منذ 3 أشهر تتردد أخبار عن تصوير الفيلم الروائي «أيام الثورة والغضب» الذي يتناول ثورة 30 يونيو (حزيران) بسيناريو كتبه وحيد حامد والإخراج لمحمد سامي. وتم إسناد بطولته إلى محمد رمضان وأحمد السقا ونبيل الحلفاوي وأحمد رزق، وأحمد بدير وآخرين. ويؤدي السقا دور الرئيس عبد الفتاح السيسي، ويجسد أحمد رزق شخصية الرئيس السابق محمد مرسي، كما يؤدي نبيل الحلفاوي شخصية المشير طنطاوي. رغم تصوير عدد من المشاهد، فالأمر حتى الآن فيما يبدو محض مراجعة من قبل عدة جهات نافذة في الدولة، حتى ما تم إنجازه فعلياً لم يتم الاستقرار النهائي عليه. التكتم الشديد من قبل كل الأطراف على الشريط السينمائي جعل الأمر يبدو أقرب للألغاز، الحقيقة المؤكدة فقط، هي فعلاً أننا بصدد فيلم، ولكن متى ينتهي تصويره وما توقيت العرض، وهل تم الاستقرار على كل التفاصيل، لا يزال غير محسوم نهائياً. هل من الممكن أن نُقدم فعلاً عملاً فنياً عن ثورة 30 يونيو معزولاً عن ثورة 25 يناير (كانون الثاني)؟ أتصور أن هذا هو المستحيل، لأن ثورة 30 يونيو هي التي عدلت مسار ومصير ثورة 25 يناير التي كان الإخوان يريدون سرقتها. لا يمكن عزل الثورتين. الفيلم ينتجه كامل أبو علي الذي سبق له أن شارك وحيد حامد إنتاج مسلسل «الجماعة 2». بالتأكيد عين الدولة حاضرة، ولا يمكن أن يبدو الأمر مجرد توجه لصُناع الفيلم، فالسيناريو يجب أن يحظى بموافقة كثير من الجهات السياسية. تظل تلك الأحداث الهامة في حياة الشعوب، تحمل قدراً كبيراً من الحساسية، لأنها مليئة بمواقف تتعدد فيها زوايا الرؤية، وكما يقولون دائماً «الشيطان يكمن في التفاصيل»، لأنك من الممكن بالفعل أن تذكر معلومة ما وتغض الطرف عن أخرى أو تكتفي بنصف المعلومة، وفي هذه الحالة تعيد توجيه المتلقي بزاوية رؤية خاصة بك، ومن هنا يُفتح الباب الذي يدلف منه الشيطان. لدينا ثورات الربيع العربي، هل تم توثيقها سينمائياً؟ لدينا مئات ومن الممكن لو أضفنا أيضاً الأفلام التي تم تصويرها بالمحمول أن نقول إن لدينا الآلاف من الأفلام التسجيلية التي تناولت ثورات الربيع العربي، وتم رصدها في الميادين والشوارع، ولكن لا تزال السينما الروائية في حاجة إلى زمن للاستيعاب، ومن ثم للفرز بعد ذلك في أكثر من عمل فني. السؤال: هل من الممكن أن نرى الثورة برؤية محايدة؟ حتى الحياد يظل معياراً نسبياً، فما يراه البعض حياداً وإنصافاً وشفافية قد يعتبره الآخرون في اللحظة نفسها هو الظلم والجور والشطط بعينه، إذا كنا حتى الآن نختلف على كثير من أحداث تاريخنا المعاصر، حتى أن وزارة التربية والتعليم في مصر، قررت أن تكتفي في مادة التاريخ المعاصر بالتوقف عند مرحلة أنور السادات وتوليه الرئاسة، ولكن زمن حسني مبارك وحتى الآن تم حذفه من المنهج الدراسي، لكي لا تتعدد وجهات النظر بشأنه. تابعوا مثلاً ما شاهدناه أخيراً في مسلسل «الجماعة 2»، تقريباً كل الشخصيات الرئيسية مثل جمال عبد الناصر وسيد قطب ومحمد نجيب والملك فاروق والنحاس باشا وغيرهم لها زاوية رؤية أخرى تتناقض تماماً مع تلك التي طرحها الكاتب وحيد حامد، أحداث تجاوزت 70 عاماً، ولكن الرؤية حولها لا تزال في جانب منها ضبابية ومشوشة. حتى إن المؤرخين تشككوا في الروايات المتداولة فيما بينهم، كأن الحقيقة صارت زئبقية التكوين، مراوغة الملامح، من المستحيل الإمساك بها. الأحداث الساخنة التي نُمسكها بأيدينا لا تعني أبداً أننا نُلم بكل تفاصيلها، هناك دائماً لمحات كثيرة تتباين فيها زوايا الرؤية، بل إننا بين الحين والآخر نفاجأ بحقيقة يؤكدها مؤرخ أو باحث تضرب مصداقية حقيقة أخرى، كنا نتصور أنها باتت حقيقة لا يأتيها أبداً الشك. ثورات الربيع العربي لم تؤتِ أكلها، تلك قطعاً حقيقة، والبعض، أو إن شئت الدقة، قطاع لا بأس به، يقيس الأمر بترمومتر المكسب والخسارة الشخصية. وهو ما يفرض علينا أن ننتظر قسطاً لا بأس به من مرور الزمن حتى لا تصبح أحكامنا رهناً لموقف عابر. الدراما التي تتناول مرحلة زمنية يجب أن تستند إلى حقائق وإنجازات ملموسة، ولا يمكن أن نرى عملاً فنياً الآن واقفاً على شاطئ 25 يناير قائلاً: نكتفي بهذا القدر، سيجد نفسه حتماً وهو ينتقل إلى شاطئ 30 يونيو، وأيضاً لا يمكن رصد ثورة 30 يونيو التي أطاحت بحكم المرشد، دون أن نتعرض لكيف وصل الإخوان في مصر للحكم، وكيف قدموا للشعب وعوداً زائفة حتى يصدقهم عدد منهم ويمنحونهم أصواتهم في صندوق الانتخابات. ويجب أن نتوقف أيضاً أمام عبقرية الشعب، عندما أسقط فلسفة أو مرجعية الحُكم قبل أن يُسقط الحاكم، لأن ما بُني على باطل فهو بالضرورة باطل، حيث كان النداء هو «يسقط يسقط حكم المرشد»، 25 يناير و30 يونيو هما ثورتان بمثابة توأم ملتصق، لا يجوز الفصل بينهما. العالم كله كان يتطلع للثورة، والمهرجانات السينمائية الكُبرى مثل «كان» و«فينيسيا» و«برلين» وغيرها فتحت ذراعيها للأفلام من مختلف الدول العربية لإعلان تأييدها للثورات، ويجب أن نذكر تلك الحقيقة، أن القسط الأكبر من تلك الأفلام لم يكن مكافئاً أبداً لقيمة الحدث، أقصد أن المهرجانات في ترحيبها بتلك الأفلام كان يحركها الدافع السياسي أكثر من القيمة الفنية. بل إن عدداً من هذه الأفلام لم يعرض حتى في بلدها، مثل الفيلم المصري الروائي الطويل الذي حمل عنوان «18 يوم»، عُرض في «كان» في 2011 بعد الثورة ببضعة أشهر وشارك في إخراجه 10 مخرجين، إلا أنهم جميعاً لم يتحمسوا لعرضه في مصر حتى الآن ولا أظنه سيعرض مجدداً، بعد أن تجاوزته الأحداث. هل علينا أن ننتظر سنوات مقبلة لنرى شريطاً درامياً لا يخاصم ما عايشناه على أرض الواقع؟ الصدق الذي نترقبه نشاهده الآن عاجزاً عن التعبير والإفصاح ويقف منتظراً أن يسمح له بالدخول يبدو أنه سيطول انتظاره. مهرجان «كان» مثلاً، عرض في 2012 وداخل المسابقة الرسمية فيلم المخرج المصري يسري نصر الله «بعد الموقعة»، الفيلم سينمائياً، لم يكن لديه ثراء فني ولا فكري، ولكن من الواضح أن اختياره تم لأسباب سياسية. في العام الماضي افتتح مهرجان «كان» في قسم «نظرة ما» بالفيلم المصري «اشتباك» للمخرج محمد دياب، وهو أول فيلم روائي مصري يرصد جزءاً من ثورة 30 يونيو من منظور إنساني مباشر، هو يؤيد الثورة والمخرج كان واحداً من الذين نزلوا للشارع في 30 يونيو للمطالبة بسقوط حكم المرشد، ولكنه اختار عربة الترحيلات لكي يطل منها على جانب واحد من الحدث وهو تشابك العلاقات الإنسانية. إلا أن هذا الفيلم أيضاً كان ولا يزال محل انتقاد، لأن أحداً ممن شاركوا في إنتاجه هو الداعية الإسلامي معز مسعود، رغم أنه واقعياً كان رافضاً لحكم المرشد، ولكن مجرد ذكر اسمه بين فريق صُناع الفيلم ورغم صعوده وقتها على خشبة مسرح «دي بي سي» في «كان» ضمن فريق الإنتاج في الافتتاح وارتدائه البدلة الاسموكن والببيون، لم يشفع له، بل لا يزال محل تساؤل. بالتأكيد، إننا في حاجة إلى أفلام سينمائية روائية ترصد حياتنا السياسية، والثورات هي العنوان. نعم الأفلام ستظل تحمل وجهة نظر صانعيها، كما أن الدولة في نهاية الأمر بما تملكه من جهاز رقابي لن تسمح بتمرير سوى ما يعبر عن قناعتها، إنها قطعاً قضية شائكة، ولكن علينا أن نأخذ بتلك المقولة «ما لا يدرك كله لا يترك جُله». الثورة تستحق فعلاً أكثر من فيلم مهما تعددت زوايا الرؤية، ربما نجد البداية الروائية في فيلم وحيد حامد «أيام الثورة والغضب»، وهو بالتأكيد سيثير تباينات في وجهات النظر أكثر من «الجماعة 2»، علينا أن ننتظر ما يُسفر عنه الشريط السينمائي، المحاط بكثير من السرية، وبعدها لكل حادث حديث.
مشاركة :