ماجدة موريس: مع تطبيق تجربة التصنيف العمري للمسلسلات في رمضان الماضي، أثناء عرضها على القنوات الفضائية تلافياً للألفاظ البذيئة أو اللقطات الخادشة أو مشاهد العنف، وهو ما لا يصلح لأعمار محددة، وتحديداً الأطفال، ثارت التساؤلات حول جدية التنفيذ ومدى فاعليته في تحقيق مصلحة الجميع.هل كان الإجراء «شكلياً» خلال تطبيقه للمرة الأولى أم العكس؟ وهل كانت أوقات عرض المسلسلات مناسبة لتلك التصنيفات؟ وماذا حدث عندما اختلف جهاز الرقابة على المصنفات الفنية مع عدد من صناع الأعمال التلفزيونية، بسبب تجاهلهم عرض الحلقات على الجهاز قبل بثها فضائياً؟عن جدوى هذا التصنيف العمري، ومدى نجاح الفكرة، وفاعلية جهاز الرقابة وقدرته على تنفيذ قراراته، كان التحقيق التالي. يعلق الناقد مجدي الطيب، قائلاً «تجربة التصنيف العمري مطبقة في العالم كله، أقصد العالم المتحضر حيث يعرض كل ما يناسب فئة عمرية في توقيته المناسب، فما لا يناسب الأطفال يعرض في أوقات متأخرة، وهذا التنظيم ضروري لأنه يقضي على فوضى توقيت العرض، وكل مسلسل يعرض ويُعاد عرضه في التوقيت الذي تريده القناة بدون مراعاة للمحتوى، وهذا الأسلوب انتهى وأصبحت القنوات من الآن فصاعداً ملزمة بقيود قانونية وقرارات يشرف عليها جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، بعضها لم يلتزم بالضبط، ومازالت فوضى الثورات مستمرة لكنها مسألة وقت ويتم إجبار الجميع بلا استثناء على الالتزام بالتصنيف العمري للمسلسلات في موسم رمضان وخارجه ما يسهم في القضاء على الكثير من العقبات والمشاكل».وترى الناقدة ماجدة موريس أن تطبيق التصنيف العمري على المسلسلات ضرورة حتمية لأن عددها كبير جداً سنوياً، ولم يعد مرتبطاً بموسم بعينه، كما يظن البعض، ولم يعد رمضان مقياساً لنجاح أي مسلسل، وعدد غير قليل من المنتجين أخذتهم الجرأة في إنتاج مسلسلات الأجزاء، ووصل عدد حلقات الجزء الواحد إلى 60 حلقة خارج رمضان، ما يعني أن الدراما المصرية لم تعد مرتبطة بموعد معين بقدر ما أصبحت صناعة مستقلة قادرة على التواجد في أي وقت، وتجربة التنصيف العمري في حال تطبيقها في رمضان أولى لأنه شهر روحي للأسرة المصرية والعربية، وهناك عادات معينة ولا أحد يقبل أبداً أن يشاهد مسلسلاً به ألفاظ خارجة أو مشاهد خادشة للحياء أو رقص وعري وخلافه، بدون ضرورة درامية. وتطبيق التجربة في مصر مازال في بداياته، ولا نستطيع أن نقول إنها نجحت بشكل كامل ولكن بنسبة 70% لأن جهاز الرقابة على المصنفات الفنية عانى كثيراً من الترهل والضعف نتيجة تراكمات سابقة، وهو حالياً يحاول تصحيح الأوضاع، واستعادة دوره في وضع ضوابط للمسلسلات.تضاربيؤكد الناقد يوسف شريف رزق الله، أن أعتى دول العالم في الديمقراطية لا تستطيع أن تعرض مسلسلاً إلا في التوقيت المحدد له، ولا شيء اسمه العرض في أي وقت، ومع قرار تطبيق تجربة التصنيف العمري لابد من تشجيعه، وأرى أنه لا جدوى إطلاقاً لاعتراضات بعض المثقفين عليه، بحجة أنه يحجر على حرية الإبداع، لأن ما كان يحدث فيما مضى لا يستحق أن نطلق عليه إلا لقب «فوضى»، والآن نجد شيئاً من النظام، وفيما بعد سنجد تنظيماً كاملاً للخريطة الدرامية، بما يحقق مصلحة الجميع، ولم تعجبني إطلاقاً لهجة التراشق الإعلامي بين المؤيدين والمعارضين للتجربة، لأنها مطبقة في معظم الدول، وأثبتت نجاحها وتقضي على حالة السيولة التي يمر بها الإعلام، فلم لا نعطيها الفرصة، وقد نجحت إلى حد ما في مصر هذا الشهر؟ وأرى أن التجربة ستستمر وتحقق آثارها المرجوة عاجلاً أو آجلاً.وتشير الناقدة خيرية البشلاوي إلى أن تضارب الاختصاصات بين الأجهزة المشرفة على الإعلامين الحكومي والخاص في مصر هو السبب في عدم التزام بعض القنوات بتطبيق تجربة التنصيف العمري. وتقول: عندنا الآن جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، وهو غير فعال في اتخاذ إجراءات رادعة ضد كل من يخالف قراراته هذا مع الاعتراف بقدرته على فرض هذه القرارات طبعاً، وعندنا الهيئة الوطنية للإعلام، وهي جهاز أكثر فاعلية وقدرة على إجبار القنوات، إن جاز التعبير، على الالتزام بقراراته، والهيئة الوطنية بدورها ترفع قراراتها إلى جهاز تنظيم الصحافة والإعلام برئاسة مكرم محمد أحمد، للبت فيها، والموافقة عليها لأنه تتبعه، وهذا التضارب وعدم الوضوح في الاختصاصات هو ما يفتح الباب للثغرات التي تنفذ منها القنوات لعدم التقيد بما هو مطلوب منها. وتضيف: وصل الأمر ببعض القنوات لبث ألفاظ أو مشاهد خارجة وقت إفطار الأسرة المصرية بدون الخوف من رادع، ما دفع جهاز الهيئة الوطنية للإعلام إلى التهديد بفرض غرامة 200 ألف جنيه ضد القنوات المخالفة، إلا أن جهاز الرقابة على المصنفات الفنية غير قادر على منع مسلسل من العرض، لأن به إسفافاً أو ألفاظاً خارجة أو أي سبب آخر، كل ما يستطيعه هو رفع قضية بطلب منع العرض، وهذا عمل عقيم لأن القضية تأخذ وقتاً في المحكمة يكون المسلسل انتهى عرضه بالفعل. أعود إلى النقطة الأولى، وهي تضارب الاختصاصات وأضيف إليها هنا الخلل الإداري الذي يمنع الجهاز من القيام بمهامه.فارقتتناول الناقدة ماجدة خير الله، قضية مهمة هي دور الرقابة، قائلة «ثمة فارق بين فرض القانون وتنفيذه، وضج الجميع بالشكوى من فوضى المسلسلات خلال السنوات الأخيرة، حتى أن عدداً كبيراً من هذه الأعمال رغم كونها لنجوم كبار لا يشاهدها أحد، ليس لضعف فيها، فالدراما على مستوى عالٍ جداً من الجودة في الفترة الماضية، ولكن لأن فوضى العرض تجعل من الصعب متابعتها لأنها لا تتوافق مع مواعيد شرائح وقطاعات معينة من المجتمع، وأصبحت المسلسلات رهينة في يد القنوات تعبث بها كما تشاء وتعرضها في الوقت الذي تريد، ووصل بها الأمر إلى إعادة مونتاج حلقات المسلسلات المنفصلة المتصلة لزيادة عددها، للحصول على نسبة أكبر من الإعلانات، وهو ما يعني النصب علناً على منتجي هذه الأعمال. إضافة إلى تشويه المسلسل نفسه بنهايات مبتورة ليست هي النهايات التي وضعها المخرج لكل حلقة، وهنا يبرز دور الرقابة في منع هذه الممارسات التي تضر بالعمل الدرامي على المستوى البعيد، ضرراً بالغاً قد يقضي على الصناعة بأكملها، ولذلك لابد من تفعيل نشاط جهاز الرقابة على المصنفات الفنية ومنحه صلاحيات واسعة، بما لا يضر بحرية الإبداع، ومنحه سلطة إصدار قرارات نهائية للقنوات بشأن أية ملاحظات على مشاهد أي مسلسل، ولا أقول منعه من العرض لأن هذا القرار يعطي الفرصة للبعض، لاتهام الدولة زوراً وبهتاناً باضطهاد المبدعين». مواجهة السلبياتيتساءل المخرج الكبير، محمد فاضل، قائلاً «لا أعرف ما الذي يريده الذين يهاجمون هذه التجربة بالضبط؟ ويقول، تنظيم عرض المسلسلات في مواقيت محددة يقضي على الكثير من السلبيات التي عانيناها سابقاً، وواجهت ردود أفعال غاضبة، حينما قلت إن الدراما تنهار، والانتعاشة التي تعيشها منذ ثلاث أو أربع سنوات وهمية، وأحد أسباب هذه الانهيار هو فوضى العرض لأن جهاز الرقابة على المصنفات الفنية غير قادر على ضبط أداء القنوات، لأن مهمته تنحصر في الموافقة على العمل وإجازته أو المطالبة بتعديله أو رفضه بالكامل، وهو ما يحدث نادراً في بعض الأحيان، بمجرد أن يخرج المسلسل من الرقابة، يفقد الجهاز قدرته في السيطرة على القناة، وتفقد شركة الإنتاج نفسها القدرة على التحكم في المسلسل، لأن القناة اشترته، وبإمكانها الحذف أو اقتطاع بعض المشاهد، كما حدث في أكثر من مسلسل هذا العام، اعتماداً منها على أن أصحاب العمل، لن يكون بإمكانهم اتخاذ رد فعل سريع وستذهب اعتراضاتهم أدراج الرياح، فالمسلسل عرض بالفعل وانتهى الأمر».التجربة مستمرة يؤكد د. خالد عبد الجليل رئيس جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، أن تطبيق تجربة التصنيف العمري نجحت في مصر بدرجة كبيرة. ويدلل على ذلك بأن 35 مسلسلاً هذا العام من أصل 42 عرضت سيناريوهاتها على الجهاز، وخرجت سبعة منها من السباق الرمضاني لأسباب مادية في الأغلب، ولم تتقدم بشكوى سوى 9 منها فقط. ويقول: لم نطلب سوى منع عرض مسلسل واحد فقط، لعدم تسلم بقية حلقاته لإجازاتها قبل العرض، كما ينص القانون، وقامت الشركة المنتجة باستئناف التصوير في رمضان وبث الحلقات فوراً بعد تسليمها للقناة بدون الحصول على التصريح الرقابي، وهذا أمر مرفوض وليس مبرراً أنهم يسابقون الزمن للعرض، وكان بإمكانهم تسليمنا الحلقات ونحن نمنحهم التصريح بالعرض فوراً، دون تأخير ثانية واحدة ما دامت الحلقات ملتزمة بالمعايير المتفق عليها مسبقاً، منها عدم خدش حياء الأسرة بالذات في الشهر الكريم، وهذه النقطة لا نتسامح فيها أبداً. ونحن الآن بصدد إعادة هيكلة الجهاز ليصبح أكثر تأثيراً وفاعلية. ويؤكد أن تجربة التصنيف العمري نجحت في مصر وستستمر لحين تحقيق أهدافها كاملة.
مشاركة :