30 يونيو: ذكرى انكشاف الإخوان والحفاظ على هوية الدولةفي الـ24 من يونيو 2012 اعتقد الإخوان أنهم وصلوا إلى الهدف وسينطلقون من مسقط رأس الجماعة ومركز ثقلها لرفع شعار “الإسلام هو الحل” والتمدد به في المنطقة. لكن لم يحتج الإخوان أكثر من سنة واحدة في الحكم حتى يتبين فشل مشروعهم. في الـ30 من يونيو 2013 يتحطم الهيكل الذي عمل الإخوان على بنائه لأكثر من ثمانية عقود. قبل أربع سنوات كانت التحركات الشعبية المصرية بمثابة الخطوة الأولى التي تسببت في انفراط عقد تنظيمات الإسلام السياسي وتهاوي نفوذها في عدد من البلدان العربية وتصنيفها ضمن التنظيمات الإرهابية، بعد أن فشل الإسلامويون في استيعاب طبيعة اللحظة التي انتقلوا فيها إلى الحكم.العرب هشام النجار/ أحمد جمال [نُشر في 2017/06/30، العدد: 10677، ص(7)]فشل في البقاء في الواجهة القاهرة - لو لم تتحرك مصر الدولة في الـ30 من يونيو 2013 لصار لجماعة الإخوان امتياز حضور مبنيّ على وهم باطل بأنها تتصدى للإرهاب التكفيري والمنظمات المسلحة وأنها البديل المخلّص من الدكتاتورية العلمانية والاضطهاد وسط عجز القوى العربية. في ذلك اليوم رفضت غالبية الشعوب العربية ممارسات الاستبداد باسم الدين، وتطلبت أزمات المرحلة حضور الدولة كما استدعت وجود القيادة التي تستطيع تعبئة الجماهير وحشد الطاقات وطرح الحلول واتخاذ القرارات الحاسمة. حرق الأوراق تسبب الانهيار المفاجئ لتنظيم الإخوان في مصر في حالة من فقدان الاتزان لدى التنظيم الدولي للجماعة، وانعكست آثاره على القوى الرئيسية المتحالفة معه بعد أن قطعت التحركات المصرية خط الرجعة أمام عودة التنظيم إلى الحكم مرة أخرى، وهو ما دفع بالجماعة لحرق جميع أوراقها أملا في تحقيق تقدم سياسي يمكّنها من الاستمرار في مخططاتها. كانت البداية باستعانة الإخوان بقوى خارجية تحالفت معها في الخفاء لتحقيق مصالحها داخل المنطقة، وراحت تلك القوى تمارس أقوى أساليب الضغط على نظام الحكم المصري فيما بعد ثورة الـ30 من يونيو، خاصة من جانب إدارة أوباما في واشنطن والتي علّقت تعاونها العسكري مع القاهرة. وأقدمت تركيا وقطر على ممارسات تحريضية مباشرة نحو كل ما هو معارض للجماعة داخل مصر، أما بالنسبة إلى إيران كان موقفها من مصر متذبذبا لكنّ القطيعة السياسية الرسمية قائمة حتى الآن. بعد أن فشلت الضغوط في تغيير المعادلة السياسية داخل مصر وجدت الجماعة والتيارات التي تحمل أفكارا أيديولوجية قريبة منها أن الحل الوحيد يكمن في انتهاج العنف، اعتقادا بأن ذلك من شأنه أن يحقق أمرين؛ الأول محاولة العودة مرة أخرى وفتح الباب أمام استعادة الحكم، والثاني التأكيد على تواجدها وعدم استسلامها للأمر الواقع.القوى الإقليمية تجرأت على الدخول في مساحات جديدة لتغيير معادلات مشكلاتها مع الأطراف العربية بالقوة ذهب البعض للتأكيد على أن تهاوي شعبية الإخوان في مصر وداخل البلدان العربية الأخرى رفع الغطاء عن محاولات إخفاء تصرفاتها السياسية، وهو ما ترتب عنه انكشاف عدد من التحالفات التي كانت تؤكد الجماعة علنا على معارضتها لها. وكشف السقوط عن العديد من التحالفات التي دشنتها تلك التيارات المتشددة لإعادة ترتيب أوراق الشرق الأوسط، بما يخدم مصالح دول بعينها كانت تبحث عن نفوذ قويّ لها داخل المنطقة، وبدا واضحا للجميع كيف أنها كانت أداة لتنفيذ مخططات كبيرة لتفتيت الدول العربية. كما كشفت السنوات الأربع الماضية اتساع حجم التنسيق بين جماعة الإخوان وبين التنظيمات الإرهابية التي تعتبر جزءا منها. وكان فشل تلك التنظيمات في اتخاذ شبة جزيرة سيناء ولاية إسلامية لها كاشفا عن حجم التنسيق بين الجانبين وأجهزة استخبارات خارجية، وهو ما أظهره دفع الجماعة لتشكيل خلايا إرهابية مثل “حسم” و”لواء الثورة” للقيام بأعمال إرهابية داخل الأراضي المصرية لتخفيف الضغط على التنظيمات الإرهابية على الحدود الشرقية. ووضح ذلك من خلال التنسيق الإخواني مع حركة حماس لتغذية التنظيمات الإرهابية هناك بالمال والسلاح، وهو أمر تنبهت له القوات المسلحة المصرية التي أغلقت الباب أمام عمليات التهريب من خلال هدم الأنفاق مع قطاع غزة، وتطويع الحركة سياسيا للتعاون أمنيا بعيدا عن الجماعة. بعد التضييق تحول الاهتمام الإخواني إلى الحدود المصرية الغربية. وكثّفت الجماعة جهودها للتعاون مع التنظيمات الإرهابية التي تتخذ من شرق ليبيا أماكن للتدريب العسكري لتكون بمثابة بؤرة توتّر أخرى يمكن من خلالها النفاذ إلى داخل الأراضي المصرية. تحرك عربي جديد سعت إيران عبر ركوب ثورة الـ25 من يناير 2011 في مصر والتقرب من حكم جماعة الإخوان بعد ذلك، وتاليا بالتحالف مع قطر والاصطياد في ماء أزمتها الأخيرة، إلى كسر الحصار العربي السني المفروض عليها وشق الصف العربي وتعزيز تدخّلاتها وتحويل حضورها في العمق العربي إلى أمر واقع لا يُراجَع. وقد أدركت الشعوب العربية أن أنظمة حكم الإسلام السياسي تقوم على التعبئة الأيديولوجية والنظرة الشمولية والنفور من التعددية والرغبة في التسلط على كل الناس وكل المجالات وكل وسائل التعبير. وعرفت أن الدولة الدينية كفيلة بخلق فتن وصراعات وانقسامات لا أول لها ولا آخر، وأن الرهان على قطر وتركيا وإيران -عبر شبكة علاقاتهما المعقدة مع الإسلام السياسي السني والشيعي- هدفه تشكيل مذهبية سياسية دينية مناهضة للحداثة من خلال مشاريع معادية للدولة الوطنية وساعية إلى تقويض النظام العربي التقليدي وإحداث تخريب مقصود ومنظم عبر دعم منظمات متطرفة جاهلة بالأبعاد الاستراتيجية وترتبط بقوى إقليمية تمسك بخيوط اللعبة كلها وتعرف حدود وظائفها.جماعة أرادت نشر الفوضى وردا على ذلك كان محتما بلورة مشروع عربي يوقف التدهور في أوضاع المنطقة وينهي الفراغ ويواجه التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية العربية. وكانت البداية الحقيقية بتقويض حكم الإخوان الخادم لمصالح قطر وتركيا والمفيد للتمدد الإيراني في الـ30 من يونيو 2013. كان أفضل السيناريوهات مبادرة العرب بأنفسهم -جيوشا وشعوبا- لتحجيم تركيا وقطر وإيران، ولو لم يحدث هذا لواصل الجميع إقليميا ودوليا التعامل مع العرب من منطلق كونهم كيانات مرسومة على الخارطة من دون أيّ ثقل استراتيجي أو تأثير في مجريات الأحداث أو حتى حق إبداء الرأي في مستقبلهم. تنطوي المعالجات والوقائع العربية، خاصة على المستوى الخليجي المصري، والسعودي المصري، بدءا من ثورة الـ30 من يونيو 2013 في مصر، مرورا بعاصفة الحزم عام 2015، وانتهاء بقرار مقاطعة قطر ثم اصطفاف إيران وتركيا وقطر في مواجهة التحرك العربي ضد الإرهاب، على ملامح مرحلة جديدة تحمل التصميم على قيادة النظام الإقليمي العربي في مواجهة التحديات التي استهدفت اختراقه وتفتيته من داخله. وما استدعى هذا الدور العربي الجديد هو تلك الأوضاع التي مهّد لها ما عُرف بثورات الربيع العربي وما أدت إليه من أوضاع سائلة لا يزال العالم العربي يعاني منها، خاصة تلك الأزمات المتراكمة في ملفات فائقة الأهمية في العراق وسوريا واليمن وليبيا ومصر، وجميعها تطلبت هذا الدور الحيوي العربي في معالجتها وسط تدخلات دولية وإقليمية متزايدة. تجرأت القوى الإقليمية مثل إيران وتركيا على الدخول في مساحات جديدة لتغيير معادلات ومعطيات مشكلاتها مع الأطراف العربية بالقوة وبترسيخ وتعميق الحالة الميليشياوية الطائفية والمؤدلجة، تزامنا مع انسحاب القوى الكبرى من المعادلات الأساسية للملفات الإقليمية. خطورة الإسلام السياسي ما ساعد هذه القوى على ذلك إرهاب الإسلام السياسي السُني الذي أضعف موقف الدول العربية السنية أمام إيران التي تزعم أنها الأجدر بمحاربته، وهو ما ألجأ البعض إلى غض الطرف مرحليا عن ممارسات تركيا وقطر الكارثية في العمق العربي. إضافة إلى هذا فإن تولية تيار الإسلام السياسي مقاليد الحكم فضحت مستويات كفاءة عناصره في الإدارة والسياسة والاقتصاد، ليس فقط لغياب الخبرات والكوادر المدربة المحترفة وإنما لمعاداة الدولة الوطنية ولشيوع تصور مختلف تماما لمنهج الدولة المؤسسية. وقال نبيل نعيم القيادي الجهادي المصري السابق لـ”العرب” إن سقوط الإخوان في مصر أظهر بدائل تعامل تيارات الإسلام السياسي مع الحكومات العربية إلى العلن، وأن تلك البدائل كانت تتمثل في إعادة التوحّد فيما بينها، بعد أن حاولت الإيحاء بأن هناك اختلافات سياسية وأيديولوجية عميقة بينها، وكذلك لعبها على أوتار محاولات الوقيعة بين البلدان العربية وبعضها البعض. وأوضح أن تلك المحاولات جاءت في إطار سعي تيار الإسلام السياسي الدائم لأن يكون على رأس منفّذي مخططات تقسيم المنطقة بما يضمن له تحقيق أهداف سياسية تمكنه من استمرار تواجده السياسي، بالإضافة إلى أن حالة السيولة الأمنية وانتشار الفوضى تمثل جوهر مستقبل المنطقة الذي تم تحديده من قبل قوى إقليمية ترغب في مزيد من التدخل السياسي والعسكري. أوجد هذا التصعيد بحمولاته الأيديولوجية والطائفية تهديدات مضاعفة للكيان العربي إلى جانب التهديد الإسرائيلي، فما وُعدت به كل من تركيا وإيران جعلاهما الأكثر حماسة وإسهاما في إنهاك الشرق بالحروب المذهبية وما تطلبته من استبدال الولاءات العربية بولاءات مذهبية وأيديولوجية، علاوة على استنزاف الدول والجيوش والمؤسسات عبر صراعات ممتدة مع منظمات وميليشيات الإرهاب العابرة للحدود.الضرورة تحتم الآن بلورة مشروع عربي موحد لوقف التدهور وإنهاء الفراغ ومواجهة تدخلات الخارج وما أدت إلية فوضى الربيع العربي أصولية سنية شيعية هكذا كانت الأهداف تكاد تكون واحدة والأداة مشتركة بين إسلام سياسي سني يسهم في استتباع المجال العربي السني للسلطنة العثمانية وفق استحداثات الواقع التركي الأردوغاني، وإسلام سياسي شيعي نجح إلى حد بعيد في نقل ولاءات قطاعات واسعة من المجال العربي في العراق وسوريا ولبنان لسلطة الوليّ الفقيه في إيران. قليلون قرأوا ما وراء الأحداث الكبرى، وتبقّى القراءة المخفية الأخطر على الإطلاق هي تلك المتعلّقة بتقويض ما تبقّى من روح المقاومة العربية عبر سحب القيادة من القوى العربية التقليدية مقابل تصعيد قوى جديدة مثّلت رأس الحربة الأميركية والإسرائيلية لمشروع أسلمة الشرق الأوسط. الحملة الأصولية السنية الشيعية التي صبغت مرحلة إدارة باراك أوباما الأميركية، والتي أطلقت أذرع قطر وإيران وتركيا على المنطقة العربية، برهنت على أولوية الارتباطات الإقليمية للقوى الدينية بالداخل العربي على الاهتمامات الوطنية، وتمت ترجمة ذلك في سياق بعث جهادي تشاركي متنقل بين ليبيا ومصر والعراق وسوريا. لقد صار الحدث الضخم الذي اختصر عمر العرب لعشر سنوات أكثر وضوحا وانكشافا الآن، وهو أن هناك قوى استثمرت بكل ما تملك في كل ما من شأنه استثارة الغرائز الدينية والمذهبية. واعتقد رعاة الإرهاب الإقليميون -وجميعهم ركبوا ثورات الربيع العربي ونسبوها لمجهوداتهم وأفضالهم- أن الانهيار العربي بمختلف مستوياته هو الرافعة التي ستمكنهم من قيادة العالم العربي والإسلامي. مسّت تلك التطورات المتسارعة دائرة الأمن القومي السعودي والخليجي والعربي والمصري، فإيران التي تماهى معها حكم جماعة الإخوان بمصر أملا في إضعاف المنظومة العربية التقليدية، مُنحت أدورا غير مستحقة وغير منطقية في الحرب ضد الإرهاب. وأوجد طموح تركيا في الاتجاهين الأوروبي والشرقي، وأحلام قطر الجنونية، وتشبث الإسلام السياسي في الدول العربية ورهانه الكامل على كليهما، الدول العربية داخل عجز مضاعف أمام مشاريع إيران من جهة وممارسات الإرهاب السني المدعوم قطريا وتركيا. وبعد أربع سنوات على ثورة الـ30 من يونيو في مصر بات على العرب كشف هذا المخطط الثلاثي المتمثل في وجود إسلام سياسي معتدل، وفي كون إيران قادرة على تحجيم الإرهاب، وكون جماعة الإخوان مؤهلة لقيادة حكم ديمقراطي قائم على المواطنة. وها قد ثبت أن هذه الثلاثية هي مجرد أطروحات خيالية لا وجود لها سوى في مخيلة مخادعين يتوسّلون لمصالحهم بصناعة الوهم، كما أن عليهم إدراك أن المقاصد الأبعد والأهم هي السيطرة على منابع النفط والطاقة التي يمتلكونها. واليوم ثبت لهؤلاء الذين تحدثوا عن التقويض السريع للنظم العربية قبل سنة من الربيع العربي عبث ما يتم الترويج له عن قتال التطرف السني مع التطرف الشيعي، وعبث تحجيم القاعدة وداعش بالإخوان، فجميعهم مستفيدون من بعضهم البعض ولا حياة لأحدهم دون الآخر. كذلك تأكّد للمجتمع الدولي أن إخراج ما في داخل المجتمعات العربية من مظاهر التمرد والجموح عبر تشجيع ودعم تلك الكيانات الإرهابية لم يُصب دول المنطقة في سلامها وأمنها واستقرارها فقط، وإنما طال تأثيره العالم بأسره وارتدّت نيرانه لتشتعل في ثوب صانعيه وداعميه ومموّليه. للمزيد: ثقافة الإخوان القطبيين: سير في مدار الكراهية وخطاب التحريض
مشاركة :