قررت السلطات المغربية تقليص الحضور الأمني في مدينة الحسيمة وضواحيها التي تتواصل بها الاحتجاجات منذ ثمانية أشهر، وذلك في مبادرة لتهدئة الأوضاع في منطقة الريف، وفسح المجال للبدء في تنفيذ مشاريع التنمية. كما تأتي هذه الخطوة تلبية لأحد أبرز المطالب التي نادى بها «حراك الريف»، والمتمثلة في «رفع مظاهر العسكرة» داخل المنطقة.وأكد فيصل أوسار، ممثل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في الحسيمة، لـ«الشرق الأوسط»، انسحاب قوات الأمن من ساحة محمد الخامس بالمدينة، ومن بلدة أمزورن المجاورة، وقال إن هذه الخطوة تهدف إلى «تهدئة الأجواء بالمنطقة وإعادة الثقة التي فقدت»، مضيفا أن الجمعية سبق لها أن نبهت إلى أن «الخيار الأمني فاشل لا سيما بعد المواجهات العنيفة التي عرفتها المنطقة في عيد الفطر».وأوضح الناشط الحقوقي أن إطلاق سراح المعتقلين من دون قيد أو شرط، ووقف المتابعات والمداهمات يعد مطلبا أساسيا للمحتجين، وهو كفيل بتصفية الأجواء ووقف الاحتجاجات.في غضون ذلك، ظهرت بوادر انقسام في وجهات النظر بين نشطاء الحراك والمحتجين الذين بدأ بعضهم يناشد السكان التوقف عن الخروج للتظاهر في الشارع، فيما يرى آخرون ضرورة استمرار الاحتجاجات.في سياق ذلك، دعا المرتضى اعمراشن، أحد نشطاء الحراك، والمتابع في حالة سراح بتهم تتعلق بالإرهاب، المحتجين إلى وقف التظاهر والتحلي بالمسؤولية. وقال اعمراشن، في تدوينة له على «فيسبوك»، إن «كل من يدعو إلى النزول للاحتجاج في الحسيمة في هذه الفترة إنما يقدم خدمة مجانية لأجهزة المخزن (السلطة)، ودعاة الخيار القمعي، وأرجو التحلي بالمسؤولية من أجل المعتقلين والوطن». كما وجه اعمراشن انتقادات للمهاجرين المغاربة في الخارج المنتمين لمنطقة الريف، الذين يحرضون على الاحتجاج، وكتب في هذا السياق: «ما أجمل أن أجلس على سريري في هولندا وبلجيكا وقد ضمنت الأمن لي ولأهلي، وأطالب الناس في الريف بالنزول إلى الشارع، لتقديمهم لرجال القمع، والزج بهم في السجون».من جانبها، دعت لجنة الإعلام والتواصل للحراك الشعبي بالريف إلى توحيد أشكال الاحتجاج بعدما بدأت الأمور تخرج عن توجيه النشطاء، وقالت في بيان إن «الأشكال النضالية التي تخص الحراك الشعبي يقرها نشطاء الحراك بمعية الجماهير الشعبية، وأي شكل لم تعلن عليه اللجنة مرفوض، وأي دعوة لشكل آخر فإن نشطاء الحراك لا يتحملون فيه أي مسؤولية»، وهو ما يفيد بأن قيادة الحراك بدأت تفقد التحكم في مساره بعد اعتقال زعماء الحراك، وعلى رأسهم ناصر الزفزافي ومحمد جلول ونبيل احمجيق، وآخرون.وفي بادرة أخرى لتهدئة الأجواء أفرج قاضي التحقيق بالدار البيضاء الليلة قبل الماضية عن أحد المعتقلين، يدعى خالد بنعلي، وتقرر متابعته في حالة سراح بعد نداء مؤثر وجهه طفلاه إلى الملك محمد السادس، عقب اعتقال والدهما في رمضان، إثر مشاركته في الاحتجاجات.من جهة أخرى، أعربت المديرية العامة للأمن الوطني عن رفضها القاطع للاتهامات الموجهة إلى مصالحها وموظفيها بممارسة التعذيب في حق المحتجين في الريف، ووصفتها بـ«المزاعم الخطيرة»، استنادا إلى وثيقة جزئية منسوبة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، تم تسريبها خارج الإطار الرسمي.وأكدت المديرية، في بيان حرصها على صون حقوق الإنسان، كما هو متعارف عليها وطنيا ودوليا، واحترام ضمانات الحرية الفردية والجماعية خلال ممارسة الوظيفة الشرطية، وكذا ترتيب المسؤوليات القانونية على ضوء الإجراءات والمساطر القضائية، معربة عن رفضها توجيه التهم، ونشر الادعاءات على ضوء وثيقة جزئية وغير رسمية، لم تعرض على مصالح الأمن الوطني بالقنوات الرسمية، ليتسنى الرد على ما جاء فيها. وشدد المصدر ذاته على أنه سيجيب عن جميع الادعاءات التي وردت في تلك الوثيقة، حال توصله بها رسميا من الجهة التي أعدتها أو صدرت عنها، من منطلق احترامه التام للقانون، وتفاعله الإيجابي مع خلاصات وتوصيات المؤسسات الدستورية المعنية، وأيضا من منظور أن تلك الادعاءات غير الرسمية أسست استنتاجاتها «الطبية وغير الطبية» على إفادات وشهادات لأطراف محددة، دون استقراء وجهة نظر باقي المتدخلين المؤسساتيين والرسميين.كما أعربت المديرية عن أسفها البالغ للتوظيف المتسرع والاستغلال غير القانوني لهذه الوثيقة المسربة، والتي تطبع في كثير من الحالات بالطابع السياسي، خصوصا من بعض الجهات الأجنبية، بشكل يسيء إلى جهود المملكة المغربية ومكتسباتها في مجال تدعيم منظومة حقوق الإنسان.وأقرت المديرية العامة للأمن الوطني بأن القول بثبوت التعذيب، باعتباره فعلا مجرما يقع تحت طائلة القانون، ويندرج ضمن ولاية السلطات القضائية المختصة، بما توفر لها من قناعات وجدانية ومن خبرات طبية وإفادات وشهادات ومعاينات ومشاهدات موثقة، وهي مسألة لم تتوفر في هذه الوثيقة المسربة التي تعوزها الصفة أيضا، مشددة في المقابل على التزامها وتقيدها الصريح بالنتائج والخلاصات الرسمية، وحدها دون غيرها من التسريبات، التي تقتضي ممن يفترض فيه إعدادها إجراء بحث دقيق لتحديد ظروف وملابسات نشرها دون استيفائها للمساطر والشكليات المقررة قانونا.بدورها، أكدت وزارة العدل المغربية أنها أحالت تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان بشأن الخبرات الطبية المنجزة حول بعض المعتقلين على خلفية أحداث الحسيمة، فور توصلها به على الوكيل العام للملك (النائب العام) لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء والوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالحسيمة.وأوضحت الوزارة، في بيان صدر عنها أمس، أنه «في إطار سياستها التواصلية مع الرأي العام بخصوص أحداث الحسيمة، وعلاقتها بما تم تداوله من قبل وسائل الإعلام بخصوص تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان بشأن الخبرات الطبية المنجزة حول بعض المعتقلين على ذمة القضية، المحال إلى الوزارة، فإن وزير العدل وفور توصله بهذا التقرير أحاله إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء والوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالحسيمة، لضم هذه الخبرات إلى ملفات القضايا المعروضة؛ بعضها على قاضي التحقيق والبعض الآخر على المحكمة لاتخاذ المتعين قانونا».
مشاركة :