"كفر دلهاب".. قليل من الرعب كثير من الإسقاط السياسي بقلم: هشام السيد

  • 7/4/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

كفر دلهاب.. قليل من الرعب كثير من الإسقاط السياسيعقب بث مسلسل “كفر دلهاب” في الموسم الدرامي الرمضاني المنقضي سادت حالة كبيرة من التساؤل بين المشاهدين وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب ما تضمنه العمل من أحداث جديدة على الدراما التلفزيونية المصرية، خاصة في ما يتعلق بالغموض الشديد وعدم وضوح رسالته بالضبط، أو بسبب الإسقاطات السياسية التي جعلت البعض يؤكدون أن “كفر دلهاب ” ما هو إلاّ مصر الآن.العرب هشام السيد [نُشر في 2017/07/04، العدد: 10681، ص(16)]أحداث غامضة حتى النهاية القاهرة – بدأ خط سير الأحداث في المسلسل المصري “كفر دلهاب” الذي عرض في الموسم الرمضاني المنقضي بطيئا للغاية، ومن خلاله عرف المشاهدون أن هناك مؤامرة كبيرة تجري في هذا الكفر، ورأينا تفاصيل وأحداثا صغيرة وخيوطا تتشابك توحي بأن أجواء المسلسل هي الحياة خلال القرن السابع عشر على الرغم من أن الفترة الزمنية مجهولة تماما. ويعد المسلسل نجاحا جديدا للنجم المصري يوسف الشريف (بطل العمل)، وأيضا للسيناريست عمرو سمير عاطف الذي يعتبر هذا العمل رابع تعاون له مع الشريف، كما أنه خامس تعاون للشريف مع المخرج أحمد نادر جلال. وجعلت اختيارات يوسف الشريف لما يقدمه في التلفزيون على مدار السنوات السبع الماضية ممثلا ناجحا يستطيع أن يحافظ على مساحته الجماهيرية دائما في الأعمال التي يقدمها، حتى أصبح له جمهوره الخاص به وينتظره في كل عام. تبدو أعمال دراما الرعب متشابهة في ما بينها، إلاّ أن ما يميزها عن بعضها البعض هو خط سير الأحداث والبطل، ومسلسل “كفر دلهاب” يدور في إطار من الرعب والتشويق، وهي النوعية التي قلما نجدها في الدراما المصرية، واستطاعت الفانتازيا الجديدة (الإسراف في الخيال) في المسلسل أن تجذب الجمهور بشكل غير عادي. ورأى البعض من المشاهدين في المسلسل تجربة جديدة ليوسف الشريف (يقوم بدور الطبيب سعد) الذي طالما تأثر في مسلسلاته بالأعمال الأجنبية ويعتمد دائما على التشويق والإثارة، وظهر هذا في “القيصر” و”لعبة إبليس”، ورأى نقاد أن “كفر دلهاب” تأثر فيه الشريف بـ”هاملت” شكسبير من حيث الغموض والتساؤلات التي لا نهاية لها وقلق العقل وحيرته.ثيمة المسلسل قامت على الروح المنتقمة التي قتلت غدرا وظلما وهو ما تناولته السينما الأميركية في الكثير من أفلامها ريحانة هي الثورة وجد متابعون أن المسلسل -الذي تم تصوير عدد من مشاهده الخارجية في واحة سيوة بالصحراء الغربية المصرية ورُوعي في تصميم ملابسه التطابق مع البيئة التي تدور فيها الأحداث- قائم على الإسقاط السياسي، وأن “كفر دلهاب” هو مصر، بينما شيخ الخفر هو رئيس الدولة، و”اللعنة” هي دماء شباب ثورة يناير، أما الفتاة المقتولة ظلما “ريحانة” فهي الثورة نفسها. وكان أكثر ما أثار فضول المشاهدين وتساؤلاتهم ذلك الغموض الكثيف الذي ملأ المسلسل، بدءًا من شخصية يوسف الشريف الذي لا يعرف أحد تاريخه، ولا من أين جاء، وهل هو يساعد ريحانة لوجه الله أم أنه ينتقم لنفسه لسبب ما؟ وقد رأينا كيف أن “الطبيب سعد” يعاني كوابيس مستمرة لامرأة تُدفن وهي حية، ودائما ما تظهر وهي ترتدي عقد لؤلؤ ملفتا للانتباه وفي الخلفية طفل صغير لا يعرف أحد هويته. والمسلسل الذي حقق نسبة مشاهدة عالية في مصر واعتبره كثيرون الأفضل في الدراما الرمضانية لهذا العام، لفت نظر العديد من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي وربطوا بين أحداثه وبين الأحداث السياسية في المجتمع المصري. وروجت قنوات وصفحات تابعة لجماعة الإخوان أن يوسف الشريف أراد انتقاد الحكومة المصرية من خلال الإسقاطات التي فيه، ونشرت صحف محسوبة على الجماعة تقارير أشارت فيها إلى أن القتيلة “ريحانة” تمثل ثورة 25 يناير وما جرى لها على يد الشرطة، المتمثلة في المسلسل في شيخ الخفر وقاضي المدينة ورجال الأعمال، والذين تنحصر السلطة في كفر دلهاب بين أيديهم ويتحكمون في مصائر الناس فيها. وترددت عبارة في المسلسل رآها المتابعون تعبيرا عن ضياع حقوق شهداء مصر على مدار الفترة من ثورة 25 يناير حتى الآن، وهي “طالما بقيت لعنة الدم فلا استقرار ولا حياة لشهود الزور.. فالدم معلق في رقاب الجميع من دون استثناء”، وكذلك لاحظوا كيف أن شيخ الخفر صنع مقاما وضريحا مزيفيْن وضع فيهما ريحانة، كأن في هذا إشارة إلى التغني بالثورة رغم دفنها. ورأى آخرون أن تعمد مؤلف العمل، عمرو عاطف، إخفاء الفترة الزمنية التي تدور فيها أحداث العمل كان لخوفه من أن يكون الإسقاط على أحداث مصر منذ ثورة 25 يناير واضحا وصريحا، رغم أن نهاية المسلسل كانت غير متوقعة ومفاجئة للجميع. اعتمدت الأحداث الرئيسية للعمل الدرامي على تقديم روح هائمة تبحث عن الخلاص هي “ريحانة”، وأيضا فتاة أخرى ممسوسة وهاربة، ومع أنه طرح جيد ومشوق، غير أنه سبق وتم تجسيده من قبل في أفلام سابقة وبالتالي لم يأت بجديد، إذ قام على ثيمة “الروح المنتقمة” التي قتلت غدرا وظلما وهو ما تناولته السينما الأميركية في الكثير من أفلامها.رغم كل هذه الانتقادات، بدا (كفر دلهاب) مسلسلا قويا، وأثبت فيه الشريف أنه أصبح أحد أفضل ممثلي الدراما أصحاب الجمهور الذي ينتظره في كل عام حكاية شيقة يجيد الطبيب سعد في “كفر دلهاب” علم التشريح، ومع ذلك يؤخذ على الشخصية افتقارها إلى العمق اللازم، حيث بدت منساقة خلف هدف غير واضح منذ البداية، وكذلك فإن المطّ والتطويل أفقداها هدفها في مرحلة ما من الأحداث، وهو ما أدى إلى عزوف المشاهد عن متابعة مشاهد كثيرة رأى أنها لا لزوم لها، علاوة على أنه كانت هناك أزمة في ما يخص بعض الأشياء الصغيرة، سواء بعض الملابس أو صافرة الحيوانات التي استخدمها الطبيب، حتى أن كاميرا أحد مصوري المسلسل ظهرت للمشاهدين في مشهد سريع. ورغم كل هذه الانتقادات، بدا “كفر دلهاب” مسلسلا قويا، وأثبت فيه الشريف أنه أصبح أحد أفضل ممثلي الدراما أصحاب الجمهور الذي ينتظره في كل عام، خاصة أن مسلسلات الرعب تتطلب جهدا وعملا كبيرين للغاية، وليس سهلا أن تقنع المشاهد بأن ما يراه أمر مخيف يجعله يكتم أنفاسه، أما بالنسبة إلى المخرج أحمد نادر جلال فقد نجح في تقديم مسلسل جيد به العديد من القدرات الفنية اللافتة. كتابة الرعب أصعب بكثير من كتابة أنواع الدراما الأخرى، لأن المتفرج ما لم يصب بالرعب فسوف يضحك، وبالتالي ستتحول حالة الجدية إلى سخرية بحتة، وفي هذا الإطار قدم مسلسل “كفر دلهاب” جهدا معقولا ومحمودا أيضا، حيث حفلت الدراما المصرية على مر تاريخها بالعديد من المسلسلات الاجتماعية والسير الذاتية والكوميدية والرومانسية، بينما هناك ندرة في مسلسلات الرعب والأجواء الغامضة.

مشاركة :