يتجرع "قاسم الرشيد" في كل يوم يعود من عمله مرارة فراق أطفاله الخمسة الذين غربت شمسهم قبل أربعة أشهر فقط، حيث يبكي بإحساس الأب المصدوم، المفجوع، حين يتذكر (محمد، طاهر، حبيب، مروى، خضر)، والموت يزفهم إلى مثواهم الأخير في حادث مأساوي. يتذكر قاسم الحادثة، قائلاً: "في صباح يوم الأربعاء 5 من شهر جمادى الأول الماضي 1435ه، رنّ جهاز هاتفي وأنا بمقر عملي ليخبرني بنشوب حريق في شقتي، فهرعت مسرعاً وإحساسي يغمرني بأني لن أرى أطفالي، وهذا ماحدث فعلاً عندما أبلغني الطبيب بأن أطفالي الخمسة وزوجة والده قد توفاهم الله"، مشيراً إلى أن تقرير الدفاع المدني أشار إلى ماساً كهربائياً حدث في قابس الثلاجة المقلد ورديء الصنع؛ ما أدى إلى انفجار الموتور واشتعال النيران فيها، وكل ما يحيط بها، وذلك في الوقت الذي كانت زوجته تعد طعام الغداء في الدور الأرضي، فلم تمض دقائق إلاّ وقد تحولت شقتهم إلى كتلة من اللهب، ومعها سحابة سوداء، فجاز له أن يسميها ب"ثلاجة الموت"، كيف لا وقد زهقت أرواح ستة أشخاص بسببها. ناموا ولم يستيقضوا! الفاجعة الإنسانية الكبيرة التي خلّفت وراءها أحد عشر نفساً وقعت حينما اجتمعت مجموعة من الشقيقات ومعهن أطفالهن في منزل والدتهن لمواساتها بفقد والدهن، فباتوا ليلة الخميس 24/3/1433ه، ولم يستيقظوا جميعاً. واصطحبنا "عبدالله محمد الجمعة" - كبير الأسرة الذي يسكن في الدور الثاني من المنزل ذاته - إلى المقبرة التي آوت جثامين شقيقاته وأبنائهن وبناتهن، وتحدث عن سبب الحريق فأخبرنا أنه يعود إلى توصيلة كهربائية مقلدة ورديئة الصنع موصلة بثلاجة في المستودع، حيث أدى انصهارها بفعل الحرارة عند ساعات الفجر إلى اشتعال النيران فيها، وفي المستودع كاملاً؛ فانتشر الدخان الكثيف إلى أرجاء المنزل (الصغير)؛ فخنق أحد عشر نفساً (ثلاثة أولاد، وثماني نساء وبنات) كانوا يغطون في منامهم. وقال: "توصيلة كهربائية رديئة موصلة في مقبس مقلد ومغشوش قضى على أحد عشر نفساً في غمضة عين، ولكن السؤال: من يتعظ؟، ومتى نتعلّم من أخطائنا؟ ونمنع دخول "(القنابل الموقوتة) من المواد الكهربائية المغشوشة والمقلدة إلى منازلنا"، داعياً إلى تكاتف جهود الجميع للحد من انتشارها، وتوعية المجتمع من مخاطرها. وتركت هذه الحادثة المؤلمة أثراً نفسياً على "أم جود" التي فقدت توأمها "محمد وعلي" من بين الأولاد الثلاثة، حيث دخلا إلى الدنيا سوياً وغادراها سوياً، ورغم مرور عامين على الحادثة إلاّ أن "أم جود" لا تزال تقطن في منزل أهلها، وترفض العودة إلى منزلها من جديد، فصورة ابنيها لا تبارح مخيلتها، ما اضطر أهل الخير بطلب إزالة المنزل، وتشييد منزل جديد علّه يخفف من ذاكرة "أم جود" ما خلفه الفقد من ألم نفسي عظيم. حوادث مفجعة وأرجع العميد "محمد بن يحيى الزهراني" - مدير الدفاع المدني بمحافظة الأحساء - سبب الحرائق المنزلية إلى مواد كهربائية مقلدة ومغشوشة، وتحديداً المقابس والمفاتيح والتوصيلات، مشيراً إلى أساليب التحايل في تهريب تلك المواد رغم جهود مصلحة الجمارك ووزارة التجارة لضبط ومنع دخول تلك الأجهزة. وقال: "وجود مواد كهربائية رخيصة الثمن تدفع بعض المواطنين إلى استرخاصها ومن ثم اقتنائها؛ مما يسبب في وقوع حوادث مفجعة عليه وعلى أسرته"، محذراً من تحميل الأسلاك أعلى من طاقتها عبر وضع أجهزة عالية السحب على أسلاك ضعيفة، ومقابس مقلدة، ومن ثم انصهار الأسلاك فتقع الكارثة، داعياً إلى فصل جميع الأجهزة الكهربائية قبل مغادرة الغرفة أو المنزل، أو الخلود للنوم، ومن ذلك ضرورة فصل أجهزة الكمبيوتر، ورسيفر التلفزيون، وشواحن الجوالات، مطالباً بضرورة وضع كواشف للدخان للتنبيه والإنذار.
مشاركة :