الالتباس الأميركي بين قبول الإسلام السياسي أو رفضه بقلم: ماجد كيالي

  • 7/3/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

الولايات المتحدة الأميركية، بإداراتها المتعاقبة، من مسألة وصول تيارات الإسلام السياسي إلى السلطة، ومن مسألة “نشر الديمقراطية في العالم العربي”، محفوفا بالالتباسات والتناقضات والتساؤلات. هكذا شهدنا أن إدارة جورج بوش (الابن) تبنّت خطة “نشر الديمقراطية (في العام 2002) واعتبرتها جزءا من برنامجها لترشيد أنظمة الحكم في العالم العربي، وأنها تبنّت إلى حد ما فكرة عدم ممانعة صعود تيارات الإسلام السياسي، عبر الانتخابات، إلى السلطة في العديد من الدول، وإن أخضعت ذلك لاشتراطات سياسية أو قيدتها بمعايير معينة، وهو الأمر الذي استمر، على الأغلب، حتى نهاية عهد الرئيس السابق باراك أوباما. ومن متابعة مواقف المسؤولين في الإدارة الأميركية، في عهدي بوش وأوباما (2000 – 2016)، يمكن ملاحظة أنهم على دراية تامة بالإشكاليات التي يمكن أن تتمخّض عنها العمليات الانتخابية، أو عملية “نشر الديمقراطية”، في المنطقة العربية، إلى حدّ أنهم أعلنوا إصرارهم على التمسك بها، ولو بثمن مجيئها بنتائج غير متوقعة، وحتى معاكسة للرغبات الأميركية، باعتبار ذلك يعكس تداعيات “مرحلة انتقالية ضرورية”، بحسب تعبير لكوندوليزا رايس، في حينه، كما باعتبار أن ذلك قد يخلق تحولات مهمة في التيارات الإسلامية، خصوصا لجهة التصالح مع الديمقراطية ومع الغرب.لطالما وظفت الولايات المتحدة الدين في الصراع ضد الشيوعية، ولطالما عبرت عن تعاطفها وأحيانا دعمها للحركات الإسلامية، وضمنها حركة الإخوان المسلمين، في العالم العربي وفي الواقع فإن الولايات المتحدة كانت تحاول، عبر الإصرار على الانتخابات، توظيف هذه العملية في اتجاهات عدة، لعل أهمها يتمثّل في: *أولا؛ استقطاب البيئات الشعبية العربية وتصوير نفسها كمؤيد لمطالبها المتعلقة بإصلاح أنظمة الحكم والتغيير السياسي والديمقراطية. * ثانيا؛ ابتزاز الأنظمة العربية بالديمقراطية والانتخابات حتى لو وصل الوضع حد اعتماد بدائل إسلامية على أساس أن هذه سيمكن السيطرة عليها وقتذاك. *ثالثا؛ تحسين صورتها في العالم العربي والإسلامي كمساند للإسلام مقارنة بالدول الأوروبية العلمانية التي ترسل إشارات متشددة تجاه الإسلام بين فترة وأخرى. * رابعا؛ بعث رسالة إلى المسلمين مفادها بأنها ليست ضد الدين الإسلامي أو ضد تيار “الإسلام السياسي” بقدر ما هي معادية للحركات المتطرفة/ الإرهابية. * خامسا؛ السعي إلى إدخال الإسلام السياسي المعتدل (وضمنه حركة الإخوان المسلمين) في خندقها في مواجهة الحركات الإسلامية المتطرفة والإرهابية. * سادسا؛ تقديم مساعدة لنموذج الإسلام السياسي السني (في فلسطين ومصر وتونس والمغرب) في محاولة منها للتخفيف من دعوى دعمها للإسلام الشيعي في العراق. بيد أن هذا الوضع كشف قضيتين أو إشكاليتين، أولاهما تتمثل في الموقف الأميركي من الدين والتيارات الدينية. فالولايات المتحدة، على الصعيدين المجتمعي والسياسي، ليست معادية للدين، على الرغم من علمانيتها، حيث نسبة التدين فيها عالية جدا قياسا بالمجتمعات الأوروبية. أيضا، فإن الولايات المتحدة لم تشهد في تاريخها حالا من الصراع بين المتدينين والعلمانيين، وليس ثمة تراث من الصراع بين الكنيسة والدولة أو بين السلطة الدينية والمدنية (كما في التجربة الأوروبية).الولايات المتحدة هي المسؤولة، بشكل غير مباشر، وربما مباشر، عن تنامي التيارات الإسلامية المتطرفة والإرهابية ولعل ما تقدم يفسر أن الولايات المتحدة تبدو أكثر تصالحا مع الدين والتيارات الدينية، كما يفسّر ذلك، ضمن أسباب أخرى، واقع أن العداء للحركات الإسلامية في أوروبا أكثر منه في الولايات المتحدة لتباين الخلفيات الاجتماعية والثقافية والتاريخية بينهما، إضافة طبعا إلى البعد الجغرافي إذ أن الولايات المتحدة بعيدة جدا عن العالم العربي وهي لا تتأثر به بالقدر الذي تتأثر القارة الأوروبية؛ على نحو ما شهدنا في السنوات الماضية، وتبعا للتداعيات الناجمة عن الصراع السوري. أيضا، فبالنسبة إلى التاريخ السياسي العالمي، فلطالما وظفت الولايات المتحدة الدين في الصراع ضد الشيوعية، ولطالما عبرت عن تعاطفها وأحيانا دعمها للحركات الإسلامية، وضمنها حركة الإخوان المسلمين، في العالم العربي. لكن الإشكالية هنا تكمن في أن الولايات المتحدة هي المسؤولة، بشكل غير مباشر، وربما مباشر، عن تنامي التيارات الإسلامية المتطرفة والإرهابية، في بعض الأحيان، ولتوظيفات سياسية معينة في حقبة الحرب الباردة وفي مرحلة الصراع على أفغانستان (أسامة بن لادن وجماعة القاعدة وطالبان إلخ)؛ وهي الظاهرة التي خرجت عن سيطرتها ووصلت إلى ما وصلت إليه، وضمنه الهجوم الإرهابي على الولايات المتحدة نفسها في 11 سبتمبر 2001، كما أنها هي بالذات المسؤولة عن تصدر الإسلام السياسي الشيعي في العراق. أما الإشكالية الثانية، فتتعلق بخطة “نشر الديمقراطية” (التي تم التراجع عنها إلى حد ما في عهد إدارة باراك أوباما)، إذ أن نتائج هذه الخطة لم تكن مشجعة، ليس فقط بسبب الشبهات التي ظلت تحوم حول السياسة الأميركية، في فلسطين والعراق، ومشاريع الهيمنة على المنطقة، وإنما بسبب الواقع العربي ذاته الذي يعطي بالانتخابات نتائج معاكسة للطموحات الأميركية، كما حصل خصوصا في التجربتين الفلسطينية والمصرية، إذ لم تحصل تغيرات عميقة كالتي توختها الإدارات الأميركية. المشكلة أن الولايات المتحدة لا تستطيع شيئا إزاء هذا الوضع، فهي لا تستطيع التنكّر للانتخابات، لأن ذلك يضرّ بصدقيتها، وفي الوقت نفسه فهي غير قادرة على التسليم تماما بتزايد نفوذ القوى المتطرفة المعادية لها وللغرب، وتمكينها من إمكانات النكوص عن المسار الديمقراطي ذاته مستقبلا. فوق هذا فإن صعود الحركات الإسلامية إلى السلطة خلق إشكاليات كبيرة، إذ شكلت التربة الخصبة لنمو الجماعات الإرهابية، كما شهدنا في التجربة السورية والعراقية والليبية، كما أنها أثارت مشاعر التعصّب ضد الآخر، وضد الغرب عموما، وهو ما تجلى في العمليات الإرهابية في العديد من الدول الأوروبية في السنوات الماضية. ولعل هذا كله يفسر تلك القطيعة التي بدأتها الولايات المتحدة مع هذه الحركات، والدفع لإخراجها من السياسة، خاصة وأن التيارات الإسلامية التي تدعي أنها معتدلة لم يبدر منها ما يميزها عن التيارات الإرهابية المتطرفة، من خلال قطعها مع هذه التيارات ورفض تغطيها بالإسلام، وتحديدا تفنيد أطروحاتها المتعلقة بالحدود والحاكمية والجهاد والخلافة.

مشاركة :