فاروق حمادة عالم موسوعي مغربي يتسلح بثقة الماضي ودقة العصر بقلم: خالد عمر بن ققة

  • 7/1/2017
  • 00:00
  • 283
  • 0
  • 0
news-picture

جل مؤلفات العالم الأكاديمي فاروق حمادة يولي اهتماما واضحا للمكون الأساسي للمجتمع وهو الإنسان، ويتم هذا من منظور ديني ويشكل لديه بناء الإنسان والمجتمع.العرب خالد عمر بن ققة [نُشر في 2017/07/01، العدد: 10678، ص(12)]فاروق حمادة داعش والقاعدة ينبعان من فكر الإخوان الذي تحميه قطر أبوظبي- تفكير الإخوان الذي تحاول قطر، آخر قلاعه في المنطقة، حمايته بكل وسيلة ممكنة يعد المنبع الرئيسي لكل فكر متشدد خرج إلى الوجود خلال المئة عام الماضية، وهي عمر الحداثة العربية في المجتمعات والدول. من خلال رفض الدوحة لدعوة أشقائها في دول الخليج لتغيير منهجها وسياستها وعدم الاستجابة للطلبات التي عرضت عليها، والتي تزيح من طريق الأمة كل أسباب تفريخ التطرف، ومن أجل أن نقضي على الإرهاب الذي يمثله التطرف ويضرب به كان لا بد من تكفيك المنبع فكرياً أولاً، وهو جهد قام به علماء أجلاء في العالم العربي والإسلامي منهم العالم الأكاديمي فاروق حمادة الذي أبطل بشغله الحثيث والجاد كل حجة يتذرع به الإخوان من أجل الوصول إلى الحكم. لقد تفَتّحت أمامي أنوار العرفان حين سمعته متحدثا للمرة الأولى عبر أثير إذاعة القرآن الكريم -شبكة إذاعة أبوظبي- عن “أيام في حياة الرسول”. وزادت تلك الأنوار سطوعاً بعد استماعي إليه وهو يروي “أيام من حياة الرعيل الأول” إذاعياً، وأيضاُ وهو يلقي المحاضرات في عدة مناسبات. وتابعت عبر عدد من المواقع الإلكترونية ما تلقى أفكاره من قبول أو نقد من التيارات الدينية على وجه الخصوص، وتفاعلت مع إجاباته عن أسئلتي حول جملة من التصورات، ومنها تطبيقاته البيداغوجية ونظرته للتعليم الجامعي وبين التفاعل سمعاً وحضوراً، أَوْليتُ أهمية خاصة لعطائه المعرفي ولما يكتب، وهو العالم المغربي والمستشار في ديوان الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وليّ عهد أبو ظبي، منذ العام 2008، ومدير جامعة محمد الخامس في أبوظبي منذ العام 2014. سيرته الذاتية والعلمية تقطع الطريق أمام أسئلة تطرح بهدف الردّ على اجتهاداته ومواقفه والتشكيك فيها، حيث التداخل بين المكانة والرسالة أو المهمة من جهة، وتجاهل ميراثه المعرفي المتراكم لعقود من جهة ثانية، كما أنها تقدم إجابات -تبدو مقنعة- للتساؤلات الكبرى المتعلقة بالاختيارات العلمية والأساليب المنهجية لإحياء الحقائق أو طرح أخرى جديدة، ضاربة بجذورها في ميراثنا الديني. وفي كل الحالات فإن مؤلفات حمادة، لمن يختلف معه أو يتَّفق، تمثّلُ حضوراَ للمعرفة، بحثاً وتنقيباً واحتضاناً، لتنير الطريق لمن أراد أن يؤدي به البحث إلى مزيد من اليقين، وما يتبعها من نقد هو مجرد رد فعل على الفعل، فيه ثراء حتى لو جاء بشكل سلبي. المجتمع والإنسان في تجربته التدريسية والبحثية والتأليفية مواطن قوَّة قلَّما توفرت لغيره من العلماء، وهو فيها غير مكتفٍ بالتنظير، وإنما يعايش الواقع، ومع ذلك فهو يذهب بعيداً في قراءته للتراث الديني لأجل إثراء مسار علاقات تربطنا مع الآخر في الوقت الراهن على غرار ما طرح في كتابه “العلاقات الإسلامية النصرانية في العهد النبوي”، وفي مقدّمته يقول “وما قصدت من هذا البحث أن يكون فقهيا يؤصّل للحلال والحرام، ولا بحْثاً في العلاقات الدولية، أو بيان وأسس وقواعد دولة الإسلام، بل أردته أن يكون منطلقاً للخاص والعام، وأرضية للتلاقي والتفاهم والانسجام، وزاوية لحسن النظر إلى الأمام”. تتمركز جلّ كتاباته حول كيفية تقديم الإسلام لنا وللآخرين من خلال قيمه الكبرى وقضاياه التأصيلية، وبخاصة الوسطية منها، لذلك لا يستغرقه التنظير في المذاهب الفكرية للمدارس وللمفكرين وللفلاسفة المسلمين، لأن الهدف هو إحياء الجوانب النوارنية للتراث الديني، لذا يأتينا بالمعرفة مُحَمّلة برؤية نقديّة، مُسْتنهضة ومُثوِّرة للعصر، وواقفة حائط صدٍّ أمام الجهل المنتشر باسم العلم في أيامنا على النحو الذي نكتوي بويلاته وآثاره من جرائم الجماعات الإرهابية، ومن هنا، وانطلاقا من استحضار واعٍ للتاريخ، يمكن لنا فهم كتابه “الأشعرية ضرورة ومنهج واستمرار”، حتى لو اختلف بعضنا أو جُلَّنا مع فكر الأشعرية وتطوراته عبر التاريخ.بحث حمادة “الحاكمية في فكر الإخوان" قوبل بردود فعل واسعة يُولي حمادة اهتماماً واضحاً للمكوِّن الأساسي للمجتمع وهو الإنسان، ويتم هذا من منظور ديني، ويشكل لديه” بناء الإنسان والمجتمع” -عنوان أحد مؤلفاته الهامةـ القضية الكبرى، حيث التركيز على بناء مجتمع متميز متفوق عبر بناء سابق للإنسان نفسيا وفكريّاٍ وجسديّاً، وهنا يظهر لديه ما يعرّفه بالإنسان المؤمن الرباني، والإنسان العالم، والإنسان الهادف القاصد، وما ينتج عنه من مجتمع يحمل صفات ذات بأبعاد إيمانية، مثل: الترابط والرحمة والعدل والإبداع والتوازن.. إلخ، وتلك جميعها تنتهي بنا إلى التعمق في كل مجالات “المعرفة الإسلامية”، ومنها التصوف الذي يراه اليوم “أهمّ السبل لإعادة الإنسان إلى إنسانيته، وإنقاذه من ضياعه وشقائه، وإعادة التلاحم للمجتمع وتراحمه، ونشر الأمن والطمأنينة في أوجه الحياة”. لكن عن أي تصوّف يتحدَّث حمادة؟ تأتي الإجابة في نهاية كتابه “بناء الإنسان والمجتمع” حيث يقول “إننا نريده تصوفاً سُنِّيّا عملِيّاً مُرْتبِطاً بآي الكتاب، وسُنّة النبي عليه الصلاة والسلام، وسيرة الصحابة، رضوان الله عليهم، ومناهج أعلامه المؤسّسين، وطريقة هداته المشهود لهم بالعلم والخير عبر القرون، وبهذا ينتفي عنه ما ليس منه، ويصمت الذين عادوه، ولا يعرفون إلا الشوائب التي علقت به، وعندئذ تبْرق الحقائق، وتُزال العوائق”. طواف حمادة في مجال الفكر لا يكتفي فيه بالشق البحثي، إنما يتجاوزه إلى العمل المؤسساتي، إذْ سبق له أن شغل مناصب عدة في الجامعات المغربية، بين رئيس قسم ومدير للدراسات الإسلامية لسنوات طويلة، وهو أيضا مؤسس ورئيس دائرة الرباط العلمية للبحث في الدراسات الإسلامية والمدير المسؤول ورئيس تحرير مجلة “بصائر الرباط”، وعضو في العديد من الهيئات العلمية. كما أنه عضو محكِّم في أكثر من عشرين جامعة عربية وإسلامية ومركز أبحاث، وعضو هيئة تحرير في العديد من المجلات الأكاديمية المحكِّمة داخل المملكة المغربية وخارجها، ورئيس اللجنة الشرعية في الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف في دولة الإمارات العربية المتحدة منذ العام 2009، كما أشرف على المئات من الأبحاث والرسائل العلمية في الجامعات المغربية، وقد تخرّج على يديه نحو مئة باحث في الدكتوراه من بلاد كثيرة، ناهيك عن مؤلفته التي بلغت خمسة وأربعين مُؤلَّفاً. جلّ مؤلفاته تكشف عن أنه أحد المهتمين بعلوم القرآن والسنة، والسيرة النبوية بشكل عام، ويشهد له العلماء والمختصون بمحبته لوحدة الأمة واجتماعها، كما تبيّن مشاركاته في مؤتمرات التقريب التي تنعقد لأجل ذلك، غير أنه يقدم قراءات لمواقف ورؤى إسلاميين مُحاولاً تفنيد ما جاء فيها أو كشف أبعادها السياسية، الأمر الذي يجعله في مواجهة عواصف، وأحيانا تكون سهاما يرمي بها أصحابها متجاوزين النقاش الفكري إلى الانتقاد المباشر. بطلان حاكمية الإخوان كُتُبه ومقالاته تطرح قضايا جديرة بالنقاش ومهمة للحوار ومثيرة للجدل، منها على سبيل المثال مقاله المنشور في جريدة الاتحاد الإماراتية في 3 أغسطس 2016 تحت عنوان “الحاكمية في فكر الإخوان-منطلق التطرف والعنف”. وقد قُوبل بردود فعل واسعة من علماء جماعات الإسلام السياسي، وقد بين فيه حمادة أن “الدولة والحكم في مرمى أبصار الإخوان المسلمين من أول يوم، ويتجلَّى هذا في كتابات حسن البنا التي كانت تأصيلاً متيناً لأفكارهم، إذ كان يكثر الحديث عن الحكم والدولة، ووضع ذلك في الأصل الأول من الأصول العشرين التي ينطلقون منها وأعطى الدولة والحكم الأولوية المطلقة كما فهمه الكثير من أتباعه”.فاروق حمادة أعطى الدولة والحكم الأولوية المطلقة لمزيد من التفصيل، حول مسألة الحاكمية في فكر الإخوان، يواصل حمادة “جعل حسن البنا مسألة الحكم والدولة من أصول العقائد مخالفاً بذلك جميع علماء الإسلام قبله وهو ما دعاه إلى اتّخاذ شعار السَّيفين المتقاطعين وبينهما ‘وأعدوا’ مع المصحف، وهذا هو الذي دعاهم إلى الصدام مع الحكومات القائمة التي كانوا يتعاونون معها تارةً ويؤيدونها، ويحاربونها ويمكرون بها تارة أخرى، مما أدى إلى المواجهة وإلى دخولهم السجون”. ومثلما لم ترق الفكرة الأساسية التي انطلق منها حمادة في مقاله، لم تقبل أيضا النتيجة التي انتهي إليها، كما هي في الفقرة التالية “وقد وصل هؤلاء إلى هذا التكفير والتدمير لفقدان المرجعية الواضحة والضحالة الفاضحة في معرفة الأحكام الشرعية وأصول الإيمان والاعتقاد، وخرج هذا الفكر المظلم من ظلمات السجون ونشروه بين الناس واستقطبوا به الأغرار من الشباب المتحمّس، وقد ساعدهم على انتشاره عدم تحقيق أغلب الحكومات القائمة مطامح شعوبها في الحياة الكريمة واستهانتها بالقيم، والانكسارات التي حدثت في تاريخنا المعاصر.. كما أن رغبة العنف والقتل لديهم تم تعميقها عندما وصل الأمر إلى تنظيم القاعدة، وبدأ أسامة بن لادن يجمع حوله الشباب المتحمس من جانب والموتور من جانب آخر”. تفكيك الفكر الخطر فكر الإخوان في نظر حمادة يعتبر مرجعية للجماعات الإرهابية في الوقت الحاضر، وهو يوضحه بالقول”إن التأصيل لهذا العنف عند هذه الحركات المتطرفة (داعش وأخواته) يستند إلى هذا الفكر الذي يتبناه الإخوان المسلمون، ولم يرفعوه من أدبياتهم أو يعترضوا عليه بوضوح وصراحة، وكان لهم جانبان: جانب خفي يؤيده ويتبناه ويدعم الحركات المتطرفة هذه وينسبها إليه، وجانب آخر يسلك العملية السياسية ويقدم التنازلات ولو كان على حساب الثوابت الدينية والوطنية التي يعلنون الالتزام بها”. لذلك يرى حمادة أنه لحماية الأمة من هذا التطرف لا بد من تفكيك هذه الأفكار الخطيرة ومقارعتها بالحجة حتى لا تنخدع بها الأجيال الناشئة، وهذا الأمر تسبَّب في رد فعل واسع النطاق من كتّاب الإخوان والمتعاطفين معهم، كما هو في عدد من المواقع، منها “موقع رابطة العلماء المسلمين السوريين” على سبيل المثال. أما مسألة مواجهة الجماعات المتطرفة فتتطلب تضافر جهود كل المؤسسات، وتتطلب أيضا الاهتمام بتحديث التعليم، وهو ما يعتبره حمادة أولوية استراتيجية ضمن التفتّح على الآخر، والبداية من تعلّم لغته، وما تجربته الراهنة في “جامعة محمد الخامس-أبوظبي” إلا دليل عملي على صناعة وعي مستقبلي ضمن فضاء التسامح والتعايش. في محاولة جادة وواعية لجعل الإسلام منهج حياة.

مشاركة :