يونس السيدقيل الكثير عن نشأة ونمو وانتشار تنظيم «داعش» الإرهابي، وتعددت الروايات بعدما اجتاح في يونيو/ حزيران 2014 مساحات واسعة من أراضي سوريا والعراق، ونصب أبو بكر البغدادي نفسه زعيماً ل «دولة الخلافة»، التي أعلنها من جامع النوري في الموصل، لكن أحداً لم يكن يتوقع، أن تنهار هذه «الدولة - الخرافة» بمثل هذه السرعة، خصوصاً بعدما أعطته توقعات سابقة مساحة طويلة من الوقت تمتد إلى 30 عاماً. ما بين يونيو 2014 ويونيو 2017، ثلاث سنوات فقط، هي عمر «دولة الخرافة» قبل أن يتبدد هذا الوهم، وندخل في زمن احتضار «داعش»، وانهيار مشروعه الجهنمي الذاهب منذ البداية في عكس اتجاه التاريخ، لكن خلال هذه السنوات الثلاث سالت أنهار من الدماء، ودمرت مدن وقرى وحضارات، بكل ما يعنيه ذلك من عمليات إبادة وقتل وخراب وتدمير للبشر والشجر والحجر، لم تعرف لها البشرية مثيلاً، فهل كان على شعوب المنطقة أن تدفع كل هذا الثمن الباهظ لمغامرة قادها تنظيم إرهابي، بعد أن جذب آلاف المقاتلين من الغرب والشرق، وتوفرت له الأرضية الخصبة والتمويل اللازم للانتشار والتمدد كما الورم السرطاني في المنطقة والعالم. وبالعودة إلى سؤال الحقيقة والخرافة، نستذكر أن جذور هذا التنظيم الإرهابي ولدت من رحم التنظيم الأم «القاعدة»، تحت اسم «دولة العراق الإسلامية» قبل أن يندمج لفترة قصيرة مع نظيره السوري «جبهة النصرة» في عام 2011، ثم ينفصل عن «القاعدة» حاملاً معه اسم «داعش». بهذا المعنى، فإنه باسمه وبمضمونه الجديد كان وليد «الفوضى الخلاقة» التي رافقت ثورات ما سمي «الربيع العربي»، لكنه «سرعان ما تحول إلى مشروع استثماري لكل من هب ودب، وبالتالي أصبح مرتعاً للسياسات المتناقضة، وتصفية الحسابات على مساحة المنطقة والعالم. غير أن أخطر ما في «داعش» هو استخدامه الدين لتبرير كل جرائمه، وإخفاء حقيقة كونه مجرد أداة لتنفيذ مخططات ذات طابع محلي أو إقليمي أو مستوردة من خارج المنطقة.وللتستر على كل ذلك، فقد حاول الظهور بمظهر من لديه مشروع «دولة دينية»، سرعان ما تبين أنها لا تملك مقومات الدولة، ولا تحمل من الدين إلا شعارات مضللة، لم تخدع معظم الناس الذين وقعوا تحت سطوة جبروت القوة التي امتلكها التنظيم الإرهابي في غفلة من الزمن. وللمفارقة، فإن هذا الجبروت الذي أعلن عن مشروعه الوهمي، هو ذاته الذي فجر جامع النوري ومئذنة الحدباء، في إشارة قاطعة على انتهاء هذا المشروع وانتهاء زمن «داعش» معاً. younis898@yahoo.com
مشاركة :