«الفافيلاس» بركان فقر وتعسف وبؤرة تجار مخدرات في البرازيل

  • 6/18/2014
  • 00:00
  • 35
  • 0
  • 0
news-picture

النسخة: الورقية - دولي الفافيلاس، أي الأحياء الفقيرة العشوائية أو بيوت الصفيح البرازيلية مأوى لـ 1.7 مليون برازيلي يحول ضيق ذات اليد دون قدرتهم على شراء أو استئجار منزل في سوق العقارات الرسمية. وعلى رغم شظف العيش في هذه الأحياء، كان موقعها في العاصمة البرازيلية جسر الوافدين الجدد وأولادهم إلى فرص عمل وتعليم وطبابة أفضل. وفي نهاية الديكتاتورية العسكرية، برزت آمال بأن تساهم الديموقراطية والتصويت المباشر في تحسين أحوال العيش في التجمعات السكنية العشوائية هذه، لكن «الحرب على المخدرات» في كولومبيا غيّرت وجهة طريق تجارة الكوكايين، وصبت بعض طرقه الفرعية في ريو دي جانيرو، وانتخب تجار المخدرات الفافيلاس ملاذاً آمناً ليبقوا في منأى من قبضة رجال القانون في الهضاب العالية والطرقات الضيقة والمتعرجة، بعيداً من سلطة الدولة. ومن فافيلاس إلى آخر، انتشرت عصابات المخدرات التي طردت المسؤولين المنتخبين وعيّنت وكلاءها. وساهمت أرباح تجارة المخدرات والسلاح في تحول الفافيلاس إلى مسرح اشتباكات عنيفة بين العصابات، تقطعها غارات رجال الشرطة الذين رفعوا لواء «اقتل أولاً ثم تحرَّ (عن القتيل) في وقت لاحق». وأمسكت ميليشيات مؤتلفة من رجال شرطة خارج دوامهم ومسلحين، بمقاليد عدد من الفافيلاس، وفرضت إتاوات وجَبَت «مدفوعات الحماية»، من دون حسيب أو رقيب على قتل كل من يخرج على طاعتها. وتعاظمت معدلات العنف في العشوائيات التي نخرتها الميليشيات وتجارة المخدرات، وتنامى فيها نفوذ أمراء الحرب الذين صار في إمكانهم إغلاق أسواق تجارية في ريو طوال أيام وتهديد من يفتح أبواب متجره، وأطلقوا النار على مبنى البلدية. ومع فوز البرازيل باستضافة كأس العالم والألعاب الاولمبية الصيفية، دقت السلطات ناقوس الخطر وأطلقت مشروع «باسيفيينغ بوليس يونيتس» (وحدات الشرطة المولجة إرساء السلام) في تشرين الثاني (نوفمبر) 2008. ورمى المشروع إلى بسط سلطة الدولة في الأقاليم التي صادرها تجار المخدرات، وحظر حمل السلاح في العشوائيات. لكن أهالي الفافيلاس لم يرحبوا بعملية «إرساء السلام»، ولم ينظروا إلى الشرطة العسكرية كقوة تحرير، بل اعتبروها قوة احتلال، فهي شنّت عمليتها الأولى من غير تنسيق مع السكان، فسقط عدد كبير من الأبرياء برصاصها، وبعدها صارت القوات تُعلم السكان بموعد الهجوم فينسحب أمراء المخدرات ويتفادون الاشتباك المسلح مع الشرطة. ودخلت القوات أحياء الفافيلاس، وسيَّرت دوريات، لكن السكان لم ينسوا عنفها، إضافة إلى رفض رجال القوات هذه تسديد ثمن ما يستهلكونه من غذاء ومياه للمتاجر، فبدا كما لو أن الأهالي يضعون ثقتهم في تجار المخدرات أكثر مما يولون القوات العسكرية الثقة، ما أدى إلى تأجيل الجانب الإنساني- الاجتماعي من مشروع «عملية إرساء السلام...» إلى ما بعد مرحلة إرساء الأمن والاستقرار. وكان الجانب المؤجل يقضي بفتح أبواب مختبرات كمبيوتر، وتنظيم عمليات تدريب مهنية، وتحسين المدارس وعيادات العائلة، وإنشاء مرافق ترفيه ورياضة، وغيرها من الخدمات التي تستميل الناس إلى الدولة وتساهم في طمأنتهم ودمجهم في مجتمع ريو دي جانيرو الأوسع، ولكن -مع الأسف- أهمل الجانب الإنساني الاجتماعي، ولم يبصر النور. تمدد مشروع «إرساء السلام»، وكلفته السنوية بلغت نحو 360 مليون دولار، وانتشر في 38 فافيلاس 37 منها في جوار ملاعب مباريات كأس العالم والأولمبياد، فمواقع انتشار القوات العسكرية استراتيجية. وبدا أن توسيع انتشارها فاق قدرة إدارتها على تجنيد رجال شرطة وتدريبهم على «إرساء السلام»، فتعاظم سوء استخدام السلطة: ترهيب الأهالي، وضربهم، وإخفاء عدد منهم، وقضى أخيراً عامل بناء في المعتقل تحت التعذيب، وتبيَّن أن القبض عليه نجم عن تشابه في الأسماء مع مشتبه فيه آخر، كما سُحلت جريحة صودف مرورها في مكان الاشتباك إثر حشرها في شاحنة الشرطة ووقوعها منها، وتزايد عدد الحوادث المماثلة في العام المنصرم، تحديداً في الأشهر الثلاثة الماضية مع قرب موعد «كأس العالم»، فعادت عصابات المخدرات إلى الظهور، وتحدت القوات المسلحة، وبلغ تدهور الأوضاع مبلغاً حمل السلطات على استدعاء الجيش من أجل إرساء الاستقرار. مشروع «إرساء السلام...» ضيّع فرص استمالة السكان، ففي السنوات الأولى على بدء العمل به، ترددتُّ إلى الأحياء العشوائية، وأسرّ إليَّ الأهالي بارتيابهم من القوات المسلحة. لكن شعورهم ترافق مع تنفس الصعداء بسبب إمكان التنقل من غير قيود، واطمئنانهم إلى أن أولادهم لن يسقطوا برصاص العصابات في طريق عودتهم من المدارس، وفرحهم بإمكان الجلوس أمام منازلهم عند المساء لسماع الموسيقى. وفي بعض الأحياء، عاش الناس ربع قرن حياةً تشوبها النزاعات من غير أن ينعموا بالاستقرار، فلو أن شعورهم ترافق بالراحة والطمأنينة حين صار في الإمكان عيش حياة يومية عادية مع إطلاق الخدمات الاجتماعية في إطار المشروع، لتفادت البرازيل كر سبحة فصول الأزمة اليوم. والناس يخشون أن يعود تجار المخدرات فور انتهاء الألعاب الأولمبية في 2016، وأن تنسحب القوات المسلحة من أحيائهم الفقيرة والعشوائية، لذا لم يتعاونوا مع هذه القوات، خشية اقتصاص تجار المخدرات منهم إثر عودتهم المرتقبة. ويأمل كثر بأن ترص استضافة «كأس العالم» صفوف سكان العاصمة البرازيلية، وان ترتقي البرازيل إلى مصاف دولة ديموقراطية في المجتمع الدولي. وأثر هذه المباريات كبير في الاقتصاد البرازيلي والحياة السياسية، بل حتى في انتخاب الرئيسة ديلما روسيف لولاية جديدة. وإذا لم تبرز معالم دولة بوليسية أثناء المباريات، وفازت البرازيل بالكأس، انتظرت مستقبلاً واعداً وعمّها التفاؤل. أما إذا انفلت العنف وانتشرت التظاهرات وقمعتها قوات الشرطة بعنف، فستنتظر البلاد أياماً مظلمة ولو فازت بالكأس. وإذا خسرت البرازيل تلقت ضربة نفسانية واقتصادية وسياسية، وحبذا لو تعود الحكومة قبل الألعاب الأولمبية عن المقاربة القمعية في معالجة عنف ولد من الإقصاء واللامساواة والكفاح من أجل لقمة العيش، وتعتبِر سكان عشوائيات ريو جزءاً من الحل، فتوفر لهم فرص عمل وتعليماً وتدريباً مهنياً.     * مؤسسة مشروع «ميغا- سيتيز» ومديرته، عن «كونسيل أون فورين ريلايشانز» الأميركي، 9/6/2014، إعداد منال نحاس

مشاركة :