لا ننكر أن بوجناح يحب تونس، ولكن من يحب بلاده يعادي من يعاديها، وفي الأقل لا يدين له بالولاء وهو يراه يذبح الشعب الفلسطيني ويغتصب ما تبقى من أرضه ويصادر حريته ويستحوذ حتى على تراثه.العرب أبو بكر العيادي [نُشر في 2017/07/06، العدد: 10683، ص(15)] أثار خبر استضافة الفنان الكوميدي اليهودي من أصل تونسي ميشيل بوجناح لفعاليات مهرجان قرطاج ضجة كبرى في وسائل الإعلام والمواقع الاجتماعية، وقرأنا للمدافعين عن مجيئه أن تونس بلده، ومن حقه أن يأتيها متى يشاء، وليس لمعترض أن يعترض على قدومه لكونه يهوديا، فاليهود، على قلة عددهم، تونسيون قبل كل شيء. وأن الرجل شديد التعلق ببلاده، لا ينفك يدافع عنها في المحافل الإعلامية، ويدعو أصحاب القرار في فرنسا إلى الوقوف إلى جانبها، ومساعدتها كي تخرج من أزماتها المتعاقبة، سواء بترغيب السياح في زيارتها، أو باستمالة المستثمرين لتنشيط حركة التنمية. بيد أنهم يتجاهلون سبب هذه الحملة المناهضة لقدومه، لا بل لاعتلائه مسرح قرطاج الأثري، فالاعتراض ليس على يهوديته، ونحن نعلم أن اليهود المهاجرين، من أصول تونسية وحتى أجنبية، يحجون كل عام إلى كنيس الغريبة بجزيرة جربة، ويُستقبلون بترحاب كبير من قبل الساهرين على الشأن العام، وتُجنّد لحمايتهم كل الطاقات، وإنما لتعاطفه المعلن مع إسرائيل وعلاقته بالصهيونية. فالمسألة ليست معاداة للسامية كما كتب بعضهم، بل هو موقف نابع من رفض السواد الأعظم من التونسيين التطبيع مع إسرائيل، ومعاداتهم كلَّ من له صلة من قريب أو بعيد بالصهيونية، تماما كموقف الجزائر من المغني اليهودي من أصل جزائري أنريكو ماسياس، الذي لا يجاهر بدفاعه عن الكيان الصهيوني فقط، بل لا يترك مناسبة كي ينزل إلى الشارع في مظاهرات تندد بدخول القادة الفلسطينيين التراب الفرنسي، حتى للعلاج، كما حصل مع جورج حبش وياسر عرفات. وليس أدل على أن الموقف من بوجناح لا علاقة له بمعاداة السامية، تنقُّل أعلام كثيرين من الجالية اليهودية المهاجرة كجيزيل حليمي وسيرج مواتي وسنية فلّوس وباتريك سيمون في أرجاء بلدهم تونس، بحرية تامة كأي مواطن تونسي. وقرأنا أيضا، في سياق الدفاع عن حضوره، أنه فنان وليس رجلا سياسيا كي يحاسب على تصريحاته ومواقفه، وكأن الفنان حِلٌّ من المحاسبة. وهذا رأي مردود عليه، فالمشاهير، أي أولئك الذين لهم قاعدة جماهيرية عريضة، قد يكون لتصريحاتهم صدى أوسع مما لرجال السياسة، وهو ما لمسناه خلال الانتخابات الرئاسية الفرنسية الأخيرة، إذ تناقلت وسائل الإعلام الكبرى تحذير زيدان، نجم كرة القدم، من التصويت لفائدة العنصرية مارين لوبان. لا ننكر أن بوجناح يحب تونس، ولكن من يحب بلاده يعادي من يعاديها، وفي الأقل لا يدين له بالولاء وهو يراه يذبح الشعب الفلسطيني ويغتصب ما تبقى من أرضه ويصادر حريته ويستحوذ حتى على تراثه. كاتب تونسيأبو بكر العيادي
مشاركة :