مجلس التعاون الخليجي ثابت رغم عاصفة الغضب من قطرأنشئ مجلس التعاون لدول الخليج العربية في سنة 1981 بهدف توحيد دول الخليج العربية في مواجهة الجمهورية الإسلامية الإيرانية الصاعدة والتي كشفت عن اتجاه معاد للدول الخليجية. ولم يخف قادة إيران الجدد نيتهم تصدير فكرهم إلى المجتمعات في المنطقة، وهو هدف مثّل تهديدا للدول الخليجية العربية. ومنذ ذلك التاريخ، نجحت دول الخليج العربية في أن تخلق جدار صد للمخططات الإيرانية ساعدتها على ذلك المواقف الدولية الرافضة للسياسات الإيرانية. وفي الأثناء كانت إيران تعمل في صمت من أجل زرع أذرع لها في دول خليجية مثل البحرين كما وجدت تجاوبا من قطر للتواصل وضرب أمن دول الخليج العربي عرض الحائط، الأمر الذي استدعى بعد سنوات من التحذير ردا حازما انتهى إلى قطع العلاقات مع قطر في خطوة يرى البعض أنها ستؤثر على مجلس التعاون لدول الخليج العربية، إلا أنها لن تؤدي إلى تفككه.العرب [نُشر في 2017/07/06، العدد: 10683، ص(7)]مخاض عسير الرياض - قبل ستة وثلاثين عاما تم إنشاء مجلس التعاون الخليجي ردا على الأوضاع غير المستقرة التي حدثت في المنطقة في أعقاب الثورة الإيرانية وبداية الحرب الإيرانية العراقية. وعلى امتداد تلك السنوات نجحت دول المجلس، رغم عدد من التباينات والاختلافات، في أن تحافظ على الكيان الخليجي متماسكا. لكن، اليوم، وعلى وقع موقف المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، من قطر، ينظر البعض من المراقبين بقلق نحو الصورة المتماسكة لهذا التكتل الذي كان ينظر إليه باعتباره النسخة الخليجية الناجحة من الاتحاد الأوروبي. واليوم يقارنون بين التكتلين اللذين يمران بأزمات تهددهما. ولم يتحدد بعد الموقف من عضوية قطر في المجلس، وإن كانت بعض المصادر ألمحت إلى أنه لم يعد مقبولا أن تبقى قطر عضوا كامل العضوية داخل المجلس في حال استمرت في سياساتها المهددة لأمن الدول الأعضاء واستقرارها، ما يعني مخالفة قوانينه ولوائحه. ويرى الباحث في المعهد الملكي البريطاني للشؤون الخارجية كريستيان كواتس أولريشن، أن دول الخليج العربية الآن تحت ضغط اختبار من شأنه أن يحدد مصير قطر من حيث استمرارية الانتماء أو الانسحاب من هذا المجلس، ما يعني أيضا مصير المجلس ككتلة موحدة، خصوصا وأن انسحاب قطر قد يجر معه انسحاب سلطنة عمان. لكن، استبعدت قطر تعليق عضويتها في مجلس التعاون، في إطار أي عقوبات إضافية قد تفرضها السعودية والإمارات والبحرين ومصر عليها. وقال وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، خلال لقاء في معهد تشاتام هاوس في لندن، إنه لا يمكن اتخاذ مثل هذا القرار لأنه يتعين اتخاذه بالإجماع. تعقيدات ولكن.. لا يشكل مجلس التعاون لدول الخليج العربية في مضمونه أي تحالف سياسي أو عسكري، ويفتقر إلى وضع هيكلة مؤسسية تكاملية صانعة للقرار من أجل تقاسم السيادة، على غرار المفوضية الأوروبية. فهو لا يملك سلطة صريحة في مجال وضع السياسة الخارجية التي تقوم على إبرام المعاهدات، ولا يزال يحتفظ أعضاؤه بالمسؤولية عن جميع جوانب الحياة السياسية والاقتصادية ومقاومتهم الشديدة لتدابير المجلس التي يمكن أن تحد من سيادتهم التي اعتادوها.كريستيان كواتس اولريشن: الأزمة توفر لإيران فرصة لتوسيع الفجوات بين دول مجلس التعاون الخليجي ولسنوات ظلت دول المجلس تكافح من أجل حل قضايا مثل عقد اتفاقية الاتحاد النقدي لتوحيد العملة النقدية بين دول الخليج ولتوثيق العلاقات السياسية بين الدول الأعضاء، لكن كانت دائما هناك بعض العوائق أمام تحقيق الاندماج الكامل، فمثلا تم تعليق الأمر بخصوص الوحدة النقدية والذي كان من المتوقع تنفيذه في عام 2010 عندما انسحبت الإمارات من المشروع بعد أن تم اختيار الرياض لتكون مقرا مستقبليا للمصرف المركزي الخليجي بدلا من أبوظبي. وفي أعقاب الاضطرابات الإقليمية التي سببتها ثورات الربيع العربي، فشلت المقترحات السعودية لتحويل مجلس التعاون إلى اتحاد سياسي. لكن، ذلك لم يعق تحقيق تقدم أكبر في مجال الهيكلة التنظيمية والحوكمة وتوحيد ممارسات التشغيل التي تقدم فوائد عملية ملموسة مع التجنب الكامل لأي قضايا سياسية تخص أيا منهم. ومن الأمثلة الدالة على ذلك، يذكر كريستيان اولريشن ميثاق الأمن الداخلي الذي أقره مؤتمر قمة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي السنوي الذي انعقد في البحرين في ديسمبر 2012. ونص هذا الاتفاق على تنسيق سياسات الأمن الداخلي والمراقبة بين الدول الأعضاء الست، فضلا عن زيادة قنوات تبادل المعلومات وتوحيد خطط العمل المشترك. ومن المفارقات التي حدثت أن قطر كانت أول دولة خليجية تصادق على هذا الميثاق في 28 أغسطس 2013، بعد شهرين فقط من تولي الأمير تميم الحكم. الأمر صعب هذه المرة شهد مجلس التعاون الخليجي نزاعا دبلوماسيا سابقا في العام 2014 بين قطر وكل من السعودية والبحرين والإمارات، حينما سحبت الدول الثلاث سفراءها من الدوحة لمدة ثمانية أشهر واتهمت قطر بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول الإقليمية. ثم لعب أمير الكويت، الذي يتمتع بخبرة 40 عاما قضاها في منصب وزير للخارجية، دور الوساطة في محاولة منه لحل الأزمة. وتم حل الأزمة منذ ثلاث سنوات في اجتماع عقد في الرياض في نوفمبر 2014، قدمت فيه قطر بعض التنازلات نذكر منها إغلاق فرع قناة الجزيرة المصري ونقل أعضاء جماعة الإخوان المسلمين والمنشقين الإسلاميين الآخرين إلى إسطنبول ولندن. لكن، الأمر أصعب هذه المرة لأن الظروف والتداعيات تختلف بشكل كامل عما حدث في 2014. ولعل من أكثر المواقف التي تكشف صعوبة الموقف الذي تسببت فيه سياسات قطر أن الأمانة العامة لمجلس التعاون لم تتخذ موقفا واضحا أو مبادرة من شأنها حل الأزمة الخليجية، التي بدأت بقطع كل من السعودية والإمارات والبحرين علاقاتها مع قطر، وقيامها بمواجهة قطر وليس من خلال الأمانة العامة للمجلس، فضلا عن الدور الذي يقوم به أمير دولة الكويت كوسيط بدلا من الأمين العام. البيت الخليجي سيشهد بعض التغييرات حتما عقب الأزمة الراهنة، وهي تغييرات وإن كان لا يمكن التنبؤ بها على الأقل في القريب العاجل، غير أنّها ستترك بصمتها، لا سيّما أنّ قبل التصعيد الأخير ضد قطر، طرحت أسئلة عديدة حول مستقبل مجلس التعاون لدول الخليج العربية في ظل التباينات في المواقف من الأزمات في المنطقة وأساسا من الموقف من إيران التي تربطها علاقات جيدة بسلطنة عمان وقطر. ويحذر كريستيان كواتس أولريشن من أن هذا النزاع سيعطي الفرصة لبعض الخصوم مثل إيران للتدخل وتوسيع الفجوات بين دول المجلس وإفساد الشراكة الأمنية الرصينة التي لطالما ربطت بين الدول الخليجية. وبالتالي تدرك بعض الدوائر الحاكمة في الكويت وعمان والتي تقف على رأس القائمة لإدارة المجلس أنها قد تتعرض لضغوط مماثلة في المرة القادمة، وعليهم أن يراقبوا الموقف بعناية لمعرفة تأثير محاولة الضغط على قطر في إعادة تشكيل مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وامتد القلق على مستقبل التعاون الخليجي إلى واشنطن، حيث شدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب على ضرورة وحدة المنطقة ودور مجلس التعاون في مكافحة الإرهاب. وأشار البيت الأبيض إلى أنّ ترامب شدّد خلال اتصال مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز على أن مجلس التعاون الخليجي يعد حاسما لهزيمة الإرهاب وتعزيز الاستقرار في المنطقة.
مشاركة :