قمة حوض النيل.. المياه شريان حياة وتعاون

  • 7/6/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

د. محمد سالمان طايع *المتأمل لطبيعة العلاقات الإقليمية في حوض نهر النيل، يلحظ بوضوح أنها قد شهدت «مراوحة» بين التعاون تارة، والتصارع تارة أخرى. ويعد التعاون الدولي، وخصوصاً في مجال المياه، آلية فعالة لاحتواء وحل الصراعات الإقليمية. وقد طرحت «كلوديا صادوف» (C. Sadoff) فى الدراسة التى أعدتها بالاشتراك مع كل من «ديل وايتنجتون» (D. Whittington) و«ديفيد جري» (D. Grey)، والتى نشرها البنك الدولي عام 2002، مفهوم التعاون المائي، وفق المنظور الاقتصادي الذى يركز على فكرة المشاركة فى توزيع المنافع (Benefits Sharing) بين الدول النهرية، وعدم الاقتصار على التفكير فى مجرد توزيع المياه. في هذا السياق، شهدت مدينة عنتيبي الأوغندية، يومي 21 و22 يونيو/حزيران 2017، أعمال أول قمة رئاسية لدول حوض النيل. وتعد هذه القمة بمثابة نقطة تحول فارقة ومهمة في تطور العلاقات بين الدول النيلية، كونها القمة الأولى التي تجمع رؤساء دول وحكومات الدول النيلية لمناقشة سبل تطوير التعاون بين دول الإقليم النيلي، في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعدم الاقتصار، كما كان معهوداً، على الشأن المائي. إن انعقاد قمة حوض النيل يُعد بلا شك حدثاً تاريخياً فريداً، كونها تعتبر القمة الأولى التي تجمع كل دول حوض النيل، ومن ثم تفتح المجال أمام استشراف مجالات رحبة للتعاون تتجاوز ملف المياه لتشمل قطاعات تنموية عديدة.وتمثل هذه القمة إعمالاً لنوعٍ مهم من الدبلوماسية غير التقليدية، والمتمثل في «دبلوماسية المياه Water Diplomacy، والتي تعني مجموعة الأنشطة والفعاليات التفاوضية والدبلوماسية التي تستهدف قضية مائية معينة، وبحيث يتم حشد الكوادر والجهود البشرية وتخصيص الإمكانات المادية والرمزية خلال فترة زمنية محددة لتحقيق أهداف على الصعيد المائي الدولي، وبحيث تكون هناك خطة استراتيجية مائية تسعى الأجهزة الدبلوماسية من خلال تحركاتها وأنشطتها الخارجية إلى تحقيق أهدافها.وتتضح أهمية «دبلوماسية المياه» المقرونة بدبلوماسية القمة، التي تجمع رؤساء دول والحكومات، للتوافق حول قضايا تمثل أهمية محورية، في أنه يلزم لاستمرار قوة الدفع لتدعيم مسيرة العمل التعاوني في حوض النيل عدم الاقتصار فقط على قضايا التعاون فى قضايا السياسة الدنيا رغم تنوعها، وإنما يجب تحقيق قدر من التعاون في مسائل وقضايا السياسة العليا، وذلك من خلال التعاون فى المجالات السياسية والأمنية. وبالنظر إلى قمة حوض النيل الأخير، فإنه يمكن تفسير عقد هذه القمة على المستوى الرئاسي وتصعيد ملف مياه النيل لمستوى رؤساء الدول، إلى عدة أسباب، أولها: عدم اقتصار قضايا الملف على الجوانب الفنية فحسب، وتطرقها إلى قضايا سياسية تجعل الملف محل اهتمام رؤساء الدول لإيجاد حلول للقضايا العالقة، وثانيها: رغبة دول حوض النيل على مستوى الشعوب والنخب في توسيع آفاق التعاون الإقليمي- النيلي، ليشمل مجالات أخرى، وعدم اقتصارها على التعاون المائي؛ إعمالاً لمبادئ تبادل المنافع في النهر، وليس فقط تقاسم مياه النهر، وثالثها: السعي لتجاوز عقبة القضايا الخلافية بشأن الاتفاقية الإطارية للتعاون في حوض النيل (CFA) والمعروفة باسم «اتفاق عنتيبي». إن قمة حوض النيل بهذا المعنى تمثل كسراً للجمود الذي طبع العلاقات النيلية خلال العقد الثاني من الألفية الجديدة، ولاسيما بعد أن علَّقت كلٌ من مصر والسودان نشاطهما في مبادرة حوض النيل، عقب توقيع باقي الدول على الاتفاقية الإطارية لمياه النيل؛ المعروفة إعلامياً ب «اتفاقية عنتيبي». ومن ثم، فإن هذه القمة هي الأولى على مستوى رؤساء الدول المتشاطئة في حوض النيل؛ منذ عام 2010.وقد تناولت المباحثات في قمة «عنتيبي» الأخيرة مناقشة سبل الارتقاء بالتعاون الثنائي في القطاعات المختلفة، ولاسيما على الأصعدة الاقتصادية والتجارية، والتباحث حول الإمكانيات المتاحة لزيادة التبادل التجاري بين البلدان النيلية، وتذليل العقبات لإقامة مزيد من المشروعات المشتركة. كما تطرقت القمة لمناقشة سبل تطوير وتنمية العلاقات بين دول حوض النيل على مختلف الأصعدة، كما تمت مناقشة عدد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، ومواصلة الجهود المشتركة لتحقيق الاستقرار والتنمية في إفريقيا، وخاصةً في منطقة حوض النيل، ومنطقة البحيرات العظمى والقرن الإفريقي. وذلك في ضوء ما تقوم به أوغندا والرئيس موسيفيني من جهود ملموسة لتعزيز السلم والأمن في منطقتي حوض النيل والقرن الإفريقي والقارة الإفريقية بشكل عام، حيث تباحث رؤساء دول وحكومات حوض النيل المشاركون في القمة سبل تعزيز الأمن والاستقرار بالقارة الإفريقية والتوصل إلى تسويات سياسية للأزمات القائمة بعدد من دولها، إضافة إلى سبل تكثيف التنسيق والتشاور بين الدول النيلية حول تلك القضايا في إطار المحافل والمنظمات الدولية.وعلى الصعيد الإقليمي، أكد الرئيس السيسى، حرص مصر على تكثيف التنسيق والتشاور مع أوغندا، إزاء مختلف القضايا الإقليمية، منوهاً بالتطلع لأهمية تعظيم الاستفادة، مما يمثله نهر النيل من شريان حياة يربط بين مصر وسائر الدول النيلية؛ والعمل معاً لتنفيذ مشروعات لزيادة إيراد النهر بما يحقق المصالح المشتركة لجميع دول الحوض. وقد أكد الرئيس الأوغندي في هذا الإطار أهمية تعزيز الحوار والتعاون بين مختلف دول حوض النيل، مشيراً إلى اعتزامه العمل على تحقيق ذلك خلال فترة رئاسته لمبادرة دول حوض النيل. وكان الرئيسان المصري والأوغندي قد أبديا ترحيباً كبيراً بمشروع «الربط الملاحي بين بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط»، وأكدا أهمية العمل على اتخاذ الخطوات اللازمة لتنفيذ المشروع عقب انتهاء الدراسات الخاصة به؛ وذلك خلال القمة التي جمعتهما في ديسمبر/كانون الأول 2016.إن سبل الاتفاق المأمولة من انعقاد قمة حوض النيل ستكون مرهونة بعدد من العوامل، أولها: استمرار ودورية انعقاد تلك القمة على المستوى الرئاسي كل عام لدفع سبل التعاون، وتذليل العقبات أمام التوصل لاتفاق نهائي، يضم كل الدول النيلية. ولعل هذا الدعم السياسي على مستوى القمة هو الذي قلل من احتمال حدوث انتكاسه أو تراجع (spill - Back) لأية خطوات تعاونية. وثانيها: النجاح في اختراق الموقف المائي الراهن والخروج من المعادلة الصفرية بشأن بعض القضايا الخلافية في اتفاقية عنتيبي. وثالثها: الرؤية التكاملية متعددة الأبعاد للتعاون والتكامل بين الدول النيلية للانتفاع بموارد النهر، وكذا الموارد المتاحة في كل الدول بعيداً عن النهر Benefits beyond the river. وأخيراً، فإن خبرة العمل التعاوني في النظام الإقليمي لحوض نهر النيل، تؤكد وتثبت صحة النتيجة التي خلصت إليها أدبيات العلاقات الدولية ذات الصلة بتحليل ظاهرة التعاون الدولي، من أنه توجد ثمة علاقة عكسية بين عدم الاستقرار السياسي من ناحية، والتعاون الإقليمي من ناحية أخرى. حيث تتعثر الجهود التعاونية والتكاملية كلما زاد عدم الاستقرار السياسي، والعكس صحيح. ويؤكد ذلك «جون ووتربري» أستاذ العلوم السياسية بقوله «إن ما يعوق استمرار بقاء العلاقات الطيبة بين مصر ودول حوض النيل هو كثرة الانشغال بالمشكلات الحدودية والحروب الأهلية، والتي تحول دون استغلال مياه النهر بطريقة أفضل».* أستاذ العلوم السياسية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية

مشاركة :