الشارقة: عثمان حسن رغم سطوة الرواية على النتاج الأدبي الصادر في العشرين سنة الأخيرة، وما رافقها من حفاوة أدبية وإعلامية وجوائز، إلا أن هناك كتاباً ما زالوا ينجذبون إلى القصة القصيرة، وذلك نتيجة لقناعة بأن القصة هي شكل أدبي وفني، قادر على احتضان أفكار الأديب ومشاغله، وهو يمنحه حرية للتعبير عن الحدث أو الواقعة أو الفكرة التي يود معالجتها، كما يمنحه حرية مضاعفة في تكثيف الحادثة وإدارة الشخصيات والسفر بين دفتي الواقع والخيال، وإكساب قصته مشروعية في التعبير الأدبي دهشة وغرابة وتجسيداً إبداعياً صالحاً للتذوق والقراءة والحياة بين دفتي كتاب. هذا الاستطلاع يسلط الضوء على تجربة عدد من القاصّين الإماراتيين الذين أخلصوا لفن القصة، فعبروا عن رؤيتهم لهذا الفن وقاربوا بينه وبين الرواية كفن أدبي كبير، يحتاج إلى تجربة ثقافية تبتعد بها عن الثرثرة، كان هناك ثمة إجماع بين هؤلاء المبدعين على حرية الكاتب في اختيار الحقل الإبداعي الذي يود الكتابة فيه، وهو الذي مثل رؤية شفافة متقدمة تنحاز للإبداع، وتبتعد عن التشنج أو المغالاة. بداية يتفق القاص إبراهيم المبارك، على أن للكاتب مطلق الحرية في اختيار الشكل الذي يود أن يمرر من خلاله أفكاره، سواء عن طريق الشعر أو القصة أو الرواية، ولكنه يختلف مع كثيرين ممن بدأوا مشوارهم الكتابي من خلال الرواية، ولكنهم في حقيقة الأمر لم يقدموا شيئاً ذا بال أو بعبارة أصح كان نتاجهم لا يعدو كونه هذراً أو حكايات غير مترابطة، لا ينطبق عليها أي شكل أدبي معروف.القصة تأتي في مقدمة اهتمام إبراهيم مبارك فهي الوعاء الذي يستطيع من خلاله أن ينقل أفكاره، لا سيما أنها فن صعب ويحتاج إلى دراية وخبرة في سرد الأحداث الواقعية أو الخيالية، بما في ذلك بناء الشخصيات وتعميق الرؤية الدرامية في زمان ومكان مرسوم يعمق من حبكة القص ويثري فن المعالجة القصصية بكثير من المتعة والإدهاش.أما الرواية، التي هي فن عظيم كما يصفها إبراهيم المبارك، ورغم أنه مارس كتابتها حيث صدرت له مؤخراً واحدة، فهي ليست سهلة، فهي فن أدبي ونثري يتميز بالتشويق وتحتاج إلى قضية واهتمام أكثر وتعب من قبل الروائي على مستوى البناء والمواظبة عليه، وهي مسؤولية كبرى تتطلب مبدعاً مثقفاً ومواظباً يهتم بأدق التفاصيل. وتتفق القاصة صالحة عبيد مع ما طرحه إبراهيم المبارك، في أن المسألة ليست تمسكاً بجنس القصة القصيرة، قدر كونها قالباً يحتضن فكرة الكاتب - القاص، الذي يراها -أي القصة- وعاء يعبر من خلاله عن هاجسه الإبداعي، وأكثر من ذلك فهي تترك القصة حين تجد نفسها غير قادرة على التعبير عن فكرتها من خلالها، فتكتب شكلاً مختلفا.من جهة أخرى فإن اتجاه الكتاب إلى الرواية يفتح الباب على مصراعيه بشأن مناقشة الكثير من الروايات التي يقبل عليها البعض في تجاربهم الأولى، فتظهر أعمالهم مفككة وغير مترابطة، يمتزج فيها نوع من البوح، والهم الذاتي، ولكنها لا ترقى إلى الرواية كشل أدبي رفيع، الكثيرون هنا، كما تعتقد صالحة عبيد لا يدركون أن كتابة الرواية تحتاج إلى حرفية عالية.وهذا بطبيعة الحال، بحسب صالحة عبيد، لا ينفي توفر الموهبة عند كثيرين ممن يكتبون الرواية، من جانب آخر فالقصة جنس أدبي لا يقل أهمية عن الرواية، فغارسيا ماركيز ألف الكثير من القصص التي استحضرت واقعاً غنياً بالحكايات، فكتب أدباً متميزاً عابراً للحدود حتى قبل كتابته للرواية.ولا تبتعد القاصة نجيبة الرفاعي كثيراً عما طرح، فهي تميل إلى جنس القصة رغم كتابتها للرواية، وهي تؤكد على أن القصة كما الرواية فن أدبي رفيع، بل ربما تكون القصة أصعب في أحيان كثيرة، لجهة ما تحمله من تكثيف، وما تبنيه من علاقة بين الشخوص والأحداث والأفكار المطروحة، وما تكشفه من صراع بين الشخصيات، وهو السبب الذي يجعلها تميل إلى القصة.وفي تعليقها على اتجاه الكتّاب الجدد نحو الرواية، ترى أن كثيراً مما كتب فيه جناية كبيرة على جنس الرواية، (إلا من رحم ربي) لضعف الخبرة، وانسياق البعض نحو ما يشبه الموضة، وصعوبة تصنيف معظم ما يكتب بوصفه رواية ناجزة وعلى قدر من البراعة والتشويق والخيال على مستويي الشكل والمضمون.بدورها ترى القاصة عائشة عبدالله أنّ القصة القصيرة لا زالت حتى اليوم، هي الفن الأدبي الذي يجذبها بالرغم من سطوة الرواية على الجيل الجديد، وهذا الوهج الإعلامي الذي تستحوذ عليه الرواية، وهو يتزايد يوماً بعد يوم، ويكاد يأخذ في طريقه كل المبدعين صغاراً وكباراً، وعن سر هذا الانجذاب تؤكد عائشة عبدالله أن القصة هي الشكل أو الوعاء الأدبي الذي تستطيع من خلاله أن تفرغ كل طاقتها الإبداعية.من جهة أخرى، ومع تأكيدها على حرية الكاتب في اختيار الشكل الأدبي الذي يريده، فهي ترى استسهالاً في كتابة الرواية، هذا الفن الأدبي الفريد، ويكاد معظم ما تقع عليه عينها، لا يعدو أكثر من ثرثرة وانفلات تضيع معه مركزية العمل، فيغدو القارىء أمام أحداث وشخصيات غير مسيطر عليها.
مشاركة :