد أوباما معروفة، فيما سيتولى الحليف الروسي اجتراح أي تسوية تخلّص دمشق من أي مأزق دولي محتمل في هذا الصدد. وواضح أن شكل الردّ الأميركي الذي قامت به إدارة الرئيس دونالد ترامب، والذي قُدِم بصفته تطورا دراماتيكيا خطيرا، أعطى للنظام السوري أيضاً إشارات مطمئنة تفوق بأضعاف حرارة النيران التي سببها سقوط 59 صاروخا على مطار الشعيرات الشهير في 7 أبريل الماضي. تبلّغت دمشق عن طريق موسكو بزمان ومكان الرد الأميركي الذي قذف بالتوماهوك إلى ذلك المطار العسكري بالقرب من مدينة حمص. لم تشكل تلك الضربة إلا ضررا إعلاميا معنويا لا يهدد قوة النظام ولا يقوّض خططه وخطوطه الميدانية. فهمت دمشق أن لا نية لواشنطن بضرب النظام وأن عسكريي البنتاغون قبل دبلوماسيي البيت الابيض ووزارة الخارجية ما برحوا يرددون أن لا استراتيجية أميركية لإزاحة النظام السوري، وأن الأولوية الأميركية في سوريا هي القضاء على تنظيم داعش في سوريا والعراق. وفق هذه المعطيات الحقيقية والواقعية، لا شيء يمنع النظام السوري من وضع الاحتمال الكيماوي ضمن خططه العسكرية. لا بل أن غياب أي دعم غربي، أميركي خصوصا، للمعارضة السورية، واستسلام المنظومة الدولية للمقاربة الملتبسة في آستانا وتلك الباهتة في جنيف، يوفر انطباعا لدى نظام دمشق أن لا مانع دولي كبيرا من إبادة تلك المعارضة والاستكانة إلى تفاهمات تُنسج بين العواصم من وراء ظهر سوريا والسوريين. لكن، وبغضّ النظر عن وجاهة المعلومات الأميركية الجديدة من عدمها، وبغضّ النظر عن دقّة الاتهامات التي كالها البيت الابيض والبنتاغون ضد دمشق في صدد نواياها الكيماوية، فإن الحدث بحدّ ذاته يكشف جوانب جديدة من الاستراتيجية الأميركية التي توصف بأنها غائبة حتى من قبل الصحافة في الولايات المتحدة. يعبر التحذير الأميركي ضد دمشق عن تغير بنيوي في مقاربة واشنطن للمسألة السورية، ليس فقط بالجانب التقليدي المتعلق بمكافحة تنظيم داعش، بل بذلك المتعلق بالصراع السوري-السوري المنفجر منذ عام 2011. تؤكد واشنطن من خلال هذا التحذير أن قصف مطار الشعيرات بصواريخ توماهوك لم يكن عملاً استثنائيا عابراً ليس له ما بعده، بل هو تدبير من صلب موقف سياسي دائم بات جزءا أصيلا من سياسة الولايات المتحدة في المنطقة. وتؤكد واشنطن من خلال تعابير النص الذي استخدمه الناطق باسم البيت الابيض أن الردّ المقبل سيكون موجعا لا يشبه ذلك الذي استهدف بدقة عسكرية ودبلوماسية مطارا بعيدا عن قلب القرار السياسي في دمشق، وأن نظام الأسد سيدفع "ثمنا فادحا" هو وجيشه إذا شن هجوما بالأسلحة الكيماوية. وتؤكد واشنطن أنها باتت شريكا أصيلا في الصراع السوري بعد أن أوكلت شؤونه بشكل كامل لروسيا منذ سبتمبر 2015، وأن تلك الوكالة الحصرية التي تمتعت بها موسكو في ميدان العسكر والسياسة والتي عملت العواصم الدولية والاقليمية جميعها على رفدها ومواكبتها، انتهت صلاحياتها وبات واجبا أخذ ذلك بعين الاعتبار. ولمن لم يفهم حقيقة الرسالة الصادرة عن البيت الابيض، فإن رسالة أخرى صدرت عن مبعوثة الولايات المتحدة إلى مجلس الأمن السفيرة نيكي هيلي التي اعتبرت في تغريدة لها عقب تحذيرات البيت الأبيض أن "أي هجوم جديد يستهدف المدنيين السوريين سيتحمل مسؤوليته الأسد، وكذلك روسيا وايران اللتان ساعدتاه على قتل شعبه". وبالتالي فإن التحذير الأميركي يضرب على الطاولة السورية ليحدد تماما من هو صاحب القول الفصل في شأن هذا البلد كما في شؤون مستقبله. في مارس الماضي صدر عن السيناتور الأميركي الجمهوري الشهير جون ماكين، وهو رئيس لجنة الدفاع في مجلس الشيوخ الأميركي أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب "ينبغي أن يلتقي نظيره الروسي فلاديمير بوتين فقط بعد أن يزداد الجيش الأميركي قوة". بدا في الأسابيع الأخيرة أن واشنطن تفرض تموضعها العسكري المباشر في شمال سوريا كما في جنوبه وتقطع الطريق أمام أي تواصل استراتيجي بري بين طهران والبحر المتوسط من خلال التحكم بحدود ومعابر العراق وأنها تمسك بزمام المبادرة في سوريا كما في العراق، وبأن مداولات الشأن السوري التي قابلتها واشنطن سابقا باهتمام شبه كامل، ستصبح في عرف الأمن الاستراتيجي الأميركي حجر زاوية في إطلالة واشنطن الجديدة على العالم. وفي حواشي التحذير الأميركي الجديد معان أخرى حين تفرج وسائل الاعلام الأميركية عن نقاش بين جنرالات واشنطن يجادلون في ما إذا كان الرد الاميركي، وفق تهديدات البيت الابيض، سيجري إذا ما نفذ نظام دمشق هجمات كيماوية أم إذا ما تأكد لأجهزة المخابرات الأميركية أن دمشق قررت فعلا تنفيذ هذه الهجمات. في سطور ذلك الجدل لبسٌ آخر مقلق لدمشق وموسكو وطهران حول توقيت ردّ أميركي بات مفتوحاً.   محمد قواص صحافي وكاتب سياسي

مشاركة :