أنهى رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، تقليداً دأب عليه القادة الهنود بعد أن قرر قصر زيارته على إسرائيل دون فلسطين.ومن خلال امتناعه عن زيارة فلسطين، يؤكد مودي حدوث تحوّل في السياسة الخارجية الهندية عبر التخلي عن موقف نيودلهي التقليدي الصارم المناهض للاستعمار ودعم الموقف الفلسطيني، والتوجه نحو إقامة روابط تجارية وعسكرية أقوى مع إسرائيل.وتأتي زيارة مودي احتفاءً بمرور 25 عاماً على إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين، وترمي لتعزيز الروابط بين الجانبين، فضلاً عن التركيز التقليدي على قضايا الدفاع والأمن.ومع ذلك، فقد أعلنت الهند رسمياً أن علاقاتها مع كل من إسرائيل وفلسطين مستقلة ومنفصلة. وأثناء مؤتمر صحافي حول زيارة مودي التي تستمر 3 أيام وتبدأ في الرابع من يوليو (تموز)، قال السكرتير المعني بغرب آسيا، بالا بهاسكار، إن الهند حريصة على تعزيز التعاون مع إسرائيل بمجال الأمن الداخلي وتعزيز العلاقات الدفاعية الجيدة بين الجانبين.من جانبه، قال الدبلوماسي الهندي السابق تلميذ أحمد إن تجاهل زيارة رام الله لا يعني تراجع نيودلهي عن التزامها حيال القضية الفلسطينية، وإنما يشير إلى مساعيها لتدعيم علاقاتها مع إسرائيل. وأشار أحمد الذي عمل سفيراً للهند لدى المملكة العربية السعودية وعمان والإمارات العربية المتحدة، إلى أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس «لقي ترحيباً جيداً وحاراً للغاية» خلال زيارته الأخيرة للهند الشهر الماضي. كما شددت الحكومة، خلال هذه الزيارة، على التزامها بمصالح الشعب الفلسطيني.جدير بالذكر أنه سبق لمودي زيارة إسرائيل عام 2006 عندما كان المسؤول الأول عن ولاية غوجارات غرب الهند. والمعروف أن حزب بهاراتيا جاناتا اتخذ تقليدياً موقفاً أقرب إلى إسرائيل، ولطالما أبدى إعجابه بإسرائيل لاستخدامها القوة الخشنة. وكان من المتوقع منذ أمد بعيد أن يجعل مودي إسرائيل واحدة من أولى وجهاته الخارجية. وأشار علانية إلى عزمه زيارة إسرائيل بعدما التقى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في واشنطن في سبتمبر (أيلول) 2014. إلا أن الزيارة تأتي الآن بعد 3 سنوات من تولي مودي رئاسة الوزراء.الملاحظ أن القضية الفلسطينية لطالما احتلت مكانة مهمة في السياسات الهندية، منذ انطلاق حركة الاستقلال. كان المهاتما غاندي قد أعرب عن دعمه للقضية الفلسطينية منذ مطلع عشرينات القرن الماضي. وقد تجلى ذلك في دعم حزب المؤتمر الهندي والهند المستقلة لاحقاً لقيام دولة فلسطينية حرة.من جانبهم، بذل الصهاينة محاولات للتقرب إلى غاندي، لكن دونما جدوى. وآمن غاندي بضرورة وجود موافقة عربية - فلسطينية على قيام «كيان يهودي» على أرض فلسطينية. بهذا الصدد، قال المعلق السياسي أسيش راي إنه يتعين على مودي التعامل بحذر مع تل أبيب، مضيفاً أنه «ما من ضرر وراء زيارة رئيس وزراء هندي لإسرائيل ما دام أن مودي لا يبالغ في تقربه منها».وخلال الفترة التي سبقت زيارة مودي، شهدت العلاقات الهندية - الإسرائيلية كثيراً من الحراك على امتداد الشهور الثلاثة الماضية. ومنذ أيام قليلة مضت، أعلنت شركة «إسرائيل إيروسبيس إندستريز» عن صفقة بقيمة 630 مليون دولار لإمداد 4 سفن بالبحرية الهندية بمنظومات دفاعية صاروخية وطويلة المدى.وفي أبريل (نيسان)، جرى الإعلان عن إعادة تسمية طريق «تين مورتي مارغ» بدلهي، بحيث يحمل اسم مدينة حيفا الإسرائيلية. أما في مارس (آذار)، فقد أعلنت القوات الجوية الهندية مشاركتها في تدريبات قتالية جوية مع إسرائيل تحمل اسم «العلم الأزرق»، وذلك في وقت لاحق من العام، والتي سيشارك بها عدد من الدول الأخرى مثل الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا.وفي تصريحات لصحيفة «ذي هندوستان تايمز»، قال السفير الإسرائيلي لدى الهند دانييل كارمون إن «إسرائيل تولي زيارة رئيس الوزراء الهندي أهمية كبيرة». وكشفت مصادر هندية دبلوماسية أن مودي ونظيره الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيعقدان محادثات شاملة في 5 يوليو لاستكشاف سبل تعزيز التعاون بين البلدين في عدد من المجالات الاستراتيجية. ومن المنتظر أن يعمد الزعيمان لتعميق التعاون بين الجانبين في المجال الدفاعي، وكذلك المياه والزراعة وغيرها.والملاحظ أنه رغم استمرارها شريكاً استراتيجياً للولايات المتحدة، فقدت إسرائيل قدراً كبيراً من نفوذها السياسي والدبلوماسي داخل أوروبا التي ينتقد كثير من بلدانها سياسات إسرائيل. كما تحول قطاع كبير من المجتمع الغربي نحو عداء إسرائيل بعد أن كان ذات يوم داعماً قوياً لها، مع انطلاق مساعٍ لمقاطعة إسرائيل وفرض عقوبات سياسية ضدها في إطار كثير من المحافل الدولية.من جانبها، سعت إسرائيل لتوسيع نطاق جهودها للتقرب إلى عدد من الدول التي كانت علاقاتها بها فاترة من قبل، مثل روسيا والصين والهند. وبالنظر إلى برنامج زيارة مودي، نجد أنه سيصل إلى إسرائيل ظهيرة الرابع من يوليو. وسيزور مركز الابتكار الزراعي، ثم يختتم اليوم بزيارة إلى النصب التذكاري لضحايا المحارق النازية.وفي اليوم التالي، سيلتقي سياسيين بارزين، كما سيشارك في منتدى يحضره قرابة 30 من كبار أصحاب الأعمال، ثم يزور مقابر الجنود الهنود الذين قتلوا في الحرب العالمية الأولى ودفنوا في حيفا. بعد ذلك، سيلقي مودي كلمة أمام حشد من أبناء الجالية الهندية.من جانبها، وتأكيداً على أهمية الزيارة، من المقرر أن تنظم إسرائيل استقبالاً لمودي على مستوى استقبال الرؤساء الأميركيين نفسه. وسيقيم مودي في الجناح الفندقي ذاته الذي سبق أن استضاف الرئيس الأميركي دونالد ترمب. والواضح أن إسرائيل تولي مودي أهمية غير مسبوقة، مما ينعكس في استقباله في المطار من طرف 40 إلى 50 مسؤولاً إسرائيلياً رفيع المستوى، وهو مستوى من الاستقبال عادة ما يقتصر على بابا الفاتيكان والرئيس الأميركي.
مشاركة :