أسواق البضائع المستعملة صالحة لكل زمان ومكان في المغرب بقلم: فيصل عبدالحسن

  • 7/3/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

أسواق البضائع المستعملة صالحة لكل زمان ومكان في المغربلا تزال أسواق البضائع المستعملة رائجة في الدول العربية وتشكل ملاذا للفقراء الباحثين عن البضائع الرخيصة، لكنها تحمل خصوصية فريدة في المغرب بنوعية البضائع التي تحتويها وتقاليد المهنة وأسرارها.العرب فيصل عبدالحسن [نُشر في 2017/07/03، العدد: 10680، ص(20)]امتداد للزمن القديم الدار البيضاء (المغرب)- تنتشر أسواق المواد المستعملة والقديمة في أغلب المدن العربية، ولا فرق بين دول عربية غنية أو فقيرة، ففي كل الأحوال توجد هذه الأسواق، ليقتني الناس من مختلف الشرائح الاجتماعية حاجاتهم منها، سواء من الباحثين عن البضائع الرخيصة أو من هواة جمع الأنتيكا. توجد في الدار البيضاء سوق كبيرة للمواد المستعملة تدعى درب غلف، وأخرى لقريعة، وبفاس سوق العطارين، وبمراكش السمارين، وبالرباط العكاري، والتقدم والنهضة، ويسمى هذا النوع من الأسواق في المغرب بأسواق البالي. ولهذه الأسواق بالمغرب زبائن يعدّون بالملايين، ويعمل في هذا القطاع حسب بيان لوزارة الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني لعام 2016 ما يقارب ربع مليون مغربي، يتوزعون على أنشطة مختلفة كسوق السيارات المستعملة وخردة الماكينات والملابس المستعملة والأنتيكات والأجهزة المستعملة والأثريات. ويعمل الحاج مصطفى المنياري، الذي تجاوز عمره السبعين، في هذه التجارة منذ أربعين سنة. وهو صاحب حانوت، وأمين سوق مستعملات النهضة، وقد تنقل بين أنواع هذه التجارة ابتداء من بيع الملابس المستوردة وهو شاب صغير في العشرينات من عمره.ملاذ لربة المنزل وتحدث المنياري لـ“العرب” كيف أنَّ تاجراً فرنسياً اختاره في الخمسينات، ليكون وكيله في المغرب على ما يورّده من ملابس “البالة”، القادمة من باريس ومرسيليا. ويضيف أنَّه كان رجلاً لطيفاً وكريماً وقد علمه أصول المهنة. ابتداء من استقبال الشحنة ثم فرز الملابس الرجالية والنسائية وملابس الأطفال على حدة؛ ثم تأتي بعد ذلك مرحلة إصلاح العيوب في هذه الملابس؛ كرتق الشقوق ووضع الأزرار بدل المفقودة. ويتم بعد ذلك دفع كل نوع إلى “التصبين” (الغسل) ثم يجفف ويكوى. ولكل نوع من الملابس أسعاره؛ ملابس النساء هي الأغلى، تليها ملابس الأطفال. ويقول الحاج ضاحكاً “في كل بالة أجد في جيوب بعض الملابس أوراقاً نقدية أجنبية نُسيت في الجيوب، وكان هذا يضاعف من ربحي”. ويصف عمله بـ”الحرفة التي لا تغني إنما تستر صاحبها وتزيد في عمره”. ويتنهد الحاج متذكراً أياماً حلوة قضاها في سوق البضائع المستعملة في المدينة القديمة. ويتذكر أنَّ محله كان من بين أكثر من أربعين محلاً من محلات بيع الأنتيكات والملابس القديمة. وكان زبائن تلك السوق من الفرنسيين والأسبان والمغاربة. وكان الأجانب يبحثون عن الأشياء القديمة؛ التي يبيعها المغاربة المحتاجون، وهي بعض الأثاث الخشبي القديم، كالصناديق التراثية، وأدوات الزينة كالمراود والمساوك، وسروج الخيول، والسجاد، وبعض أدوات سفن البحر القديمة، كالأسطرلاب وغيرها. يكره الحاج مصطفى، التقاط الصور الشخصية، ولا يزال يعتقد أنَّ بعض الأشياء القديمة، التي يبيعها لا تزال فيها بركة وسلام، وسعادة الناس الذين استعملوها، قبل أن تضطرهم الحاجة أو الرغبة في التغيير إلى بيعها. ويعتقد أيضاً أنَّ الأشياء القديمة أفضل بكثير من الأشياء الجديدة التي تباع في الأسواق، وهو شخصياً يستعمل في بيته جهاز تلفزيون من إنتاج السبعينات، لأنَّه يعتقد أنَّ هذه الأنواع أكثر متانة مما يصنع اليوم. واعتقاده هذا يشمل جميع الأشياء التي يستعملها الناس، فهو يظن أنَّ العالم لا يسير إلى الأمام بل هو يتحايل ليصير أكثر رداءة وسوءاً. ويردّد لزبائنه لازمته المشهورة “نبيع القرد ولا نضحك على الذي اشتراه”. كما يكرر لزبائنه قوله “الجديد جديد والبالي لا تفرط فيه، والدنيا دراعة (صدريّة) كل واحد يلبسها ساعة”. ويقع محل المنياري الصغير بسوق النهضة بين عشرين محلاً لبيع الأنتيكات والملابس القديمة، والأحذية المستعملة والأثاث. وكل ما يخطر لك على بال موجود لديه، وما أن تسأله عن حاجة حتى تجد بديلاً رخيصاً لها عنده، وحين لا يجدها في دكانه، فهو يصطحبك إلى محلات مجاورة، لتجد ضالتك. يعتبر المنياري “شيخ المهنة” فهو يعرف أصحاب جميع محلات الأشياء المستعملة، وكذلك “الفراشة” (أصحاب البسطات على الأرض) الذين يبيعون أشياءهم القديمة بـ”رخص التراب”، كما يقول. بنى الحاج عالما كاملا من العلاقات مع الباعة، وقد تم اختياره أميناً لسوق المستعملات، والأمين في هذه الأسواق التجارية يعني “الحكم العدل” بين البائع والمشتري، إذْ عندما يقع اختلاف على سعر بضاعة معينة بين البائع والمشتري يتوجهان إلى دكان الحاج المنياري، ليحدد بخبرته وطول باعه الثمن المناسب للسلعة. وتكون أحكامه ملزمة للطرفين.الأجانب يبحثون عن الأشياء القديمة التي يبيعها المغاربة المحتاجون، مثل الصناديق التراثية ولكل سوق من أسواق البضائع المستعملة أمين يقوم بتثمين السلع القديمة. يقول المنياري “إنَّ هناك معايير للحكم في هذا الموضوع، ومنها أنَّ السلعة لا تزال صالحة، وإذا كانت قطعاً نقدية فتأريخ سكها يحدد ثمنها”. تباع في هذه المحلات مختلف أنواع البضاعة: شمعدانات، تماثيل نحاسية، ساعات جدارية ويدوية، مكبرات صوت، مناظير مقربة، أجهزة غرامافون، أجهزة راديو، ماكينات خياطة قديمة، ماكينات طباعة يدوية، صالحة وأخرى عاطلة. ولكل قطعة سعر معين، أما إذا كانت جديدة، ولم تستعمل من ماركة قديمة، فسعرها يفوق أسعار الماكينات الحديثة بعدة مرات. ويؤكد يوسف زكريا (40 سنة) صاحب “بسطة” لبيع أواني الطبخ المستعملة، إنَّه منذ بدأ هذه التجارة والحاج المنياري قبل عشر سنوات دليله في معرفة أثمان الشراء، وبيع أدوات الطبخ المنزلية. “فهو يعرف أسعارها منذ خروجها من المصنع أول مرة، ويعرف سمعة المنتوج لدى المغاربة. وما يحدده لي من ثمن هو الثمن الذي أبيع أو أشتري به”. ويضيف زكريا عن أسعار ما يبيعه من أواني الطبخ “أنَّ السعر يتراوح بين 100 درهم و150 درهماً (10.52ــ 15.78 دولار)، وأشتري هذه السلع ممن يبيعها بأقل قليلاً من هذا السعر. وإن كان سعره في السوق، وهو جديد يصل إلى 300 درهم (31.57 دولار) ولكن كما هو معروف إنَّ سعر الجديد غير سعر المستعمل”. وتابع “أغلب زبائننا من الفقراء، الذين لا يستطيعون شراء الجديد. وعادة يبيع الناس قديمهم لأنَّهم يحتاجون إلى المال أو رغبة في شراء سلعة جديدة بدل السلعة المستعملة لمواكبة الموديل وتحسين مظهر مطبخ البيت”. ويستطرد يوسف “عملنا فيه الكثير من الأسرار، التي لا يعرفها الناس، ومن بينها أنَّ التعاون بين بائعي البسطات وأصحاب محلات المواد المستعملة تتم بإشارات خاصة، لا يعرفها من لا يعمل في هذه الحرفة. وهي إشارات عن أسعار المواد، ومقدار الربح، وإن كان البائع أجنبياً أم مغربياً، وهل أنَّ البضاعة المستعملة مقلّدة أو أصلية، فللأسف في هذه المهنة كغيرها من المهن الكثير من النصابين والمخادعين الذين يخدعون الناس بتقليد الأثاث الخشبي على أنَّه قديم يعود للخمسينات، لأنه مشهور بجودته ودقة صناعته، وغلاء أخشابه وهو في الحقيقة تم عمله في العكاري؛ سوق للنجارين وسط مدينة الرباط. وتؤكد السيدة مهدية المساري (40 سنة) ربة بيت، لـ”العرب” أنَّها تشتري معظم حاجات عائلتها من سوق المستعملات، فهي أمتن، وتبقى صامدة لعدة سنوات بعكس المواد الجديدة الغالية. والتي تظهر بمنظر جيد، لكنها لا تمتلك متانة المصنوع القديم. وتقول المساري إنَّ معظم ملابس بناتها، وأولادها تشتريها من سوق البضائع المستعملة لأنَّها من ماركات عالمية، وهي جيدة، كما أنَّ أسعارها في المتناول؛ وبذلك تستطيع تدبير أمور أسرتها براتب زوجها التقاعدي، الذي لا يتجاوز الـ4000 درهم (421 دولارا) وكذلك فإنها تبدل بين فترة وأخرى قطعاً من أثاث بيتها بما تجده ملائماً في سوق الأنتيكات.تاريخ كل سلعة يحدد ثمنها وتزود بناتها بنوعية ممتازة من الأحذية النسائية المستعملة قليلاً وبعضها لم يستعمل أصلاً. ويبدو أنَّ بعض الأغنياء يبدلون موديلات أحذيتهم من دون أن يستعملوها، ولو مرة واحدة. وتضيف المساري ضاحكة “لا تظنّ أنَّ الفقراء وحدهم من يتردد على سوق المستعملات، ويشترون بضائعها بل هناك الكثيرون من الأغنياء يفضلون شراء ملابس مستعملة من ماركات مشهورة، وأنتيكات قديمة لأنَّها متينة وجميلة، وتذكرهم بأيام الشباب الجميلة”. وتستذكر بسرور أنَّها في أشد الأزمات المالية التي مرت بها عائلتها وجدت في مرات كثيرة أوراقاً مالية من فئة اليورو والدولار في جيوب الملابس القديمة أو بين أدراج أثاث خشبي اشترته من سوق البضائع المستعملة. وكانت تلك مناسبات نادرة صارت سبباً حقيقياً لسعادتها وأسرتها. ولا تقتصر أسواق البضائع المستعملة على المغرب، إذ تشتهر الكثير من الأسواق في مختلف الدول العربية، حيث توجد في الرياض سوق شهيرة تدعى “بن قاسم” تجد فيها كل ما يخطر لك على بال وما لا يخطر. وفي الكويت العاصمة، سوق الغربللي، وفي صنعاء سوق باب اليمن، مخصّصة لبيع الأشياء القديمة والمسروقة. وفي بغداد توجد سوق الهرج. أما في ضواحي القاهرة فهناك “سوق الجمعة”، وفيها حيوانات مختلفة للبيع، ومواد مستعملة، وأخرى عتيقة جداً أو مقلَّدة يعود بعضها إلى العصر المملوكي. وتوجد في طرابلس اللبنانية سوق البالة، التي تباع فيه ملابس مستعملة من ماركات عالمية مشهورة. ويفضل اللبنانيون هذه الملابس لانخفاض أسعارها، وجودة أقمشتها، مقارنة بالملابس الجديدة. وبتونس العاصمة سوق الملاسين، وفي الجزائر سوق رويسو.

مشاركة :