خفض الغازات الدفيئة مسؤولية الجميع أشار خبراء في مجال البيئة أنّ العالم أمامه ثلاث سنوات للبدء بشكل جدي في خفض انبعاثات غازات الدفيئة وإلا فإنه سيواجه خطر احتباس حراري عالمي مدمر. ودعا الخبراء قادة العالم إلى مواجهة الأخطار البيئية بشكل علمي وبأدلة علمية بدل “إخفاء رؤوسهم في الرمال“، مؤكدين أنّ الأنظمة البيئية بأكملها بدأت في الانهيار، في إشارة إلى ذوبان الجليد في القطب المتجمد الشمالي وتآكل الشعاب المرجانية جراء من الحرارة. وتحدث الخبراء عن اصدار تسجيل هو الأكثر شمولية في العالم، لقراءات غازات الاحتباس الحراري، كدليل على مشاركة البشر في تغير المناخ. ويضم التسجيل قاعدة بيانات عالمية توضح 43 من الغازات التي تساهم في ارتفاع درجات الحرارة العالمية على مدار ألفين عام، من خلال الجمع بين تدابير غازات الاحتباس الحراري، من عشرات المختبرات ومحطات الارصاد الجوية في جميع أنحاء العالم. واستنادا إلى تقرير نشر مؤخرا أكد الخبراء أنه إذا استمرت الانبعاثات في الارتفاع بعد عام 2020، أو حتى في حال بقائها في نفس المستوى، ستصبح أهداف درجة الحرارة المحددة في مؤتمر باريس للمناخ غير قابلة للتحقيق تقريبا. المزيد من الجهود تنتظر الوطن العربي مشكلة التغير المناخي مشكلة شاملة ولا تقتصر على منطقة دون أخرى وتعتبر المنطقة العربية وشمال أفريقيا من بين المناطق الأكثر تضررا من مشكلة التغير المناخي، التي تهدد العالم نتيجة التطور الصناعي وما يصاحبه من تلوث بيئي. فالتغير المناخي يمثل اختلال الظروف المناخية المعتادة كالحرارة وأنماط الرياح والأمطار التي تميز كل منطقة. وبالتالي فوتيرة وحجم التغيرات المناخية الشاملة قد تؤدي إلى تأثيرات هائلة على الأنظمة الحيوية الطبيعية على المدى الطويل. التغير المناخي أصبح من بين أهم الظواهر التي يواجهها كوكب الأرض، وحسب الخبراء في المجال البيئي فإن حوالى 12 في المائة فقط من هذه التغيرات مصدرها الطبيعة ذاتها فيما يتحمل الإنسان مسؤولية 88 في المائة من الأسباب التي أدت إلى حدوثها وتفاقمها. الوطن العربي ليس بمنأى عن التأثيرات السلبية والخطيرة لظاهرة الاحتباس الحراري التي تندرج في قلب المشكلة المناخية الكبرى التي تهدد العالم وهي التصحر وندرة المياه. فما هي التأثيرات الناتجة عن التغيرات المناخية في المنطقة العربية وهل هناك من طرق للحد من تأثيراتها السلبية على البيئة من جهة وعلى الإنسان من جهة أخرى؟ ارتفاع درجات الحرارة تشهد المنطقة العربية ارتفاعا شديدا في درجات الحرارة على امتداد السنوات الأخيرة ما يساهم بشكل كبير في انتشار ظاهرة الجفاف والتصحر التي تعاني منها معظم الدول العربية تقريبا. ومع تزايد عدد السكان الذين يعيشون في المناطق الحضرية في الدول العربية، والتي تجاوزت 90 في المائة تزداد الطلبات على الطاقة لتوفير التهوية في الصيف والتدفئة خلال الشتاء. ويؤدي ارتفاع الطلب على الطاقة إلى ارتفاع انبعاث الغازات السامة في الجو. وأشار الخبراء إلى أنّ منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ستشهد ارتفاعا في معدلات درجات الحرارة ونقصا في الأمطار وانتشارا كبيرا لظاهرة الجفاف. وستكون لهذه التغيرات المناخية نتائج سلبية على الأمن الغذائي لسكان الدول العربية وخصوصا المياه التي باتت شبه منعدمة في عدة مناطق خاصة الجافة منها، وهو ما سيساهم تراجع المحاصيل الزراعية بنسبة عشرة في المائة كل عشر سنوات في ظل انعدام تساقط الأمطار. وبالتالي سيؤثر هذا على جودة المواد الغذائية التي ستشهد تراجعا حادا قد يؤثر على صحة الإنسان، بالإضافة إلى الأمراض المنقولة عن طريق المياه أو المياه الملوثة. كما يهدد ارتفاع درجات الحرارة خصوصا خلال الشتاء بانتشار أمراض الحمى وحمى الضنك والتهاب السحايا والملاريا والبكتريا العضوية، وهي أمراض تنتشر بكثرة في المملكة العربية السعودية واليمن والمغرب وقطاع غزة وجيبوتي. الحروب والنزاعات من أجل البقاء وقد تؤدي ظاهرة التغير المناخي إلى تفاقم النزاعات وتهجير ملايين الأشخاص في المنطقة العربية، بالإضافة إلى إلحاق أضرار هائلة باقتصاديات هذه الدول. وتشير الأرقام إلى أنّه من بين كل أربعة نزاعات في البلدان المعرضة للنزاعات تحدث “كوارث مناخية“، ما يعني ضرورة إدراج الحروب ضمن القائمة المعتادة للمشكلات الناجمة عن الاحتباس الحراري، مثل ارتفاع منسوب مياه البحر وتلف المحاصيل ونقص المياه والفيضانات. وقد حذّر علماء البيئة من أنه في حال ارتفاع درجات الحرارة إلى حدٍّ كبير خلال القرن القادم، يمكن أن تصبح مناطق كبيرة من الكوكب غير مأهولة بالسكان، بما يؤدي إلى هجرة الملايين من الأشخاص إلى أماكن أخرى وزيادة مخاطر اندلاع النزاعات إلى حد كبير. ارتفاع منسوب مياه البحار وتشهد انبعاثات الغازات الدفيئة ارتفاعا وبوتيرة متسارعة، ما يدعو إلى اتخاذ إجراءات عاجلة للحد من الزيادة في متوسط درجة الحرارة العالمية لدرجتين مئويتين. ارتفاع درجات الحرارة بهذه الوتيرة مستقبلا قد يتسبب في ذوبان الجليد في المنطقة القطبية الشمالية ما سيؤدي بدوره إلى ارتفاع منسوب مياه البحار في بعض المناطق كمنطقة البحر الأبيض المتوسط، وهو ما قد يؤدي إلى غرق المناطق الساحلية لمعظم الدول العربية من المغرب غربا إلى البحرين شرقا والتي قد تغمرها المياه كليا في حال تواصل ارتفاع درجات الحرارة. مشكلة التصحر تهديد للمنطقة العربية تعد ظاهرة التصحر، واحدة من أكبر المشكلات البيئية التي تهدد المنطقة العربية، والتصحر هو إحدى المشكلات البيئية الخطيرة التي تواجه الدول العربية حاليا وهي تنمو بشكل متسارع حيث تبلغ نسبة الأراضي المعرضة للتصحر حوالى 40 في المائة من مساحة اليابسة. وأغلب المناطق المعرضة للتصحر تقع في الوطن العربي وقد باتت واقعة تحت تأثير التصحر. فأراضي دول كالجزائر المغرب، موريتانيا، تونس، ليبيا، ومصر تعاني من مشاكل على نحو متزايد، أما في دول الخليج والشرق الأوسط فظاهرة التصحر اكتسحت مساحات شاسعة من الأراضي الصالحة للزراعة ما يمثل تهديدا للأمن القومي الغذائي والمائي لهذه الدول. الرياح والأعاصير ويرى خبراء مناخ أن آثار التغير المناخي بدأت تظهر في المنطقة العربية، متمثلة في موجة السيول والفيضانات التي ضربت مصر ولبنان والعراق وموريتانيا والسعودية والكويت، بالإضافة إلى إعصار تشابالا الذي ضرب جنوب اليمن وسلطنة عمان. التغيرات المناخية متعددة الظواهر، فتزايد الفيضانات في مناطق لم تعهد هذه الأمطار وذوبان الجليد في كثير من مناطق العالم والتصحر الشديد للعديد من المناطق، وتزايد العواصف الرملية والأعاصير الجوية وسقوط الثلوج بكثافة وارتفاع درجات الحرارة كلها تنبئ بأن دول العالم العربي يتجه نحو تغير كبير في الطقس. وأوضح الخبراء أن قضايا الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية والكوارث الطبيعية المترافقة معها من أعاصير جوية وعواصف رملية وطقس متغير، أصبحت هاجساً يشغل معظم دول العالم. هل من حلول لمواجهة التغير المناخي؟ تدعو الأمم المتحدة والمنظمات البيئية العالمية إلى الحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري، وهو المصدر الرئيس للغازات الدفيئة، وتقليص الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي لتوليد الطاقة. فطالما أنّ الطبيعة تقدم مجموعة من الخيارات البديلة من أجل توفير مصادر للطاقة المتجددة كالشمس والهواء والأمواج والكتلة الحيوية. وترى المنظمات الدولية وتلك المهتمة بالبيئة أن تطبيق هذه الحلول لا يسبب أي تنازل من طرف المواطنين عن أنماط حياتهم، بل سيتيح لهم الدخول إلى عهد جديد يسمح لهم بالمحافظة على البيئة وتجنب مستقبل كارثي للبشرية.
مشاركة :