تطوران بارزان ظهرا في الموقف الفرنسي إزاء تسارع الأحداث في العراق نضحت بهما تصريحات وزير الخارجية لوران فابيوس صباح أمس: الأول، بتناول الشروط والظروف المطلوبة حتى تقبل باريس المشاركة في عملية أمنية في العراق لوضع حد لتقدم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام والثاني ضغوط فرنسية قوية على رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي حتى يسير بسياسة جديدة وحكومة جديدة تحت طائلة البحث عن بديل له. المواقف الفرنسية «المتقدمة» جاءت في حديث صحافي لفابيوس لقناة «بي إف إم» الإخبارية وهي تأتي زمنيا بعد المواقف التي عبر عنها الرئيس الأميركي باراك أوباما أول من أمس وأعلن فيها استعداد بلاده لإرسال مئات من المستشارين العسكريين الأميركيين إلى العراق والاستعداد للقيام بضربات عسكرية محددة الأهداف فضلا عن تشكيل غرف عمليات مشتركة. لكن ثمة فروق بين الموقعين الأميركي والفرنسي إزاء العراق: الأول، قانوني وهو أن باريس وبغداد غير مرتبطتين بأي اتفاق دفاعي أو أمني يمكن أن يشكل قاعدة قانونية لفرنسا في حال رغبت في مد يد العون للسلطات العراقية بينما مثل هذا الاتفاق قائم بين واشنطن وبغداد. والثاني أن بغداد لم تطلب من فرنسا أي شيء محدد لكنها بالمقابل تقدمت بطلب مساعدة رسمي للحكومة الأميركية. ويفسر هذا الاختلاف الشروط التي يعبر عنها الوزير فابيوس الذي ربط مشاركة باريس في أي عملية أمنية في العراق بتلقيها طلبا رسميا من السلطات العراقية من جهة وبصدور قرار من مجلس الأمن الدولي من جهة أخرى. والحال أن هذين الشرطين غير متوافرين في الوقت الحاضر ما يجعل السؤال نظريا محضا. لكن وزارة الخارجية الفرنسية حرصت، عبر مؤتمرها الصحافي الأسبوعي، إلى التذكير بالتعاون الأمني القائم بين البلدين في موضوع محاربة الإرهاب والمساعدة التي تقدمها فرنسا في هذا المجال واستعدادها لتكثيفها. لكن الحقيقة أن باريس تنظر إلى المسألة العراقية من زاوية أوسع وهي ترى وتؤكد أنه: «لا حل أمنيا» في العراق بل إن المعالجة الأمنية يجب أن تترافق مع إطلاق عملية سياسية أولى مظاهرها يجب أن تكون تشكيل حكومة وحدة وطنية لا تستبعد أحدا من مكونات الشعب العراقي. وقال فابيوس في هذا الصدد، إن بلاده «تدعو إلى قيام حكومة وحدة وطنية مع المالكي أو من دونه» ما يعين عمليا أن البحث في الخيارات التي يمكن أن تحل محل رئيس الوزراء العراقي الحالي قد بدأ بين العواصم المعنية إقليما ودوليا إلى جانب الاتصالات الداخلية. وكانت مصادر رسمية رفيعة المستوى قد أعلنت أول من أمس أن باريس تريد من المالكي أن يطلق دينامية سياسية جديدة تشمل الجميع وتمكن من تقاسم عادل للسلطات بعيدا عن أي استئثار وتمييز. ولم تتردد هذه المصادر في تحميل المالكي مسؤولية تدهور الأوضاع السياسية الداخلية الأمر الذي مكن داعش من تحقيق الانتصارات الميدانية التي حققها. وتريد باريس أكثر من ذلك إذ أنها تأمل في أن تضم الدول الإقليمية بشكل أو بآخر إلى الجهود الآيلة إلى إطلاق دينامية سياسية جديدة وتحديدا إلى محاولة فك التحالف بين داعش وبين المكون السني في العراق الذي يعد الجهة الحاضنة للتنظيم المذكور. وتذكر المصادر الفرنسية بما حصل في العراق قبل سبعة أعوام حين نجح القائد العسكري الأميركي بترايوس في إنشاء «الصحوات» التي نجحت في إخراج القاعدة من المدن والبلدات العراقية وتريد أن يعاد استنساخ التجربة التي لا يمكن أن تنجح ما لم تقم السلطات الحالية بما هو مطلوب منها من تقديم ضمانات وعدم الاستقواء بالدعم الخارجي وتسخيره في اللعبة السياسية الداخلية والاستمرار في سياسة التهميش والإقصاء. وبأي حال، لا تريد باريس أن يحسب الدعم على أنه «تغليب لفئة على فئة أخرى» فضلا عن أنها «لا تتدخل في اختيار القادة العراقيين» الأمر الذي يعود للعراقيين أنفسهم. بموازاة ذلك، ورغم التحفظات المشار إليها، فإن باريس ترى في تقدم داعش تهديدين أساسيين: الأول، تفتيت العراق إلى كيانات متناحرة والثاني قيام حرب أهلية واسعة النطاق فضلا عما تحمله هذه التطورات من نذر بالنسبة للبلدان المحيطة ولأمن واستقرار المنطقة بأسرها. وأكد فابيوس على تمسك فرنسا بوحدة العراق وعلى الحاجة لأن يتمسك العراقيون بوحدتهم لمواجهة التهديدات الداهمة.
مشاركة :