جاءت أحدث زيادة في أسعار الوقود في مصر لتصب الزيت على النار في وقت مازال فيه المصريون يحاولون التكيف مع موجة غلاء فاحش في الأسعار، ما أشعل الغضب والإحباط بين مؤيدي الحكومة ومعارضيها على حد سواء. وبدلا من الخروج للشوارع أمس الأول للاحتفال بذكرى 30 يونيو الذي شهد احتجاجات شعبية عارمة أسفرت عن عزل الرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين قبل أربع سنوات، لجأ المصريون لوسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن مشاعر الصدمة من القرارات الأخيرة التي تؤذن بمزيد من المعاناة وضيق العيش. تأتي أحدث زيادة لأسعار الوقود بنسب تصل إلى 100 في المئة في إطار برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تطبقه الحكومة ضمن اتفاق مع صندوق النقد الدولي. لكنها تجيء أيضا قبل عام من موعد الانتخابات الرئاسية التي يتوقع على نطاق واسع أن يرشح الرئيس عبد الفتاح السيسي نفسه فيها لفترة رئاسة ثانية. وتتباين آراء المحللين في مدى تأثير زيادات الأسعار على شعبية السيسي. يقول حسن نافعة المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة «عندما تقارن التوقعات التي صاحبت مجيء السيسي للسلطة وما يحدث الآن تجد الفجوة كبيرة»، ويضيف قائلا لرويترز «أظن أن شعبية الرئيس بدأت تتآكل رويدا رويدا بسبب أخطاء فادحة آخرها زيادة أسعار الوقود». لكن حسن سلامة أستاذ العلوم السياسية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية قال «حالة التوتر أو الاستياء ستقف عند حد الحكومة ولن تتجاوزها إلى السيسي»، وأضاف «أقصى أماني أغلب المصريين تغيير الحكومة بحكومة أخرى تتعامل بشفافية وتجيد تفسير سياساتها». سخرية ودعوات للاحتجاج بدت المرارة الممزوجة بالسخرية واضحة في نبرة تعليقات كثيرة على فيسبوك وتويتر، ولخص أحد التعليقات صدمة المصريين من زيادة سعر البنزين قائلا «بنك.. يقدم قرض التفويل(ملء خزان البنزين). فوّل سيارتك من أي محطة وقود الآن وسدد على خمس سنوات!» بينما قال أحدهم «شعار المرحلة: واحشني بس البنزين حايشني (يمنعني من زيارتك)». أما السيسي فقد وجه الشكر والتحية للشعب على «تفهم» القرارات الصعبة و «تحمل» عبء الإصلاح الاقتصادي، وأشاد بالشعب «الذي يتحمل بشموخ وصبر مشاق الإصلاح الاقتصادي وأعبائه، ينظر إلى المستقبل بثقة، ويعلم علم اليقين أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا». الهجوم اللاذع على الحكومة واتهامها بتجاهل معاناة الناس لم يقف عند حد التعبير عن مشاعر الغضب والاستياء بل تعداه إلى دعوات للاحتجاج العلني على زيادة أسعار الوقود بإيقاف السيارات في الشوارع. وتوقف عدد من السيارات بالفعل على كوبري 6 أكتوبر الذي يعد شريانا رئيسيا في القاهرة مساء يوم الخميس الماضي، ما عرقل حركة السير لبعض الوقت احتجاجا على رفع الأسعار. «نعيش إزاي؟!» ويشكو مصريون من بين ملايين يعيشون تحت خط الفقر من إنهم قد لا يجدون قوت يومهم بعد زيادة أسعار الوقود مجددا. كان تهاوي قيمة الجنيه إلى النصف تقريبا مقابل العملات الأجنبية بفعل قرار التعويم وما صاحبه من زيادة في أسعار الوقود في أواخر 2016 قد أطلق العنان لموجة غلاء عاتية. وقفز معدل التضخم السنوي إلى 32 في المئة في أبريل الماضي مسجلا أعلى مستوى منذ 31 عاما قبل أن ينحسر قليلا في مايو. وفي رد فعل سريع على قرارات الخميس الماضي، اندلعت مشاجرات بين ركاب وسائقي سيارات أجرة رفع بعضهم التعريفات بنسب وصلت إلى 80 في المئة. غير أن الحكومة وجهت المحافظين لاعتماد زيادات لا تتجاوز 20 بالمئة في تعريفات الركوب. واشتكى محمد أحمد، وهو عامل موسمي، من رفع سائقي سيارات الأجرة تعريفة الركوب بين مدينته بني سويف جنوبي القاهرة ومدينة السادس من أكتوبر غربي العاصمة إلى 28 جنيها (1.5 دولار) من 18 جنيها. وقال «عندي أربع أولاد. أجيب منين؟.. والله اللي بيحصل فينا دا حرام!» ووصف البعض ما يحدث مع قفزات في نفقات المعيشة «بالموت البطيء». ولتبرير الزيادة في الأسعار قالت الحكومة إن زيادة أسعار الوقود خفضت دعم المواد البترولية في موازنة السنة المالية 2017 – 2018 التي بدأت أمس من 145 مليار جنيه إلى 110 مليارات. وقال رئيس الوزراء شريف إسماعيل إن «تحريك» أسعار الوقود ضرورة وإن «البديل سيكون أسوأ بكثير». الحكومة تؤكد أنها تراعي البعد الاجتماعي وتدلل على ذلك بزيادة تقررت قبل أسابيع في دعم السلع التموينية للفقراء ورفع معاشات التقاعد بحد أدنى 150 جنيها وحد أقصى 500 جنيه. ويتفق الخبير الاقتصادي جلال الجوادي مع الحكومة في أن زيادة أسعار الطاقة ضرورية لخفض دعم المواد البترولية وبالتالي خفض العجز في الموازنة العامة للدولة. لكنه يضيف قائلا «المشكلة أن الخطوات متسارعة». الزيادات الأخيرة أثارت حنق حتى بعض مؤيدي الحكومة. وقال رئيس لجنة الطاقة والبيئة في مجلس النواب طلعت السويدي إن وزير البترول لم يبلغ المجلس بنسب الزيادة في الأسعار قبل إعلانها، وإنه سيعترض رسميا على ذلك في المجلس. وعاب السويدي، في حديث للصحافيين بالبرلمان، على الحكومة ما وصفه بالتقاعس عن اتخاذ إجراءات مسبقة لحماية الفقراء مما وصفه بمغالاة تجار في أسعار السلع ومغالاة سائقي سيارات الأجرة في التعريفات بعد زيادة أسعار الوقود. وقال ياسر قورة مساعد رئيس حزب الوفد الليبرالي لرويترز «الحالة الاجتماعية والاقتصادية لا تسمح بمثل هذه الزيادات التي تتسبب في زيادات في جميع أسعار السلع والخدمات.. الحكومة تضغط بشدة على المواطن الفقير والمواطن المتوسط الحال أيضا». وحذر سيد عبد العال رئيس حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي اليساري من انهيار اقتصادي جزئي أو كلي بعد زيادة أسعار الوقود. وقال عبد العزيز الحسيني أمين التنظيم في تيار الكرامة، وهو حزب قومي، «رفع أسعار الوقود يدفع مصر لمخاطر شديدة ويضع مؤشرات مرعبة لمستقبل الوطن في ظل أغلبية مسحوقة قابلة للانفجار». نادية السيد (55 سنة) أرملة وأم لأربع بنات تقول بمرارة «إحنا كده بنموت بالبطيء.. الأيام دي صعبة قوي.. نعيش إزاي؟» وبصوت جهوري غاضب، قال عضو البرلمان السابق البدري فرغلي عبر الهاتف «التوقيت خطأ والطريقة خطأ. القرار لم يراع الظروف السياسية التي تمر بها البلاد ولم يراع الأغلبية العظمى من الشعب. لم تعد هناك قدرة للإنسان على أن يواصل الحياة». ويضغط فرغلي منذ سنوات بصفته رئيسا لاتحاد فئوي من أجل زيادة معاشات التقاعد. وقال «كنت من أوائل المؤيدين للسيسي في ثورة 30 يونيو لكني الآن لست مع سياسته». (القاهرة – رويترز)
مشاركة :