رئاسة الشؤون الدينية في تركيا تدعو العالم الإسلامي إلى تبني الاعتدال

  • 6/19/2014
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

أصدرت رئاسة الشؤون الدينية في تركيا بياناً في شأن تطور الأوضاع الأخيرة في العراق وما تبعها من فتاوى «دينية» صدرت من جهات عدة هناك، محذرة من تفاقم الأوضاع في العراق ومن أن يؤدي ذلك إلى انقسامات قوية وكبيرة في العالم الإسلامي أجمع. مطالبة بأن تسمو الهوية الإسلامية على ما سواها من انتماءات طائفية أو مناطقية أو سياسية. واقترح بيان رئاسة الشؤون الدينية التابعة لرئاسة الوزراء في تركيا خطوات عدة للتعامل مع الأزمة في العراق وحلها وفق عدد من الأسس والأفكار فصلتها في بيان بعنوان «دعوة للعالم الإسلامي إلى تبني الاعتدال». وجاء في البيان: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين معلم الأمة ومرشدها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم النبي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد، لقد وصلت الأزمات الاجتماعية والتوترات السياسيةُ والعسكرية والصراعات التي يرغب البعض في إسنادها إلى الطوائف والمذاهب والطبائع، والتي يشهدها العالم الإسلاميُ منذ فترة ليست بالقصيرة، إلى أبعاد تهدّد أمن المنطقة، بل والعالم الإسلامي بأسره، بطريقة لا يمكن معها تعويض خسائر يمكن أن تَحدُثَ من جرّائها. وزاد هذا التوتر الحاصل أكثر بسبب الفوضى التي شهدتها المدن العراقية والسورية أخيراً، وفي مقدمها مدينة الموصل. إن الرأي العام العالمي يتابع هذه الأحداث كافة بقلق كبير. وتُعتبر التصريحات المتضمنة عبارات العنف المتبادَل في إطار هذه الوتيرة، والبيانات الجهادية، والتهديدات الموجَّهة لتدمير الأماكن المقدسة، وعمليات خطفِ الأشخاص وقتلهم؛ تعتبر بمثابة الهزات الأولية للكوارث الضخمة التي شارفت على الوقوع. وإذا ما تفاقم حجم هذه الأحداث ووصلت إلى نقطة لا تمكن معها الحيلولة دون وقوع ما يمكن أن يحدث في المستقبل، فلا ريبَ في أن العالم الإسلامي سيشهد وقتها انقسامات دائمة من النواحي الإنسانية والاجتماعية والدينية والمذهبية على حد سواء. وفي هذا السياق، ندعو الجميع إلى التكاتف من أجل إيجاد حل للمشكلة، والتصرف في إطار النقاط التالية: 1- إن الهوية الإسلامية تسمو على كل أنواع الانتماءات المذهبية والاجتماعية والسياسية. ولا يجب أن يَسمح أي كيان ديني للمساعي ذات المضامين السياسية أن تتطور لتصل إلى حد الإضرار بالأخوة والوحدة الإسلامية. ولقد حرّم القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة المساس بأرواح الناس ودمائهم وأموالهم وأعراضهم. كما اعتَبرَ قتلُ النفس بغير حق أكبرَ الجرائم من الناحية الدينية. 2 - لا يمكن بأي شكل من الأشكال إدارة مجتمع عاش منذ 1400 عام متجانساً، بالرغم من اختلافات أعضائه، من خلال كيان يعتمد على الأسس الدينية والمذهبية والعرقية. هذا إضافة إلى أنه لا يمكن أي شخص أو جماعة أن تعلن الحرب على معتقد أي شخص أو قيمه وأفكاره. وينبغي للجميع أن يكون لهم الحق في العيش بحرية على أراضيهم بالطريقة التي تتناسب مع تراثهم التاريخي. ويجب أن يُنظَر إلى أي موقف أو تصرف عكس هذا الاتجاه على أنه عنصر راغب في إحداث الفتنة في هذه الأراضي موطن السلام والأمان. 3 - يجب أن يعتبر الجميع أن هناك فتنة كبرى في النظر إلى الاختلافات بين أهل السنة وأهل البيت، الفريقين اللذين ظهرا في إطار التطور التاريخي للإسلام، على أنها عداوة بين الجانبين، وتطوير استراتيجية صراع سياسي يومي من خلال هذا المفهوم الخاطئ. فأهل السنة وأهل البيت ينتمون إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم. ولا يمكن قبول الادعاء الذي يقول إن هذين العنصرين يعيشان صراعاً في ما بينهما، ومن ثم الدفاع عن هذه الفكرة. 4 - لا يمكن بأي حال من الأحوال الموافقة على اعتبار أي جماعة أو فرقة أو طائفة مسلمة مفهومها الديني أنه الحقيقة المطلقة، وأن تُقْصي المفاهيم الأخرى، وتكفرها، وتحكم بالقتل على من تكفرهم. كما أنه من المستحيل أن يتلقى أي منهج أو مفهوم أو رؤية تضفي صبغة شرعية على مثل هذه المفاهيم، الدعمَ من الدين الإسلامي. 5 - إن كل شخص يقول «أنا مسلم» يدخل في دائرة الإسلام، وليس لأحد صلاحية إخراج أي شخص من الإسلام. وكما أن الجماعات التي تتخذ التكفير أساساً لتفكيرها قد حُكم عليها من قبل الضمائر المسلمة في الماضي، فمن الواضح أن هذه الأفكار البدعية حديثة الظهور لن تَلقْى قبولاً اليوم من جانب الضمير الجماعي. ولن تسمح بصيرة المسلمين من أصحاب العقل والضمير وفراستهم لهذه الكيانات أن تُرَسِّخ أقدامها في أراضي العالم الإسلامي. 6 - لا يقبل أحد أن يقوم كيانٌ سينشأ على أنقاض عمليات إبادة الرجال والأطفال والنساء الأبرياء العُزلِ من ضحايا صراعات المصالح وإخراج الناس من ديارهم بغير حق، بالادّعاء أن منهجه متوافق مع الدين الإسلامي. 7 - لا يمكن قبول أحد الأطراف المتنازعة في العراق أن يطلق تصريحات تهديدية موجهة لهدم أضرحة شخصيات معنوية ذات أهمية لدى أهل البيت مثل سيدنا علي وسيدنا الحسين وأبي الفضل العباس الموجودة في النجف وكربلاء. وإن هذه الوضعية تُظهر كيف سيبتعد المسلمون عن الاستماع لصوت العقل والحكمة. ذلك أن الأماكن الاستثنائية مثل النجف وكربلاء، وكذا كبراء أهل البيت مثل سيدنا علي وسيدنا الحسين وأبي الفضل العباس، ليسوا قيما خاصة بالشيعة أو السنة فقط، بل هم قيمٌ كبيرة ومشتركة للأمة الإسلامية بأسرها. 8 - لا تمكن الموافقة على أن يعلن أحد الأطراف الجهادَ على طرف آخر. ذلك أن القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة لم يأمرا بالجهاد الذي يَعتبِر فيه مسلمٌ دمَ أخيه المسلم وروحه حلالاً يفعل فيهما ما يشاء. وإن أكبر أنواع الجهاد الذي يجب على المسلمين جميعاً اليوم الاهتمام به هو الجهاد ضد الجهل والتعصب والفتنة والفرقة. ولا يستطيع أحد أن يرى أنه مشروع أن يعيش الآخرين الظلم في إطار ادعاء الجهاد ضد الظلم. 9 - من المُقْلقِ للغاية أن تصدر فتاوى من علماء ومؤسسات دينية بطريقة عفوية في ظل مثل هذه الأحداث التي تعيشها الأمة حالياً. ويجب أن تكون أكبر مسؤولية تقع على عاتق علماء الدين اليوم هي إعادة تأسيس أخلاق وقوانين العيش جنباً إلى جنب في سلام، مع الأخذ بعين الاعتبار الاختلافات الدينية واللغوية والطبائعية والمذهبية الأيديولوجية الموجودة في العالم الإسلامي، وذلك بدلاً من أن يصدروا فتاوى داعية لتقسيم المجتمعات المسلمة. واليوم، كما أن ليس هناك قيمة لكلمة لا تطفئ نيرات الفتنة المشتعلة، فإن الفتاوى التي تتسبب في إراقةِ الدماء ليست ذات قيمة هي الأخرى. وإلا فإن العالم الإسلامي سيتحول بأسره إلى بيئة مليئة بالجريمة، والعلماء المسلمون سيتحولون هم أيضاً إلى شركاء في هذه الجريمة. وإن متابعة هذه التطورات بقلق فقط لا يكفي، فعلينا جميعاً التكاتف والتضامن وبذل الجهد المشترك من أجل إطفاء نار هذه الفتنة وشيكةِ الوقوع قبل أن تَنشُبَ في المنطقة الجغرافية كافة. 10- ينبغي لممثلي المؤسسات والهيئات الدينية في مناطق النزاعات الساخنة أن يجتمعوا سوياً ويُطلقوا مبادرات للحل الديني والأخلاقي الدائم للقضايا التي تعيشها مناطق الصراعات، والتي يأتي على رأسها العراق وسورية. كما يجب على هيئة تتشكل من قادة الرأي في المجال الديني– المعنوي في العالم الإسلامي، أن تبادر إلى طرح مبادرة من أجل القضاء على حالات الاستقطاب التي تركز على الاختلافات المذهبية. ذلك فضلاً عن ضرورة تحمل المؤسسات والهيئات الإسلامية المتمتعة بالصفة الدولية، المسؤولية في هذا الإطار. وتتشرف رئاسة الشؤون الدينية في تركيا أن تتزعم مثل هذه الجهود الرامية لجمع شمل علماء الدين من الشيعة والسنة في جميع أنحاء العالم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. يعلَن هذا البيان للرأي العام مع كامل الاحترام والتقدير...

مشاركة :